الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين اعادة الأراضي ...والأصلاح ! مسيرة أستبداد وضياع للأوطان

فريد حداد

2003 / 10 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



الحديث الرسمي المتداول عن الأصلاح  اليوم , يندرج في نفس منحى  الحديث عن تحرير الأراضي المحتلة  الذي كان متداولاً  بالأمس .  فكلاهما استُعمل ,  ويُستعمل ,  ليعطي  مبرر وجود السلطة السياسية , وبالتالي المهام المترتب عليها انجازه  فيما هو قادم من الأيام ,  أو الشهور ,  أو حتى السنوات القادمة  .  وهذا بدوره  يحتم وجود برنامج سياسي لدى السلطة ,  تحدد فيه بالأضافة الى الهدف المنشود ,   طريقة وصولها اليه , وأدواتها التي ستستعملها لذلك .


خلف يافطة السرية العسكرية في الأعداد لمعركة التحرير ,  أختفت البرامج , وأختفت معها امكانية حساب المسئوليين عن أخفاقهم في الوصول الى الهدف خلال أمدٍ منظور يُفترض ان يكون محدداً ومعروفاً . كما اسٌتعملت تلك السرية من قبل السلطات الحاكمة , لفعل ما لا يُفعل . فقد  تم الأستيلاء رويداً رويداً على مصادر الدخل القومي ,  وعلى الرغم من عمومية الأهداف المعلنة للموازنات المتتابعة منذ عام 1963 فقد تم أخفاء الجزء الأعظم من ميزانية البلاد تحت يافطة "  ميزانية الدفاع "وتصرف بها أفراد قليلون ,  دون أن يكون للشعب الحق حتى في الأطلاع على جهة صرف تلك الأموال .  ونّصب أولئك القليلون أنفسهم كبديل  عن الشعب ,  أو أوصياء عليه ,  واحتكروا حتى الوطنية , وخونّوا كل من لم يسير بركبهم , وكان كل نقد لفرديتهم وأخطاءهم ,  يوصف بأنه أرتباط بالمخططات الأستعمارية , كما أعتبروا أنفسهم الوحيدين المؤهلين للأئتمان على الأموال العامة , ومصالح البلاد .

وعلى الصعيد البشري فقد  سُرح , أو أعُتقل ,  أو شُرد ,  أكفأ ضباط الجيش العربي السوري , بسبب ان ولائهم الأول كان للوطن , ورفضوا الدخول في محاور سياسية داخل الجيش الواحد ,  مما سيقوده الى التفكك والضعف . وتم الحفاظ على , وجلب المزيد من , َمن قدم فروض الولاء والطاعة للرأس الحاكم .

وهكذا فقد تم تغيير البنية  الأساسية للجيش , فتحّول من مؤسسة وطنية ,  مهمتها  حماية الوطن وتحرير الأجزاء المحتلة منه , الى مؤسسة خاصة تعمل بأشراف الأجهزة الأمنية , ومهمتها ,  حماية النظام الحاكم أولاً ,  وتطويع أفراده   المجندين الذين سيعودون الى الحياة المدنية قريباً وتدجينهم ثانياً ,  والمساعدة في ضبط حركة المجتمع وقمعه ثالثاً . ذلك ما أثبتته أحداث المدن السورية في أوائل الثمانينات من القرن  المنصرم , وأحداث الحرب الأهلية اللبنانية والأداة التي شارك " الأشقاء " العرب فيها .

 وفي خضم التحول ذاك ومن شروطه وضروراته ,  اتُخمت جيوب المتنفذين المتربعين على رأس الهرم العسكري  , بعمولات  صفقات شراء  خردة الأسلحة من اي مكان من العالم , كلما كان ذلك متوفراً  . كما نُهبت مخصصات الطعام للجنود , من قِبل الفاسدين في مختلف الرتب العسكرية , ان عن طريق رفع قيمة العمولة على مشتريات المواد الغذائية على حساب جودة الطعام وكميته , واما عن طريق نهب الطعام بحد ذاته وتحويله الى البيوت التي أُتخمت على حساب حرمان الجنود الشرفاء . ولم يكتفِ الفساد بالأعتداء على حقوق الجنود التي أقرتها اللوائح العسكرية ,  من مأكل ,  وملبس ,  وخدمة , بل تم تحويل الجندي من مقاتل , الى مصدر ارتزاق " للمعلم " . وكما يقال . فبمقدار ما يكون عظم الجندي مليء , يُعفى من الخدمة المطلوبة منه , وُترمى على صاحب العظم الهش . ومع الأمعان في الأبتزاز , اصبح الأزلال والتعذيب لازمة لكل من لا يدفع المعلوم . هكذا تم استبدال الجيش الوطني بالجيش العقائدي .

وفي داخل الجيش الجديد , تم العمل على تدمير وتدجين  شخصية الشاب السوري , المدنية ,  والحضارية . فقد حُظّر التساؤل , وساد التسليم مكانه , بحسب نصف المبدأ القائل " نفذ ثم اعترض " بعد أقفال أبواب الأعتراض . ومُنع التفكير والنقاش , لأنه دليل اثبات على الأنتماء الى معسكر " الأعداء "  الداخليين .  وساد التسطيح ,  والتلقي , والأحاديث المبتذلة المثيرة للغرائز . وحُظّر التضامن , لأنه تعبير عن نضوج " المؤامرة "  على "  الثورة "  وقيادتها , ودُعّم الشعور الفردي الأناني , وشُجّع على انتهاك القوانين تحت مقولة " عسكري دبر راسك " . وعُمم هدر الكرامة , وكأن تحرير الأرض لا يتم الا بفقر الدم الناجم عن سوء التغذية , وقضاء الحاجة في العراء ,  وحكة الجلد الناجمة عن اتساخ كل ما يُستعمل ,  وعدم توفر شروط النظافة اللائقة بالأنسان .

ومن ضمن ثقافة الجيش العقائدي , تلك النزعة الجامحة لأحتقار الأنسان المدني , ومن ضمن عبارات الشتم والأستخفاف بمظاهر الضعف الأنساني كأن يقال للفرد " أنت مدني سخيف ولست عسكري , العسكري لايخاف أو لا يبكي أو....كن عسكرياً رجلاً وكف عن هذا " بالأضافة الى تحقير كل مظاهر الحياة المدنية والحضارية فالقاء تحية الصباح أو المساء هو سبب كافي لأثارة السخرية , كما ان اظهار المشاعر الأنسانية الأيجابية من ود وأحترام وحب تُعتبر من مظاهر" التخنث "  المرفوضة المثيرة " للغثيان " . وهذا كله في النهاية , لخلق الحالة النفسية عند المواطن ان العسكري هو الأكفأ ,  وهو من يستحق ان يمسك بزمام الأمور .

ان النظام السياسي , الُمنبعث من سلطة مُغتَصَبة بالقوة العسكرية , ومستمرة  باستفتاءات  من فئة ال 99.99% , لايمكن له ان يبني أداة " تحرير الأرض " الا على هذه الشاكلة من العلاقات الداخلية المتخلفة و القاهرة للأنسان , ولا بد له ايضاً من ان ينحدر بطموحه من مستوى تحرير الأرض الى مستوى ضبط النفس وكبح فرامل عدم الأنجرار الى معركة تحدد اسرائيل زمانها ومكانها . ؟

 أليس هذا بكافياً لمعرفة سبب حقد هذا النظام على صندوق الأقتراع ؟ ولماذا لاتناسب الديمقراطية " الغربية " مجتمعاتنا ؟ . ألا يكفي هذا لنعرف لماذا أحاط " قائد الأصلاح " واقع جيشنا هذا  وواقع الأجهزة الأمنية المبنية بنفس الطريقة  , بالخطوط الحمراء ؟ بالتأكيد فان تجاوز تلك الخطوط سيساهم في ذوبان ثلوج القهر,  والأستعباد ,  والتخريب ,  والتضليل .   واظهار الحقيقة . ذاك الظهور الذي سيحطم هالات القداسة الزائفة ,  التي وُضع البعض ضمنها , وستحين عندها ساعة الحق .

فريد حداد
17102003

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشييع الرئيس ابراهيم رئيسي بعد مقتله في حادث تحطم مروحية | ا


.. الضفة الغربية تشتعل.. مقتل 7 فلسطينيين بنيران الجيش الإسرائي




.. هل ستتمكن إيران من ملئ الفراغ الرئاسي ؟ وما هي توجهاتها بعد


.. إل جي إلكترونيكس تطلق حملة Life’s Good لتقديم أجهزة عصرية في




.. ما -إعلان نيروبي-؟ وهل يحل أزمة السودان؟