الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رحلة المنشي البغدادي إلى بلاد الكرد عام 1821:::القسم الثاني

ياسين النصير

2007 / 9 / 23
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


وقبل أن ندخل في الأبواب الأخرى للرحلة، وعددها عشرة أبواب، ثمة مسائل يجب الوقوف عندها: فالمؤلف المنشي وهو فارسي لم يرد العراق في الرحلة كبلد له كيانه ، بل ورد كجغرافية تحوي عدداً من المدن والمناطق، ولذلك يسمى في الرحلة بمسميات عديدة منها: العراق أو القطر، أوجزء من بلاد العرب، أو جزء من بلدان العرب العثمانية. ولذلك كان للمقيمية البريطانية ثلاثة قناصل، في بغداد والموصل والبصرة، تأكيد على عراقية هذه المدن، بينما لم يكن للعثمانيين إلا والياً واحداً في بغداد. مما يعني أن التقسيمات التي ستظهر لاحقا في معاهدة سايكس بيكو، بدأ التخطيط لها، منذ فترة طويلة. خاصة حول سوريا والعراق. ونلمح هنا أن الموصل ترد في الرحلة تابعة للمنطقة الشمالية عندما شملها في الفصل السادس، وان البصرة ليست إلا مدينة يقول عنها قديمة، وفي سطر واحد من الرحلة .لذلك كانت بغداد في الرحلة هي المركز وهي البؤرة. ومن الملاحظات، ما نجده في كيفية التأليف، فالبابان الأول والثاني فيهما الطابع الأدبي السردي، والمعلومة التاريخية القديمة، في حين أن الأبواب البقية تراوحت بين الوصف وتعداد الأمكنة والعشائر والبحث الجانبي عن خصائص المنطقة، وزروعها وطبيعتها وعادات الناس فيها. في حين أن المنطقة الشمالية الكردية، لا يفصل فيها كثيراً، بل يكتفي بذكر أسماء المناطق والأنهار والقرى وهو يمر بها. لذا فالتأليف يأخذ ثلاثة أشكال متجاورة تدلل على أن خبرته تكمن في المناطق القريبة من بغداد والمناطق المحاذية لإيران فقط. ومن الأمور الملفتة للنظر ما ورد في الباب الثاني ص 4 من تسميات تخص البنية السكانية العراقية مثل" عشائر العرب" و" طوائف الأكراد" لماذا أختص العرب بالعشائر، وخص الكرد بالطوائف؟ . فإيران منذ ذلك الوقت لم تجعل للأكراد حضوراً في مكونها السياسي والجغرافي، بل مكان يثير القلاقل. وهذا ما وضحه السيد عباس العزاوي بالتفصيل في مقدمته التي شرح فيها ملابسات عدد من الحروب التي حدثت في منطقة كردستان بمساعدة إيرانية - إنجليزية. فالطائفة كما تدلنا علها قواميس اللغة هي أن عدد أفرادها، ما بين الواحد والألف، وما تجاوز ذلك العدد عد عشيرة، فهل كان الأكراد طوائف ؟ نشك في ذلك، مما يعني وصفهم بالطوائف هو من قبيل تفريقهم عن القبائل العربية، ومن ثم التقليل من شأنهم، أو أن المؤلف يشير ضمناً أن ما موجود منهم في العراق، هو امتداد لما موجود منهم في تركيا وإيران. ولذلك فهم هنا أقلية فعدهم طوائف. ؟
في الباب الثاني ثمة تفصيل رائع ودقيق للكثير من مناطق بغداد، وعشائرها، وجندها، وأماكنها، ومحلاتها، وأسواقها، وأنهارها، وسفنها، وعدد البيوت فيها، والقوميات، والأديان، وحال الشتاء والصيف، ونوعية الفواكه والخضار، وأماكن بيعها، وعدد أبواب بغداد الحديثة، وأبواب بغداد القديمة، معرجا فيها على المحتلين من كل صنف ونوع، وما بقي لهم من آثار، كالأزبكية وغيرهم. وبتعدده لقبور الولاة، والأئمة والعلماء، يذكرهم دون شرح، فيزيد عليها المحقق بتفصيل تاريخي دقيق، يجعل من التعداد والتذكير،مادة لقراءة تاريخ المدينة العراقية، وهي تجمع بين ضفتيها ألواناً من الطيف الديني، والإجتماعي والمذهبي والثقافي. فهي مدينة ورثت تاريخ الدولة العربية الإسلامية بكل ما تملك من إرث وحضارة وقوة. ولكنها وكما تبدو عندما أحتل العراق من قبل الدولة العثمانية، تردت الأحوال، وضعفت اللغة، وقل العمران، وساد الفساد، وضعفت العلاقات بين المدن والقبائل والأمصار، مما عد ذلك من عهود التخلف. وقد وجدنا في الرحلة إلى ما يشير إلى ذلك كثيراً، خاصة في الباب الأول. فتدخل أطراف إقليمية وأعجمية في الشئون السياسية والاقتصادية للعراق، أنعكس على حياة الناس في بغداد وغيرها، فبدت بغداد ضعيفة وغير مسيطر عليها، بل وتخضع لسياسة دوائر دولية وإقليمية خارجية، أتى ليس على توزيع جغرافيتها فقط، بل وعلى اللغة العربية وأسماء المدن والمناطق والأشخاص الذين سجلهوا بأسماء غير عربية؛ أسماء أعجمية، وتركية، وإنجليزية وهندية، وغيرها بطريقة تشهد جانباً من الإنحطاط اللغوي والمعرفي، رغم أن منشئيها هم الخلفاء العباسيون. ويعني هذا حال التدهور الذي أتى على العراق بوجود حكام أتراك وفرس طوال ستة قرون. ولم يسلم من التغيير إلا أسماء الأئمة والعلماء والخلفاء ومقابرهم. و يبدو التدهور واضحاً فيما نشب في عهد داوود باشا من قلاقل، خاصة في الشمال العراقي، كدليل واضح على إنهيار قيم المعرفة، وبداية لتشفي إيران بالعهد العثماني، كمقدمة لقدوم الإنجليز للعراق. ويبدو تعاطف المنشي واضحاً في تركيب البنية الدينية ودلالتها، فهو لم يذكر المذهب السني مثلا عندما يتحدث عن الإمام أبي حنيفة وجامع الكيلاني وغيرها، في حين أنه يمعن في ذكر الشيعة وأماكن تواجدهم في بغداد القديمة، وفي صوب الكرخ، و في بغداد الجديدة" المقصود هنا الرصافة" إبتداء من الأعظمية وحتى الجانب الشرقي كله، وصولا إلى الكرادة التي يخصها بالمذهب الشيعي وحده. لا شك أن التدوين مبرر،ولكنه غير دقيق في تركيبة المجتمع البغدادي يوم ذاك. مما يدلل على أن الكاتب لا يوثق إلا ما يتناسب وهواه.

في الباب الثالث ثمة جولة سياحية مهمة في شرق العراق بين بغداد وكرمنشاه، ثم تفصيل ملحق بالباب عن عشائر العراق التي تسكن بغداد وفي منطقة حساسة تجمع بين العرب والكرد والعجم هي خانقين وقراها وما جاورها وامتداداتها في العراق وفي إيران. وتعود كل هذه المناطق وهي أحدى عشرة منطقة تبتدئ ببعقوبا وتنتهي بكرمنشاه وفق ما قاله المنشي إلى ولاية بغداد " وكانت جميع تلك الأطراف ملك وزراء وحكام بغداد. وفي الوقت الحاضر يحكمها العجم. وتفصل بين العراق " ويسميها بلاد العرب" وبين إيران منطقة يقال لها (الإيوان). وهي جبلية مرتفعة وعظيمة وفي وسط الجبل حجر عظيم طوله نحو ثمانية أقدام من الصخور العظيمة. نحت وعمل إيواناً. وكان سابقاً يعتبر الحد الفاصل بين إيران والعرب (يريد العراق) . لو بحثت الآن عن هذا الخحر لم تجده في المنطقة الحدودية بل في إيران.
في هذا الباب نلمح ثلاثة أشياء مهمة،
أولها: أن هذه المواقع والأماكن هي مدن كبيرة مثل بعقوبا وكرمنشاه وسيرين وغيرها، ويعني ذلك أن الرحلة تصف مناطق شاسعة وغريبة وغير مكتشفة وليست سالكة الطرق ولا معروفة من قبل. فتبدو الرحلة فيها اكتشافاً لخصائصها ، لذلك عمد إلى تفصيل الأماكن وإلى دقة الأسماء وتاريخها العريق، ووصف ما تختص به، وطريقة عيش سكانها. وكان في معظم ما قاله عن حياة هؤلاء الناس: أنهم يأخذون الأتاوات والضرائب، ويسرقون ويبيعون الخيل بالإحتيال. وقد زاد عليها الأستاذ العزاوي شرحاً وتفصيلاً للأسماء وللأعلام التي وردت فيها.
ثانيها التركيز على الطوائف الدينية التي تسكن معظم هذه الأماكن، وهم الشيعة، والعلي اللهية، والفيلية. دون تفصيل خاص بمعنى الفيلية أو العلي اللهية ،الذين يسكنون في مناطق عراقية محاذية لإيران، والعلي اللهية وكما يبدو من الرحلة أنهم كانوا منتشرين في العراق، وبأعداد كبيرة ولا نعرف ما المقصود، لأنه لم يأت على تعريفهم.
ثالثها هي جمال الطبيعة الجبلية، وتداخل الأقوام فيما بينهم، دون أن يقول أن هذا الجزء تابع لإيران، وهذا تابع لولاية بغداد، إلا في مواقع قليلة جداً. مما يعني أن الحدود غير واضحة المعالم، وما يزال تصوراته كمؤرخ وكاتب، عن مفهوم الدولة غير واضح أيضا، كما أن مقومات أي دولة من تسليح، وجند، وأنظمة مراقبة حدودية، قد أولكت إلى بعض طوائف الأكراد، لقاء بقائهم العيش فيها. ويعني تثبيت لسلطة العشيرة. كما يصف وبدقة أسماء القبائل الكردية في مناطق مثل كرمنشاه وعدد بيوتها وطرق عيشها.. وقد وجدنا شغف المؤلف بوصف عمارة البيوت فيها ،وهو وصف يدل على خبرة في طرق البناء، والمادة المؤلفة منها البيوت. وثمة نقطة ملفته للنظر أن المؤلف وطوال الرحلة في مناطق العراق، لا يميل لتعداد سكان المناطق بعدد السكان، كما هو معروف اليوم في الإحصاء السكاني، بل بعدد البيوت، فيقول: أن المنطقة الفلانية تحتوي على ألف بيت، أو الف وخمسمائة بيت ..الخ ، وأن هذه القرية فيها عدد من العشائر. فالبيت عنده وحدة عددية لإحصاء السكان، في حين تكون العشائر طريقة لإحصاء مجمل القرى، التي توجد في المنطقة. فالتحديدات الجغرافية تتم عنده كما يلي:
1- اسم المنطقة.
2- أسماء الأماكن فيها كالأنهر والجبال والقرى والمواقع.
3- أسماء البيوت.
وبالطبع لا تعني المنطقة إلا المدينة اليوم، ولا تعني الأماكن إلا الأقضية والنواحي، في حين تعني البيوت الأسر. وهذا نوع لم نجد له مثيلا في سبل إحصاء السكان.
في مجمل هذا الباب نجد أن الاختلاط بين أكراد إيران و أكراد العراق والعرب، محبب وواضح. ولكنه لم يذكر إلا أن هوية الأكراد في هذه المناطق كلها أنهم تابعون للعراق. في حين أن معظم الأماكن التي تحدث عنها ووصفها أصبحت اليوم من قطاعات إيران. خاصة قصر شيرين وزهاب وقصباتهما. لعل ذلك ما يوضح أبعاد العلاقة بين الإنجليز وإيران، على حساب الدولة العثمانية. وكيف تم ذلك لاحقاً في تحديد الحدود بين الدولتين..
النقطة الأكثر أهمية كما أرى في ما مر من فصول وأبواب، أن المؤلف يحصر مهمته في تتبع ما يوجد ضمن حدود العراق. فقط، شعرت وأنا اقرأ الرحلة، أن عينية مصوبتان إلى داخل العراق، وليس إلى خارجه. لذا كان وصفه دقيقاً ويستحق الثناء الذي أضفاه عليه محقق الرحلة وشارحها ومزيدها الأستاذ عباس العزاوي.، فلم نشهد له أن تحدث عن امتداد قبائل أو طوائف العراق في بلدان الجوار، بل جل حديثة ينصب على ما يوجد ضمن حدود العراق. ثم الإشارة لامتدادهم في أرض بلدان الجوار، ونحسب له هذه الإلتفاتة فضيلة مؤرخ أنصف أدبه، وأدب الرحلة، قبل أن يكون مؤلفاً لرحلة تقف عند حدود الوصف الخارجي.. فالمتابع لما قاله لم يجد العراق موضع نفور من قبل أقوام سكنته أو جاورته، بل كان موقع استقطاب، وهو يؤكد ما ذهب إليه المؤرخون من أن العراق كان منذ القدم موطن استقطاب لجاليات غير عربية، أمت إليه، وسكنت أرضه، وارتضت العيش بخيراته.
في الباب الرابع تأخذ عملية التأليف طابعاً آخراً، فهو مختص بوصف الطرق والمنازل بين بغداد والسليمانية،ويذكر فيه خمسة عشر مدينة أو موقعاً، تمتد بين بغداد والسليمانية، مرورا بالطريق الموصل إلى الخالص وعشائرها الكثيرة. ثم يعرج إلى مناطق الجبال، وصولا إلى السليمانية، ومن ثم كويسنجق وغيرها. وفي هذا الفصل تكون الأسماء دقيقة لكن الشروح عليها قليلة ويكمن أخذ ثلاث ملاحظات على ماورد في هذا الباب.
الأولى: تركيزه على المذاهب الدينية، فيصف جملة العشائر التي تمتد بين بغداد والخالص بالشيعية ،عدا ما يسكنون في هبهب، وهم من المسيحيين دون أن يذكرهم.
الثانية: أنه يعامل هذه المنطقة بوصف دقيق للأسماء، فيسم العشائر بأسمائها، وعدد بيوتها والمناطق الجغرافية التي يسكنون فيها. وهو عندي من أهم الأبواب في هذا الجانب.
الثالثة: اقتصاره في الرحلة على التسميات العامة، دون الدخول في تفاصيل المنطقة، وشعابها وهذا يعكس أنه مر بها مرورا ولم يتوقف عنها فمقصده هو السليمانية وما يجاورها.وقد تكون الرحلة قصيرة الزمن فجاء حديثه عنها مقتضبا وسريعاً وهذا ما لم يفعله المؤرخ بوضع تواريخ خاصة بكل باب.
6
إختصت الأبواب السبعة إبتداء من الباب الثالث وحتى الباب التاسع، بالمنطقة الشمالية،بينما لم تحظ بغداد إلاّ بباب واحد وهو الثاني، ووسط العراق وجنوبه بالباب العاشر،وثمة سؤال يتبع ذلك، لماذا هذا الإهتمام بالمنطقة الشمالية دون غيرها؟ لأن الرحلة وعنوانها هو جولة في بلاد الكرد.لا شك أن أسئلة كثيرة تثيرها مثل هذه النقطة، منها أن هذه المنطقة تسكنها قبائل كردية تنتمي لمختلف الطوائف الدينية. والوقوف على تفاصيلها قضية تهم السياسة البريطانية والإيرانية يومذاك معا. ومنها أن هذه المنطقة جبلية وعرة ومتداخلة السكان، وفيها آثار قديمة، وقصباتها ليس من السهل الوصول إليها. ثم أنها من أكثر المناطق تداخلاً مع بلدان الجوار، وفيها ما ينبئ عن معادن، وقد تكون منطقة غامضة ستتنازع عليها الدول. ومنها أن السياسة البريطانية تبحث عن نقاط تضعف فيها الدولة العثمانية، وقد تساهم في إثارة القلاقل لها. ومنها أن هذه المنطقة ليس لها في السجلات البريطانية مدونات كثيرة ، وربما كان الدافع لذلك هو السياحة والإكتشاف كما يفعل الرحالة الإنجليز غالبا. ومنها أن السياسة البريطانية مهتمة منذ القدم بالعراق، وعليها أن تعرف كل التفاصيل عنه، تمهيدا لما سوف يحدث بعد انهيار الدولة العثمانية، وتوزيع البلدان العربية، فيصبح العراق من حصة بريطانيا، وهو الدور الذي يتكرر الآن بعد الإحتلال الأمريكي للعراق، فنجد أن بريطانيا تختص بالمنطقة الجنوبية، تلك النافذة البحرية المهمة التي شرعتها منذ بداية القرن الثامن عشر على الهند. لذلك لم يأت تفصيل الرحلة إلى المنطقة الشمالية عن طريق واحد، فنجد أن الأبواب تحيط بالمنطقة الشمالية تبتدئ من بغداد إلى كرمنشاه، ومن بغداد إلى السليمانية، ومن بغداد إلى كويسنجق، ومن بغداد إلى الموصل، ونزولا إلى تكريت والرمادي وكركوك. فالإحاطة شملت كل المناطق مما إستحقت الرحلة، أن تسمى بجولة في بلاد الكرد.فالباب الخامس والباب السادس والباب السابع والثامن والتاسع لم تختلف عن البابين الثالث والرابعاللذان يعالجان المواقع السابقة مع تفصيل للطرق وقرى المنطقة الشمالية نفسها، وما لحق بها. ولكن في بقية الابواب يهتم بالطرق، وسبل الوصول بين مفاصلها، ويحدد أحد عشر طريقا في الباب الخامس، ومثلها في الباب السادس، واثنا عشر طريقاً في الباب السابع وثمانية عشرطريقاً في الباب الثامن وإثنان وعشرون طريقا ومنطقة في الباب التاسع. فيحيط بالمنطقة كلها، يوصل بين تلك الأجزاء بعد أن يضع كركوك خارج قوس المنطقة الشمالية. في رحلة الباب الثالث والرابع، كان يسير على الجانب الشرقي من نهر دجلة، بينما في رحلته بالأبواب الباقية كان يسير على الجانب الغربي من نهر دجلة. أي في المنطقة الوسطى الشمالية. لذا نجده يشير إلى طريق يوصل بالموصل، ثم يعرج على مناطق الموصل ويربطها بالحدود مع تركيا، ويعود ليربط السليمانية بالحدود مع إيران، ويربط باطن هذه المناطق ببغداد. فيؤسس شبكة من الطرق والعلاقات تبدو من السرد الوثائقي لها، إن المنشي كان يحيط بمعلومات غاية في الأهمية عن بلد وجد فيه تنوعاً جغرافياً ودينياً، لم يكن له شبيه في المنطقة. ولذلك تكون الأبواب إبتداء من الباب الثالث، وحتى الباب التاسع محيطة بمنطقة كردستان العراق لوحدها، إحاطه كاملة لم نشهد ما يماثلها في بقية جغرافية العراق. ولعل ما بقي من الرحلة وهو الفصل العاشر سنجد فيه سياحة واسعة للمنطقة الوسطى والجنوبية من العراق، وهي سياحة غير مفصلة، كما شهدناه في الأبواب السبعة السابقة.

في الباب العاشر ذكر بعض البلدان من بغداد إلى البصرة، وأحوال تلك الأنحاء. وقد ذكر المؤلف عشرين موقعاً، هي كل ما إستطاع أن يصل إليه، ويبدو في هذا الفصل أنه غير مهتم بتفاصيل المدن والمواقع التي زارها كثيراَ، فقد مر عليها مرور الكرام دون تفصيل أو شرح، ولكن المحقق أفادنا كثيراً في شرحه للمواقع وللأسماء . شملت رحلته الحلة، والنجف، وكربلاء، والديوانية، والسماوة والعمارة، والبصرة، والأنهار، والقرى، والمسميات الفرعية. ذهب أولا بطريق مستقيم على نهر الفرات، ثم عاد للعمارة على نهر دجلة، ثم ذهب للديوانية والنجف ثانية، عن طريق الفرات، ثم عاد ليركب الأنهر الصغيرة التي تقع بين النهرين الكبيرين. وفي كل جولته المكوكية هذه، لم يلتفت كما قلنا للتفاصيل،بل وكما يبدو أنه كان يعين الأماكن المهمة على خارطة بلد، سوف يكون له شأن في السياسة البريطانية مستقبلاً.
7
وأختتم في النهاية بقول للمحقق الأستاذ عباس العزاوي " ...ومنها – أي الرحلة - عرفنا مقدار الأقوام وتوغلها في العراق. والعقائد وإختلافها، والمدن وتطورها والآثار ووفرتها والمصطلحات الإدارية وتنوعها. وكل هذه مما يدعو للانتباه كما أننا ندرك الطرق واختلافها. والإتصالات العديدة بالأقطار ومقدارها… فكانت هذه خير صفحة موجزة، وأجل نظرة محملة سريعة في التعريف بالعراق إلا ألتفت إلى ما فيها، وما إمتازت به من وضع أو ما إختصت به من خصيصة. وهذا كله قد عين السياسة ومكانتها والألوية ودرجة طاعتها لوالي بغداد وعلاقته، كما أنه قرر وضع الوالي بالنظر للسياسة الإنكليزية. وميل المؤلف إليها مشهود. وربما كان داود باشا الوالي آنئذ أول من حذر دولته من توغل الإنكليز وأراد أن تحدد علاقتهم، وأن يقلل من أمر تدخلهم، وأنه يجب أن يقف المقيم عند شؤونه المعينة، وعند سياسته المقصورة على ما عهد إليه كغيره من المقيمين، فلا يدع مجالاً لمثل ما رأى الوالي" .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس