الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة الأردنية العصيبه وتأبين النظام

خالد سليمان القرعان

2007 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


الاردن يعيش اليوم وقتاً عصيباً أو لنقل مرحلة صعبة وحساسة من تاريخه، وأن ثمة أزمة مركبة ومتعددة الأبعاد، في مستوى السلطة والمجتمع، تعصف بها، ولا يغير من هذه الحقيقة ما تشهده تجليات هذه الأزمة ووجوهها من موجات مد وجزر، أو توتر وهدوء، تبعاً لما يستجد من تطورات داخلية وربطاً بدور العوامل الإقليمية والعالمية المرافقة ودرجة تأثيرها.
أولاً، أحكمت التطورات الإقليمية تأثيرها على النظام الاردني وأفقدته الكثير من عناصر القوة والمواجهة ولنقل وضعته في دوامة عجز نموذجه الشمولي عن إعادة إنتاج مقومات الهيمنة والسيطرة، وانكشاف هشاشة وزيف مقومات الشرعية، أيديولوجياً وسياسياً، التي استند اليها النظام الملكي لتعزيز سلطانه.
وكلمة انكشاف لا تعني ظهور أمر مجهول على الناس بقدر ما تعني انهيار القدرة السياسية على التغطية والتمويه وانفضاح قوة المصالح الأنانية الضيقة والعلاقات المتخلفة التي تعضد السلطة، وزاد الأمر وضوحاً حين رفع ما كان يسمى "الغطاء الدولي" الذي حضن سياسات النظام ورعاها طيلة عقود، ليصح القول إن الاردن يعيش اليوم نهاية حقبة طويلة من التفاهم والتسليم العالميين بدوره الاستبدادي خاصة بعد تهديد بوش لهذا النظام ، وبأن مرحلة جديدة بدأت عنوانها تفكيك آليات الصراع القديمة وقلب قواعد لعبة سادت طويلاً في منطقة الشرق الاوسط ، كان يفترض أن تتهاوى منذ زمن طويل ونهاية الحرب الباردة، إلا أن اختيار النظام الملكي الانضواء تحت راية الولايات المتحدة والولة العبرية ضمن التحالف الدولي المناهض لصدام حسين في حرب الخليج الثانية مد من أنفاس هذه القواعد لوقت إضافي.
إن النخبة السياسية التي قدمت نفسها بصفتها نخبة وطنية وذات رسالة قومية، والتي بدعوى مواجهة المطامع الإمبريالية والصهيونية ومعالجة الوضع الممزق للأمة العربية، تمكنت من تسويغ مختلف أشكال الاستئثار والاستبداد وتشديد القبضة القمعية على المجتمع الاردني ونهب ثرواته، لم تعد تستطيع اليوم بعد النتائج المحبطة والمخجلة التي وصلنا اليها، قومياً ووطنياً، إعادة إنتاج شرعيتها السياسية كما كانت تفعل سابقاً لتبرير استمرارها في سدة الحكم وما تقوم به، الأمر الذي هز هيبتها وحسر شعبيتها بصورة لافتة ووضع طابع كفايتها في مركز البحث والنقد مساهماً في مسار تصدعها وتفككها البنيوي .
فليس أمراً عادياً أن تخسر سلطة شمولية استبدادية ، تعتبر نفسها كلية القدرة والجبروت، وبتواتر زمني قصير، ما راكمته من نفوذ إقليمي وبخاصة في العراق وحتى يقتل الاردنيين الذين حاربوا امريكا هناك على يد ذات النظام الاردني ومخابراته .
وليس أمراً مألوفاً أيضاً أن تصل البلاد إلى هذه الحالة من العزلة والحصار، وتعجز مختلف المحاولات لتجاوزها أو التخفيف منها، فالسعودية والامارات ، فشلتا في تقديم المساعدة والتوصل إلى تسوية يمكن أن ترمم العلاقات الاردنية الفلسطينية او غيرها من دول المحيط ، وفي تخفيف الضغط العالمي ووطأة قرارات مجلس الأمن، ضمن أجواء يعرف النظام الحاكم جيداً ما يعنيه الخروج عن الشرعية الدولية وماهية الخيار الوحيد الباقي لمساعدته وهو الخيار الاصعب متمثلا بخروج القوات الامريكية في العراق منتصره ، وأنه ليس خياراً هيناً وسهلاً، بل قد يفضي إلى نتائج خطيرة أوضحها تحويل الساحة الاردنية إلى ما يشبه ورقة بيد السلطة الثورية الفلسطينية من اجل ترسيخ الوطن البديل .
متغيرات كثيرة حدثت، لم تأخذها السلطة الاردنية في الاعتبار أو رفضت التأقلم معها، إما عن ضعف وعجز، أو ربما تشبث واعٍ بمصالح وامتيازات لا يريد أصحابها التنازل عنها أو عن بعضها حتى لو كان الطوفان، أو لعل الأمر سوء تقدير وتضخيم للذات والاعتقاد بأن الاردن لا يزال يشكل الرقم الصعب في المنطقة استقراريا والذي لا يمكن بأي حال تجاوزه وأن ما راكمته من قوى وخبرات عسكرية ومن صلات وأوراق نفوذ يستحق أن يؤخذ بالحسبان وألا يهمل، بالتوازي مع العزف على وتر التحذير من خطورة تغيير الأوضاع والتهويل بأنه الخيار الأسوأ أمام احتمال حضور فوضى لا تبقي ولا تذر أو احتمال حضور تيار إسلامي متشدد يتحين الفرصة للانقضاض على السلطة والمجتمع او حركات ثورية اخرى كحركة التحرر الوطني الاردني المتمثلة بحركة اليرموك !!
وإذا كان ثمة فائدة في الماضي لمثل هذا العزف لكن يتأكد مع الوقت أنه لم تعد من قيمة كبيرة للتهديد بنقل المنطقة إلى الفوضى أو نقل الصراع إلى ساحات أخرى، وأصبح من العبث التفكير بربح معركة الداخل إقليمياً وإعادة صياغة الشرعية والامتيازات على أساس السياسات الخارجية كما يلعب النظام الاردني حاليا ضد النظام السوري او النظام الايراني .
صحيح أن النظام الاردني لم يفقد بعد كل أوراق قوته، وهو مازال يملك ما يحلو للبعض أن يصفه بـ"القدرة على الإرباك والأذى" لكن من الخطأ الاعتقاد أنه قادرة على وضع هذه الأوراق في سياق مواجهة بعيدة المدى، خاصة مع افتقاده لرؤية متكاملة يمكن من قناتها بناء إستراتيجيات ووضع التكتيكات المناسبة ومع وضوح اندفاعاته غير المنطقية مع الدولة العبرية ، وظواهر الارتباك والاضطراب التي كشف على نحو فاضح عمق اتساع الهوة بين ما يدعيه وما يستطيعه، وبين ما يعلنه وما يضمره.
وبالمقابل تتجلى أزمة النظام الاردني داخلياً، عجزاً وتخوفاً وضيق صدر في مواجهة الحراك السياسي والثقافي المحدود، بابتداع ما يحلو له من خطوط حمر تضع كل من يلامسه في دائرة الحساب والعقاب، والاستمرار في إرهاب الناس عبر المتابعات الأمنية والاعتقالات التي طاولت مؤخراً عدداً من المثقفين ونشطاء المجتمع المدني.
لقد ابتليت مجتمعاتنا بمنطق خاص في خوض الصراع فرضه مدعو الوصاية على الناس والوطن، وجوهره ليس التنافس الصحي لاختيار الأفضل في إدارة المجتمع والأكثر كفاية للتعبير عن مصالح فئاته وتكويناته المتعددة بل مبدأ القوة والجبروت ووسائل القمع والإرهاب، وصارت المعادلة الشائعة مع كل "أزمة" تعصف بالنظام الاردني هي اللجوء إلى الردع الأمني والمسارعة في حال الاختلاف والتعارض مع شخص أو جماعة ما، إلى تعطيل دوره أو دورها بالتزوير والتشهير أو بالقمع والسجون وحتى بالإقصاء والإلغاء.
ثانياً، تشتد معاناة الوضع الاقتصادي من البطء والتثاقل ومن تراجع القدرة والكفاءة على تنشيط وجذب الاستثمارات، الأمر الذي يثير القلق ويطرح أسئلة مشروعة حول سبب انكماش قطاع الاستثمار، هل يعود إلى تردي شروط التحفيز المادية، أم إلى عدم ملاءمة المناخ السياسي والقانوني لرؤوس الأموال العربية والأجنبية؟!...
أمر بديهي أن يحجم أي مستثمر عن توظيف أمواله ما دام لا يجد ضمانات قانونية ومناخا سياسيا ديمقراطيا يحمي أمواله ويحد من تطاول السلطات التنفيذية ووصايتها على أنشطة الحياة الاقتصادية. فالمناخ السياسي المناسب في الاردن لا يزال غائباً، وعشرات المراسيم والقوانين التي صدرت -على أهميتها وضرورتها في تحديث التشريعات القديمة والمتخلفة- لم تحدث نقلة مهمة في مستوى الإصلاحات الإدارية والهيكلية ولم تتمكن من توفير المناخ القانوني والتشريعي المطمئن لرؤوس الأموال، إذ بقي بعضها دون تطبيق وتعثر بعضها الآخر أو تعرقل في مواجهة بيروقراطية متأصلة وعنيدة وأمام حالة من العطالة والترهل تسم معظم المؤسسات الاقتصادية والإدارية.
وفي المقابل الآخر تتفاقم ظاهرة البطالة وقد ظهر أن الإجراءات والتسهيلات التي منحت قروضاً ميسرة لبعض العاطلين عن العمل فشلت في معالجة هذه الظاهرة أو التخفيف من آثارها السلبية الحاضرة في مختلف مناحي الحياة، مثلما يزداد انتشار الفساد ويستشري في الدولة المجتمع، وبدا جلياً للعيان من خلال فتح ملف الفساد في مختلف دوائر النخبة الحاكمة التي تحتكر السلطة والثروة معاً، وبعضها توغل إلى حد مفجع في سرقة المال العام وتسخير نفوذه السياسي لمراكمة المغانم والثروات، في حين تزداد الأوضاع المعيشية لغالبية المواطنين تردياً.
ولم تنجح المنح والزيادات التي أضيفت إلى رواتب عمال وموظفي الدولة في تضييق حجم الهوة بين الأسعار والأجور، فجرى امتصاص قسمها الأكبر من خلال الزيادات التي طرأت على السلع ورفع الدعم عن بعض الحاجات الحيوية كالقمح والشعير ، وأيضاً عبر تراجع القدرة الشرائية للانسان الاردني .
ثالثاً، الحالة الضعيفة والمترددة للمعارضة الاردنية ، والتي وإن حققت نقلة مهمة في توحيد موقفها من عملية التغيير الديمقراطي بعد "إعلان قانون الاحزاب " إلا أنها لا تزال عاجزة عن المبادرة ومقصرة في التعاطي مع ما يحصل من مستجدات لان اغلبها احزاب مخابراتية ورجال دوله .
وليس هذا الأمر بمستغرب طالما لا تزال في غالبيتها أسيرة العقلية الأيديولوجية في فهم مسار التغيير الديمقراطي وفي التحسب من أجندة القوى الخارجية ومخططاتها، وكم يؤلمك أن يبدي بعضها اليوم رغبة معاكسة للتغيير في الدعوة للمحافظة على ما هو قائم كمكتسب "وطني وقومي" والدعوة الى إرجاء الإصلاح الديمقراطي بصفته، أي هذا الإرجاء، أحد وجوه الانتصار على الهجمة الأميركية على العراق التي تمرر ضغوطها تحت يافطة الحرية والديمقراطية، وكأن هزائمنا المتعددة وحالنا التي تثير الشفقة لم تقل كلمتها بحق هذه العقلية!! وكأن الشروع بانفتاح جدي على المجتمع الاردني وقواه الحية وتحريره من الأحادية والفساد، هو نوع من التفريط الوطني وإضاعة لمكتسبات قومية!!
إن كثيرا من القوى المعارضة نما وترعرع في مناخ النظام ومخابراته وورث حزمة من الأمراض والمثالب أربكت دوره وحدت من فاعليته، وثمة عدد غير قليل من المعارضين لا يزالون يستلهمون رؤيتهم من منظومة أيديولوجية عفا عليها الزمن، أو تتحكم في مواقفهم الحسابات الذاتية والمصالح الحزبية الضيقة، الأمر الذي أفقد المعارضة الاردنية حيويتها ورؤية موحدة تعتبر أكثر من ضرورية لبناء عزم وحزم أكيدين لإنجاز التغيير.
الوحدة الموضوعية على هدف التغيير الديمقراطي، لا تخفي، أبداً، الواقع المشتت فكرياً لقوى المعارضة الاردنية ، وغالباً إخفاقها في توحيد إيقاع ممارساتها السياسية، ولعل الإشكالية الأهم التي لا تزال تؤثر بمواقف هذه المعارضة وتصوغ اصطفافاتها هي علاقة الداخل والخارج في عملية التغيير، وقد ظهر للعيان مدى عجز الفكر المعارض عن إحداث قطيعة معرفية مع أفكار الماضي وتأخره في قراءة جديد العلاقة بين الوطني وبين الإقليمي والعالمي.
وفي هذه النقطة يمكن القول إن الأمور يجب أن تؤخذ على النقيض تماماً مما يذهب إليه البعض، فتصاعد الضغوط الغربية والحضور اللافت والمنظم لمعارضةاردنية في الخارج، أمر يزيد من إلحاح التغيير ودور المعارضة الديمقراطية وليس العكس، فأن تقاوم الخارج ومأربه عليك أولاً معالجة المشاكل الداخلية التي تدفع بالمزاج الشعبي وأحياناً السياسي ليجد في أي كان، أميركا أو غيرها مخلصاً ومنقذاً، وإلا تغدو كمن يكتفي بالصراخ ضد الخارج ومخططاته بينما تمده عملياً أو موضوعياً بأسباب القوة والفعل.
إن الظرف العصيب الذي يعيشه الاردن اليوم وانكشاف عمق أزمة النظام يضع على عاتق المعارضة الموالية الديمقراطية مهمة إنقاذ تاريخية، تستصرخها لتتجاوز ذهنية الماضي وأساليبه والارتقاء إلى مصاف قوة فعل حقيقية قادرة على انتزاع زمام المبادرة، خاصة مع فشل الخارج في اختراق صفوفها واصطدامه بحساسية مفرطة ترفض الاستقواء به، ليس فقط بسبب موقفها المبدئي، وإنما أيضاً لحضور روح عميقة مناهضة لسياساته المنحازة ضد الحقوق العربية والداعمة لجرائم العدو الصهيوني.
رابعاً، استمرار شيوع حالة اللامبالاة والسلبية عند الناس إن لم نقل تراجع رغبتها في التغيير لأسباب عديدة، منها حالة الخوف التي يعاود النظام نشرها وترسيخها بين الناس لشل دورهم في الحياة العامة، ومنها غياب معارضة تكون موضع ثقة وقادرة على تعميم تصورها حول الطريق الآمن لإنقاذ ارض الاردن من الأزمة التي تعصف به، ومنها تراجع إيمانهم بأهمية الديمقراطية ودورها، وهم يراقبون ما أفضت إليه في فلسطين ولبنان، وأساساً جراء ما خلفته التجربة العراقية من يأس وإحباط، ومن تحسب وتخوف أن تفضي عملية التغيير في سوريا إلى ما صارت إليه هناك!!.
لعل أفضل وصف للأزمة الراهنة التي يمر بها الاردن هو القول إنه مخاض عسير يقف على نتائجه وطرائق عبوره الكثير، ما يستدعي الإفادة من الهامش المتاح، مهما كان بسيطاً ومحدوداً، لإنقاذ البلاد من شر ما تذهب إليه.
فليس النظام الحاكم وحده معرضا للتفكك والتبدل، ولكن ربما قبله ومعه وبعده الكثير من القوى والبنى والاصطفاف السياسية، وفي مواجهة الراهن لا قيمة للخطابات والشعارات بدون ما يكافئها على أرض الواقع من ممارسة صحيحة وصائبة تستند إلى الانفتاح والتشارك وقواعد العمل الديمقراطي، فالمخرج من الأزمة الراهنة صار بيد الناس والقوى التي تحظى بثقتهم ودعمهم.
لقد أصبح التغيير الديمقراطي في سوريا مسلمة يتفق على مشروعيتها وراهنيتها الكثيرون، لكن شرط تقدمها يحتاج إلى الارتقاء في الوعي والمسؤولية والقدرة على المبادرة، إلى قوى حية تتطلع إلى انتزاع ثقة المجتمع، عبر التحرر من كوابح الماضي، والقيام بما يشبه الثورة في المفاهيم وفي طرائق التفكير والعمل.
تبدأ بوقفة نقدية جريئة تكشف أسباب العجز والتقصير وظواهر التردد والخوف، وتعيد بناء وعي جديد، يأخذ الديمقراطية كغاية في ذاتها لا مجرد وسيلة لتحقيق مصلحة ضيقة أو هدف سياسي عابر، وعياً يمتلئ ثقة بالناس ويعتبر أن الجهد الرئيس يجب أن ينصب نحوهم بصفتهم المحرك الرئيس لكل تحدٍ وتطور وتغيير!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا