الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البذور المنتقاة لديمقراطية بوش

عبد الإله بوحمالة

2007 / 9 / 23
كتابات ساخرة


جورج بوش، هذا المزارع الأمريكي الجديد حينما ساق بغاله وحميره وشحن محاريثه الجهنمية ليخوض بها عباب البحار والمحيطات نحو الشرق الأوسط، فعل ذلك، لأن المنطقة في رأيه عبارة عن فيافي جرداء وصحارى قاحلة من الديمقراطية خالية من الحرية يبابا من حقوق الإنسان.
وبما أن هذا التصحر الديمقراطي الشنيع في شرقنا الأوسط أصبح في السنوات الأخيرة بيئة متوحشة طاردة لا تنتج إلا الغاضبين الناقمين المتطرفين الذين يحملون معهم سخطهم الدفين وتطرفهم المشحون ليفجروه في حقول أمريكا المسكينة بكل غل وضغينة، وبما أن رمال هذا التصحر الزاحفة وزوابعه المدمرة أصبحت تطاول تلك "الواحة" الوحيدة المعلومة الموجودة في المنطقة، فقد تطوع هذا المزارع "الكريم" بكل أريحية الأمريكيين المعروفة ليحل بعين المكان شخصيا ويجتث أشواك الديكتاتوريات من جذورها بنفسه ويعيد للأرض خصوبتها واخضرارها الديمقراطي المفقود.
وكانت، بطبيعة الحال، البقعة الصالحة للزراعة والمناسبة للانطلاق هي أرض الرافدين، الحقل الخصيب الذي تتوفر فيه كل الشروط الحيوية الضرورية لبذوره المنتقاة حسب ما وصى به خبراء الاستراتيجيا وحسب ما تجمع لدى مكاتب المخابرات من معلومات دقيقة جدا عن نوعية التربة والماء والهواء.. فالديمقراطية التي يحملها صاحبنا في سلته ديمقراطية جديدة فريدة من نوعها، مصممة ومعدلة جينيا في مختبرات البانتاغون، ولا تنبت بسهولة أينما كان، وتحتاج إلى تربة غنية طافحة بالمعادن كما تستلزم، إلى جانب ذلك، عناية ورعاية ومتابعة.. وتتطلب مصاريف مالية لا حصر لها.
ومع كل الأسف هذه الخاصية الفريدة التي انتبه لها مزارعنا جورج من تكساسه البعيد ورمقها بأقماره الصناعية من العلياء، لم تلفت انتباه كل الذين تعاقبوا على حراثة هذه الأرض وزراعتها من أبنائها المحليين، فلم يتعاطوا لهذه النبتة الشهيرة ولم يحفلوا بمزاياها ولو كنبتة بورية، بل إن بعضهم كان يحتقرها ويكرهها كراهية شديدة ويدعي بكل ثقة أن المناخ السائد لا يلائمها وأنه لا يمكن لها لوحدها مهما كان أن تنتج خبزا أو تعصر زيتا وكل ما هنالك أنها نبتة جميلة مستوردة أحسن ما فيها ظلالها.. وما عساها تنفع الظلال مع الجوع؟ وما عساه يفيد الفيء مع الفقر والمرض والجهل؟.
المهم، حاصل القول، أن مزارعنا الطيب القلب وصل إلى الأرض الموعودة بهيلمانه ورعاة بقره الجدد وابتدأ بدءا بسياسة الأرض المحروقة، جريا على عادة أسلافه القدامى، فسوى عاليها بواطيها وقلب تحتها فوق فوقها وأباد كل ما من شأنه أن يعيق نمو النبتة المفضلة من بشر وشجر وحجر، ثم نشر ما تأتى له من بذور كالوباء.. وانصرف.
انصرف في اتجاه أراض أخرى على مرمى حجر، فالعدة والعتاد كانا موجودين، والخماسين المرتزقة ثمن أرواحهم لا يتجاوز بطاقة خضراء تافهة، والمصاريف كالعادة يتكفل بها بعض سادة هاته الصحارى السذج إما خوفا أو مجاملة ورياء لمزارعنا المقدام.
وحتى لا أطيل في تفاصيل التكلفة التي ترتبت عن مشروع استنبات النبتة السحرية التي بشر بها أعوان المزارع وخدامه وتابعيه، أقول إنه ما إن أطلت أولى براعم تلك النبتة المزعومة حتى تبين أنها ليست ببراعم ديمقراطية ولا بشائر حرية ولا طلائع حقوق إنسان.. ولا هم يحزنون، وأن تلك البذور المنتقاة التي أتى بها صاحبنا المفتري من مخازنه على صهوة بوارجه ما هي في الأصل إلا خليطا شيطانيا من بذور نباتات الشر التي تسمق إلى عنان السماء وتتكاثف أغصانها وفروعها بقوة لتثمر في الأخير فاكهة مسمومة بعضها فتنة وبعضها طائفية وبعضها عنصرية وخراب.
ولمن أراد أن يعرف أي فائدة جناها مزارعنا الحصيف من زراعته هاته، يكفيه أن يعرف أن خلف هذه الغابة السوداء تجري اليوم:
ـ أكبر سرقة في التاريخ البشري تنهب فيها خيرات البلد وثرواته ومعادنه.
ـ وأكبر مذبحة يباد فيها خيرة العلماء والمفكرين.
ـ وأكبر عملية نصب وتزوير واختلاس لتاريخ أمة وحضارتها وتراثها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي