الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع الهويات الشرق اوسطية

جهاد الرنتيسي

2007 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


تملي تعقيدات المشهد الشرق اوسطي حاجة لادامة محاولات تفكيكه ، واعادته الى عناصره الاولية ، وعدم الاكتفاء بزاوية واحدة للنظر اليه ، وتجنب بناء التصورات على ارضياته الغائمة ورماله المتحركة.
ولعل ابرز ملامح هذه التعقيدات ما يتركه اقتراب التحولات من عصب القوانين الناظمة للعبة السياسية منذ الحرب الكونية الثانية دون ملامسته .
وبين التحولات التي طفت على سطح متغيرات المنطقة خلال العقدين الماضيين ما يمس اشكال واولويات الصراعات المفتوحة على المجهول وينذر بالدخول في متاهات جديدة .
ففي تداعيات احتلال الكويت وحرب الخليج الثانية ما يترك انطباعا بالتمهيد لانقلاب على مفهوم " القضية المركزية " التي شكلت الوعي السياسي العربي على مدى النصف الثاني من القرن الفائت .
وساهمت احداث 11 سبتمبر في تحويل قضية العرب الاولى الى واحدة من عدة قضايا تتفاوت اولوياتها .
ووضعت دوامة العنف العراقية ، والازمة السياسية اللبنانية، والملف النووي الايراني مصاعب جديدة امام احتفاظ القضية الفلسطينية بحضورها في دائرة الضوء ولكنها لم تستطع القاءها في الزوايا المعتمة.
وقد يكون ذلك واحدا من اسباب استحضار القضية الفلسطينية وادخالها الى مسارات الازمات الناشبة للاتكاء عليها حين تقتضي الضرورة .
فالتحول الذي يطرا على اشكال الازمات واولوياتها لا يعني بالضرورة القطيعة مع الاشكال السابقة .
واللافت للنظر ان محطات تحول اشكال الصراعات في المنطقة منذ حرب الخليج الاولى ـ التي اعقبت استيلاء ملالي ايران على السلطة ـ وحتى التداعيات الاقليمية لازمة المفاعل النووي الايراني ، مرورا بافرازات حدث احتلال الكويت ، وهجمات 11 ايلول ، والتفاعلات التي اعقبت حرب اسقاط النظام العراقي السابق ، والازمة الداخلية اللبنانية لا تخلو تفاصيلها من ملامح حروب الهويات .
فالحرب العراقية ـ الايرانية التي استمرت ثمان سنوات ومازالت اسباب اندلاعها مثارا للجدل جاءت بعد طرح الملالي شعار تصدير الثورة .
وتجاوزت المتغيرات التي ادخلها احتلال الكويت الاصطفافات العربية غير المسبوقة لتلحق تشوهات جديدة في وعي ابناء المنطقة.
ودفعت هجمات 11 سبتمبر من جديد مفهوم " الفسطاطين " الى الواجهة لياخذ صراع الهويات منحى التناقض بين الكفر والايمان بكل ما يعنيه ذلك من تعميمات ساذجة تقوض منجزات التفكيرالسياسي العربي على مدى العقود الماضية وتقدم العرب والمسلمين الى العالم باعتبارهم حالة مشبعة بالعداء للاخر .
ويدخل بعد " الهوية " في تداعيات الازمة النووية الايرانية تنويعات جديدة على اشكال تحولات الصراع في المنطقة .
فقد حرص الجانب الايراني على اعطاء المواجهة مع الغرب طابعا دينيا يتيح له توسيع ساحة الصدام واستخدام قوى سياسية ودولا عربية ادوات لحروب بالوكالة محكومة بجدول زمني تحدده ضرورات استعراض قوة ايران ونفوذها الاقليمي .
ومن خلال الصبغة الدينية استطاعت مؤسسة " الولي الفقيه " ولو لبعض الوقت اخفاء جوهر نزعة التوسع الاقليمي الموروثة عن حكم الشاه مما قلل حرج حلفائها العرب من اقامة علاقات معها .
فالتاريخ السياسي الحديث ، الموزع بين سياسات الشاه الشرق اوسطية ،والحرب العراقية ـ الايرانية، وتدخلات سلطة الولي الفقيه في الدول العربية يظهر ايران باعتبارها حالة معادية للعرب .
ولكن الامر يبدو مختلفا حين يجري الحديث عن عالم اسلامي يبحث عن زعامة قادرة على مواجهة الغرب .
ولتكريس هذا الاختلاف تتبع طهران تكتيكات لا تخلو من المغامرة وغالبا ما تدفع فواتيرها الشعوب العربية ، فهي تعمل جاهدة على اعاقة احتمالات التوصل الى تسوية بين العرب واسرائيل ، وفي العراق تفوح رائحة المذهبية من سياستها باستثمارها المقاومة السنية في تعزيز التعاون بين اتباعها الشيعة والقوات الاميركية ، ولاشغال الولايات المتحدة في حروب جانبية تحول السلم الاهلي اللبناني الى رهينة ، وتوجه اعنف الضربات للمشروع السياسي الفلسطيني .
وفي مواجهتها مع ايران تبدو الولايات المتحدة اكثر وضوحا لا سيما وانها حددت الخطوط العريضة لسياستها الراهنة في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية حيث جاء في تقييم ايزنهاور لسياسة سلفه ترومان ان "الاساس ثابت في السياسة الاميركية" ويبقى التنفيذ موضع نقاش .
وعلى ضوء فهمه لاستراتيجية الولايات المتحدة قام ايزنهاور بعدة محاولات للتدخل العسكري في عدد من البلدان بما في ذلك دولا عربية رغم انه القائل في احدى المناسبات بان التحول الى قوة احتلال في عالم عربي مضطرب ليس من مصلحة واشنطن ، وسعى لادخال العرب في احلاف لمواجهة الاتحاد السوفيتي ، وساهمت المخابرات المركزية الاميركية خلال حكمه في الانقلاب على رئيس الوزراء الايراني محمد مصدق لقيامه بتاميم نفط بلاده .
كما حدد الرئيس الاميركي الذي ادخل الولايات المتحدة في دوامة الحرب الباردة ، وسباق امتلاك اسلحة الدمار الشامل النظرة الاميركية لاسرائيل باعتبارها الدولة التي ولدت مع الحرب العالمية الثانية وقامت لتعيش مع غيرها من الدول التي اقترنت مصالح الولايات المتحدة بقيامها .
وفي جولاته المكوكية بعد حرب 73 تعهد وزير الخارجية الاميركي هنري كيسنجر بالحفاظ على قوة اسرائيل ومن بين التاكيدات التي ابلغها للجانب الاسرائيلي وتم الكشف عنها في وقت لاحق ان خطته صممت لعدم الانسحاب من الاراضي المحتلة عام 1967 .
ومع ثبات الاستراتيجية يبقى المجال مفتوحا لتغيرات في التكتيك على ضوء المصالح الاميركية .
فالسيطرة على الطاقة عنصر اساسي لتابيد وحدانية القطب الكوني الوحيد ،وضمان القدرة على ضبط ايقاع التحولات العالمية ، وانطلاقا من هذه الرؤيا حددت الولايات المتحدة سياساتها في المناطق المصدرة للنفط .
و لضمان استمرار تدفق النفط خلال العقود المقبلة ـ المتوقع ان تشهد ازمات نفطية حادة ـ تراجعت الولايات المتحدة بعض الشئ عن استبعاد التحول لقوة احتلال في عالم عربي مضطرب .
وبعدما كان عامل الاضطراب منفرا لفكرة الوجود العسكري الاميركي المباشر في المنطقة بات مبررا للاحتلالات المقنعة كما هو الحال في العراق الذي تحول الى مصدر قلق لجيرانه .
وعادة ما تقترن تحولات الوجود الاميركي في المنطقة بالاسئلة المتعلقة بموقع اسرائيل في الاستراتيجية الكونية الاميركية .
فقد تعامل السياسيون العرب ولاكثر من جيل مع اسرائيل باعتبارها اداة الولايات المتحدة للسيطرة على منابع النفط .
الا ان هذه النظرية سقطت مع حرب الخليج الثانية حيث استثنيت اسرائيل من قوات التحالف التي اخرجت القوات العراقية من الكويت .
وكرست حرب اسقاط النظام العراقي السابق سقوط المفهوم الذي بني على تحليلات ورؤى ما قبل تسعينيات القرن الماضي .
ونتيجة لسقوط هذا الارث من الرؤى والتحليلات تعامل العرب مع التسوية السياسية باعتبارها امرا ممكنا .
الا ان مؤتمر مدريد وافرازاته قادا الى نتائج مغايرة لما ذهب اليه الساسة والمحللون العرب مما يضع قراءة المشهد الشرق اوسطي المرتبط باسرائيل امام اسس جديدة باتت مناقشتها ملحة .
ومن بين هذه الاسس ان الغياب الاسرائيلي عن حروب الولايات المتحدة لا يعني بالضرورة فقدان اسرائيل لدورها الاستراتيجي .
ويقود هذا الاعتبار تلقائيا الى اثارة الشكوك في الاعتقاد المتكلس الذي يلخص الدور الاسرائيلي في حماية آبار النفط .
وبرفض اسرائيل التحول الى جزء من الشرق الاوسط ، واندفاعها الدائم لاعادة تشكيله وفق رؤيتها ، و احتفاظ ملالي ايران بالجوهر القومي لنظام الشاه ـ بكل ما يعنيه ذلك من نزعات التوسع والاخضاع ـ وعجز النظام السياسي العربي الى الحد الذي يهدد بتلاشي ما بقى له من دور على الساحتين المحلية والخارجية تتوفر مبررات تحول التطرف الاصولي بشقيه المذهبي والقومي الى ملاذات للفئات الشعبية العربية الباحثة عن تعويض نفسي مما يسرع دوامة العنف والعنف المضاد ، ويبقي دور الولايات المتحدة مقتصرا على ادارة الازمات بين هويات متناحرة .
وبناء على المخاطر التي تتهدد تدفق النفط ، ومتطلبات ايجاد اسواق جديدة للاسلحة يتحدد شكل الحضور الاميركي ، لا سيما وان الادارة الاميركية تخلت عن مشاريع الديمقراطية وحقوق الانسان في المنطقة بعدما وصلت الى قناعة بان توطين هذه السياسات في البيئة العربية لن يكون في صالح الانظمة الحليفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا