الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لذكرى السنوية الاولى لرحيل العلامة الشبيبي

جعفر عبد المهدي صاحب
متخصص أكاديمي في شؤون منطقة البلقان

(Jaffar Sahib)

2007 / 9 / 26
الادب والفن



في شهر آب من العام الماضي رحل إلى جوار ربه الأستاذ الدكتور كامل مصطفى الشيبي عن عمر يناهز التاسعة والسبعين , تاركا وراءه نتاجا علميا زاخرا بالعطاء أثرى به المكتبة العربية والعالمية في مجال الفلسفة واللغة والتراث والتصوف بشكل خاص .
إن سبب كتابتي لهذا المقال يعود لدافع الوفاء لهذا الرجل الذي جمعتني معه رابطة الزمالة إذ عملنا سوية قرابة عقد من الزمن في قسم الفلسفة بجامعة السابع من ابريل في مدينة الزاوية الليبية .
ورغم أن الرجل عاد إلى العراق في مطلع القرن الحالي إلا أن صلتي به لم تنقطع, وشاءت الصدفة أن أقضي إجازتي الصيفية العام الماضي في مصر فاتصلت به هاتفيا من القاهرة في السبت الأخير من شهر آب فكانت على الخط زوجته السيدة ( سماح النفطجي ) فعندما سألتها عن أبي طريف شعرت دون أن توضح لي بأنها فرحة لاتصالي الهاتفي لأن الاتصال سوف يلهيه بعض الوقت عن سكرات الموت التي يعانيها , فأعطته الهاتف وقالت له معك فلان على الخط فتكلمت معه مستفسرا عن حالته الصحية إلا أنه تكلم معي برباطة جأش وأسمعني ضحكته المعهودة واسترسل في الكلام بكل بشاشة , ومع ذلك أحسست بأنه في حالة صحية صعبة .
وبعد يومين من تلك المكالمة شاهدت على الشريط الإخباري لمعظم المحطات العراقية نبأ رحيل شيخنا الشيبي .
ونتيجة لظروف العراق الاقتصادية الصعبة خلال فترة الحصار الاقتصادي بعد أزمة الكويت جاء الفقيد إلى ليبيا لغرض العمل فعمل سنة واحدة في جامعة الفاتح بعدها تحول إلى قسم الفلسفة بجامعة السابع من ابريل

حياته :
ولد الدكتور كامل مصطفى الشيبي بالكاظمية عام 1927 وأكمل دراسته الجامعية الأولية في جامعة بغداد ونال شهادة الماجستير عام 1958 من قسم الدراسات الفلسفية بجامعة الإسكندرية وحصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة كامبريدج في بريطانيا عام 1961 تحت إشراف المستشرق الشهير ( آرثر جون آربري ) رئيس قسم الدراسات الشرقية في الجامعة المذكورة .
عمل الفقيد محاضرا بجامعة بغداد منذ مطلع ستينيات القرن الماضي وتدرج في ترقياته العلمية فيها حتى نال لقب الأستاذية ثم منحته لقب أستاذ متمرس وهو من الألقاب النادرة التي تمنحها جامعة بغداد لأساتذتها المتميزين في مجال البحث العلمي .
وعمل المرحوم الشيبي بجامعة هارفرد في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة سنة واحدة بصفة أستاذ زميل . وعمل أيضا أوائل سبعينيات القرن العشرين في الجامعة الليبية ( الفاتح حاليا ) . ونتيجة لظروف العراق الاقتصادية الصعبة خلال فترة الحصار الاقتصادي بعد أزمة الكويت جاء الفقيد إلى ليبيا لغرض العمل فعمل سنة واحدة بجامعة الفاتح بعدها تحول إلى قسم الفلسفة بجامعة السابع من ابريل في الزاوية فكانت الفرصة الذهبية أن نعيش سوية سنوات عديدة وبمقربة منه بشكل يومي وتفصيلي إذ كنت رئيسا لقسم الفلسفة طيلة الفترة التي عمل فيها الشبيبي بجامعة السابع من ابريل , فكان الرجل نشطا حاد الذكاء سهل العريكة مرحا طيب النفس سريع النكتة , وهذه الصفات نادرا ما توجد لدى رجل سبعيني .
ومن مواقفه المرحة أنه عندما نذهب لمكان ما أقدمه في مجلس للآخرين واذكر اسمه ومكانته العلمية يبادر هو مشيرا بيده علي " وهذا ولي أمري " .

إنتاجه العلمي :
للمرحوم الشيبي بحوث علمية معمقة عديدة يصعب سردها ولكثرتها بالإضافة إلى مؤلفاته الكثيرة أذكر منها كتابه ( الصلة بين التصوف والتشيع ) الذي ترجم إلى الإنكليزية والتركية والفارسية وأثار لغطا كثيرا في الأوساط العلمية بين قادح ومادح كل حسب هواه .
ومن كتبه الحب العذري وصفحات مكثفة من تاريخ التصوف والبهلول الكوفي سيد عقلاء المجانين , ورباعيات الخيام باللهجات العامية العربية , والعجلي العضلي أول مظلي في التاريخ وديوان القومة وديوان الدوبيت الذي نال جوائز عالمية وعربية والفكر الشيعي والنزعات الصوفية وحقق رواية دون كيخوت وديوان الحلاج وكتاب الطواسين , وحقق كذلك ديوان الكان وكان وديوان الشبلي البغدادي , وعلى أثر هذه التحقيقات لقب الشيبي بعاشق المهمشين في التاريخ .
ونقلت لنا زوجته خبرا يقول بأن أبا طريف في أيامه الأخيرة وضع مخطوط كتاب على الطاولة تحت عنوان ( عن الموت ) أوصى بطبعه بعد وفاته . وأوصى أهله بأن تفتح مكتبته العامرة بنفائس الكتب للباحثين وطلاب العلم .
إن من يتعامل مع الشيبي يشعر بأنه مثال للإنسان المتفتح الوافر العطاء الجواد في الإرشاد والتوجيه من غير تكبر إذ كانت الكياسة والتواضع من أبرز خصاله , فهكذا كان الفقيد مع زملائه وطلابه .

سامرائي لا يعرف الملوية :
وكما كان الشيبي مبدعا بصنعة التأليف كان أيضا من المبدعين بصنعة التعليم الجامعي بشقيه الأولي والدراسات العليا , وبهذه المناسبة أذكر واقعة حدثت عام 1999 , فقد كانت مادة التصوف مسندة إليه في الدراسات العليا منذ بضع سنوات , ففي ذلك العام عاد دكتور ليبي شاب بعد أن حصل على الدكتوراه في التصوف من بلد عربي مجاور لبلده وأصر على تدريس تلك المادة بدلا من الشيبي دون أن يعرف قدره , وهذا مؤشر واضح بأن الدكتور اليافع أشبه برجل يدعي أنه من أهل سامراء ولا يعرف المأذنة الملوية , هكذا كان واقع الحال لأن من يذكر مادة التصوف في الأوساط الأكاديمية على مستوى الوطن العربي لا يمكن أن يتجاوز الدكتور كامل مصطفى الشيبي إطلاقا .
إن تصرف الدكتور الشاب جعل أساتذة القسم بموقف محرج وأصابني شخصيا إحراج مضاعف بسبب موقعي كرئيس للقسم لكن شيخنا الشيبي بدد إحراجنا جميعا عندما تنازل عن تدريس تلك المادة بكل رحابة وطيب خاطر . ورغم موقف الشيبي إلا أن هذا لا يعني أن القسم لا يستغل وجود رجل من هذا الطراز للاستفادة منه في الدراسات العليا فأسندت له مادة غير أساسية ( دراسات مستقلة ) ولكن اسناد هذه المادة غير الأساسية للشيبي سجلت حدثا لا يمكن نسيانه إذ انتهت السنة الدراسية وكانت المفاجأة حيث هرع طلاب الدراسات العليا من الأقسام الأخرى ( غير قسم الفلسفة ) بتصوير المادة التي ألقاها الشيبي على طلبته . وانتقلت عدوى التصوير إلى الأساتذة وكاتب هذه السطور واحد منهم , لأنهم وجدوا فيها زادا علميا دسما . وذلك لغزارة المعلومات وموسوعية فكر المحاضر .
إن مفردات المادة غير الأساسية ( دراسات مستقلة ) جعلها الشيبي تتضمن تحقيق المخطوطات , وتعليم حساب التاريخ الشعري ( كيف يكتب التاريخ بكلمات الشعر ) وهذا يتطلب تعليم الطلاب ما يقابل حروف العربية بالأرقام , وتضمنت المحاضرات أيضا العلامات والرموز لدى الكتاب العرب قديما وحديثا , وجداول بعلامات التنقيط والترقيم الروماني وحروف الأبجدة والأبتثة ( حروف الجمل ) والمصطلحات الفلسفية واليونانية والإنكليزية واشتقاق العربية من الآرامية ومقارنة بين الحروف العربية والحروف السبئية مع تعليم الطلاب كتابة أسمائهم واسم جامعتهم بتلك الحروف , وترتيب الحروف في كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي وأصول كتابة الجمل الاعتراضية وغيرها من المواضيع التي يشتاق لها كل كاتب أو باحث .

خوفو وخفرع ومنقرع :
كان قسم الفلسفة في جامعة السابع من ابريل من أرصن أقسام الفلسفة على مستوى الوطن العربي لوجود ثلاثة أساتذة أجلاء يعملون فيه : أ . د . كامل مصطفى الشيبي و أ . د . جعفر مرتضى آل ياسين و أ . د . كريم متي , وهؤلاء الأعلام الثلاثة كان يتوافد عليهم باستمرار طلاب الجامعات الليبية للاستشارة .
كان د . جعفر آل ياسين يعتني بهندامه كثيرا على الطريقة الأكسفوردية ( نال الدكتوراه من جامعة أكسفورد ) في حين أن د . الشيبي لم يعط الهندام شأنا وهو ذو روح شعبية ميالة إلى البساطة وكذلك د . متي .
جميعا كنا نسكن في الحي الجامعي الذي يبعد حوالي ثلاثة كيلومترات عن مبنى الكلية , وغالبا ما أنقل الشيوخ الثلاثة معي في سيارتي الخاصة , فالشيبي ومتي يدفعون بآل ياسين أن يجلس في (الصدر ) وهما يجلسان في القسم الخلفي من السيارة , وفي ذات يوم وبشكل مقصود حاولت أن أفجر لغما من المزاح معهم فقلت لهم يبدو أنكم متشددون وملتزمون عمريا لأنكم تجلسون في مقاعد السيارة حسب تدرج أعماركم . أجاب الشيبي على الفور لا هذا خوفو ( وأشار إلى كريم متي ) وأنا خفرع وهذا جنبك ( يقصد آل ياسين ) منقرع وأضاف بالعامية " هذا بجنبك النونو مالنا " لقد ضحكنا لقول شيخنا الشيبي ذلك القول الذي يدل على سرعة البداهة وطيبة النفس وخفة الحديث الذي لا يخلو من الدحة والمرح .

فضل لا ينسى :
في أحد الأيام وجدني في بيتي منهمكا في ترجمة مقال فقال ماذا تعمل ؟ فأجبته بأني أعد مقالا لصحيفة البوليتيكا اليوغسلافية فسألني مرة أخرى وماذا تكتب ؟ قلت له عن أزمة البوسنة التي كانت مشتعلة عام 1993 . فقال لي من الأفضل أن تكتب عن قضاياهم بالعربية وتكتب عن قضايانا باليوغسلافية .
لقد كانت كلماته المعدودات عاملا كبيرا في تبديل نمط تفكيري الأكاديمي فأخذت أكتب عن البلقان باللغة العربية فصدرت لي ثمانية كتب بهذا الشأن وأصبحت بفضل الشيبي خبيرا أكاديميا في الشؤون البلقانية , ومما يذكر أن كتابي الأول ( الصرب الأرثدوكس الطائفة المفترى عليها ) كتب الفقيد تقديما جميلا له .
هكذا هم المفكرون المبدعون من أمثال فقيدنا المرحوم كامل مصطفى الشيبي ينثرون الخير ويرشدون الآخرين بروح من التواضع والسمو بلا تكبر .
رحم الله الشيبي الذي عاش مبدعا فذا وترك لنا كنوزا علمية خالدة , وسيبقى بعد موته يعد حينما يعد رجالات العراق المبدعون ومفكروه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي