الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
النصف الآخر (9)
هشام بن الشاوي
2007 / 9 / 26الادب والفن
9
تنفس الصعداء، والسيّارة تشق الطريق المحفـّر.. ممزقة سكون المغيب بهدير محركها ، أحس بالامتلاء الداخلي غبّ كتابة نصه الجديد ، خامره إحساس بهيج بالتفاؤل: " إنه يختلف عن كتاباتي السابقة ، وحتما سيغير الكثير من المفاهيم . لا أعرف لم أتعاطف مع الشخوص حد الذوبان .. بغض النظر عن نظرة الآخرين الضيقة إلى فضائحية الأحداث؟ . هذا الإحساس بالشفقة لم أحس به من قبل ، هل بدأت أقترب من نبض المجمتع؟ هل بدأت أقترب من الناس ؟ " .
أطلق بصره من خلف زجاج النافذة متأملا وداعة الأشياء من حوله ، رغم إحساسه المزمن بالحزن الغامض ، والملل القاتل في مساءات الآحاد .. إحساس لازمه منذ طفولة بعيدة : " أحيانا يخيل إليّ أني لم أعش ما يسمى بالطفولة ، و(لن) أعرف شيئا اسمه الفرح .. تماما مثلما أحس أن الكتابة كانت بلسما لجراح الذات الانطوائية ، فتجلت الرغبة اللاّشعورية في التعبير عن هشاشتي الجوانية ، وحاجتي الملحة إلى حنان امرأة ..." .
في غرفته وحيدا ..
على ضفاف السيليكون ...
أرسل إليها رسالة قصيرة (sms ) لكي تدخل المسنجر .. على القائمة تبدو له " نانا " متواجدة ، التي صار يتجاهلها منذ مدة .. لا رغبة له في امرأة تنظر إلى العالم بعيون طفلة ،و لا في المزاح معها وهو في أمس الحاجة إلى من تقاسمه بعض همومه .. يحتاج إلى امرأة تمتص بأسفلها أحزانه من أخمص قدمه إلى ( قنة) رأسه ..
يقوم بوضع شارة (بلوك) على اسمها في القائمة ..
رآى شاميته متواجدة في أحد المنتديات .. خفق قلبه ، أرسل إليها إميلا : ( حبيبتي ، أنتظرك على المسنجر، بالمناسبة .. أرسلت إليك نسخة من قصتي الجديدة قبل إرسالها إلى المجلات الإلكترونية ، ولا رغبة لي في نشرها في أي منتدى .
أبوووووووووووووسك ) .
جاءه الرد بعد لحظات : (سأتصل بك هاتفيا بعد نصف ساعة ، لا أستطيع دخول المسنجر الآن .. ).
تناهى إليه صوت والديه ، بعد عودتهما من البادية .. رفع صوت الموسيقى حتى يتوغل في عزلته الباذخة ، واضعا السماعتين على أذنيه ،ثم امتدت يده إلى (السندويش) ..
وصلته دعوة إضافة من امرأة كتبت في حيز الرسالة القصيرة أنها أم عماد ، أحس بفرح بهيج يسري في عروقه .. أضافها للتو ، بعد التحية كتبت تسأله عن ابنها بحروف لا تينية .. بحروف عربية اعتذر لها أنه كان مشردا في الزمان والمكان ..
- هل أنت شاعر ؟
- مثلك يجعل الصخر ينطق !!
- ..................................
- متى تحسين بي .. يا لوعة الروح ؟؟
- ..................................
- منذ رأيتك قبل عام وأنا لا أنام .. لا أنام إلا بعد أن أضمك إلى صدري وأحضنك بقوة و...
- وماذا أيضا ؟!
- أظنك وحيدة ! زوجك .. أليس في البيت الآن ؟
- في المدوامة ، لن يأتِ إلا صباحا .. وأحسّ بالبرد والوحدة !!
ينظر إلى الساعة .. عقاربها تشير إلى التاسعة ونصف ليلا . في الخارج يتلاشى صياح الأطفال وركضهم - مبكرا - في ليالي الشتاء .
- لحظة ، لدي مكالمة هاتفية ..
- من حبيبتك...؟
- .................
- تريد مقابلتك الآن !
أحس بالبرد يلسع وجهه في الخارج ، و قلبه مثل عصفور يتراقص في قفص ، لا يحتمل كل هذا الفرح الطاغي .. كانت نبرة صوتها حزينة ، اختلج فؤاده ، وقد ضاعف تأخرها في دخول المسنجر قلقه ..
- أعرف أن ثمة خبر سيء .. تكلمي !
- لا أستطيع الحضور إلى المغرب ، كم حلمت بأن نتنفس هواء واحدا !!..
- لماذا ؟ ماعدت تحبينني ؟ اكتشفت أن حبّــنا مجرد أوهام ؟؟
- أرجوك يكفي ما بي ، كفاك تجريحا ..
وتناهى إليه صوتها مختنقا ، مبللا بالدموع ..
- أوووووووووف . لم تبكين يا امرأة ؟!
- لا يمكنني السفر بسبب الفيزا ...
- سيدتي ، ابحثي عن أية كذبة أخرى ، أنت تخفين عني شيئا ما ...
ذاب صوتها في النشيج ...
- تكلمي أو دعيني وشأني ..
- سأقبل ذلك الزوج ، رغم أني لا أطيق أي رجل ، أبواي ضغطا علي .. ولا يمكن أن أعيش وحيدة أبد الدهر .
- مفهوووووم ! وصلت الرسالة . انسيني .. وداعا . لا تحاولي الاتصال بي مرة أخرى ، سأعود إلى نساء الرصيف حتى أنساك !!
انتابه ألم أحسه فوق طاقة احتماله ، طفرت الدموع من عينيه وقلبه : " رباه ، لم كتب علي أن أشقى دوما ؟ ألأني أحب ببراءة الأطفال ؟ لماذا تعاندني- دائما - هذه الدنيا القحبة ؟ " . بيدين ترتجفان ، وبكل قوته سدد الهاتف المحمول نحو الجدار المقابل له ، فتطاير أشلاء وشظايا .. وامتدت يده إلى (الكارت) انتشلها من بين البقايا ، وضعها في جيبه ، وبقدمه شتت أشلاء هاتفه الخلوي .
- أنا ليس لدي أية حبيبة ، وتلك .. بعيدة عني ، بيني وبينها مدن وجبال وصحارى ..
- كيف تعرفت عليها ؟ ولم ارتبطت بها إذاً؟!
- دعكِ من كل شيء .. الشوارع خالية الآن ، ليس فيها غير القطط والكلاب الضالة .
أرسل إليها أيقونة يدعوها إلى احتضانها .. طلب منها أن تشغل (الكام ) ، أخذ يتغزل بمفاتنها ، وينرجاها أن تقشر فاكهة صدرها على مهل ..
بجوار الورش لمح سيارة الشرطة ، فاختبأ حتى غيبها المنعطف .. كانت تقف في الظلمة خلف البوابة ، سمعت خطواته ، أطلت بطرف عينها ، التفت حواليه ، دلف إلى الداخل ، وأغلقا الباب سوية ، غرقا في قبلة طويلة ..
هو يطوق خصرها ، وهي تلف ذراعيها حول عنقه ...
في برد الصباح وقف الأب ، أمر " كبالا" بإخراج بعض الألواح الخشبية، وضعها على الرصيف ، ومن داخل الورش تناهى إليه صوت " التباري " يتشاجر مع عمه .. يتهمه بإتلاف (دوزانه) قائلا بأنه سيأخذه معه - كل يوم - إلى بيته ، لأن(الحولي لا تثقل عليه قرونه) .. بدل البحث كل صباح عن الملاسة أو المطرقة أو (الوترة ) ...
وقف أمام البوابة حاملا كيس الثياب وأدوات العمل ، منتظرا أن يخبره الأب عن مكان عملهم الجديد .. نادى على "التباري " ، للتو، وقف الخال بدراجته النارية .. بعد التحايا ، أخبره الأب أن المحامي يود بناء حجرة في الحديقة الخلفية للفيلا ، وزوجته لا تريد (مْعلمين) غرباء في بيتها .. قبل أن يسلم على خاله ، سمعه يقول لأبيه : " اعْــطــيه ليهم عْطــَشْ وتــْهَــنــّا " . غمغم يبضع كلمات ، مواسيا في برود ، وعاتبه الخال على عدم الحضور ، فلاذ بالصمت ...
دفع "كبالا" النقالة ، فأحدثت عجلتها ضجيجا ، خاطبه :
- (زَيّت هاذ الرْوَيضة .. صبّحنا ع الله )!
ساعد " التباري " "كبالا" في شحن الألواح الخشبية ، وسار خلف الأب حينما أشار إليه أن يتبعه .. كان يحس بما يشبه النسيم يداعب أعماقه ، سيكون يوما رائعا .. سيعملون مستقلين عن بقية الرفاق، وسيراها اليوم .. بعد ساعة ستشرق شمسها ، ولن يصدقه "كبالا" حين يخبره أنه قابلها - أمس- في الحافلة ..
كان هائما وهو يستمع إلى أبيه الذي يشرح له ما سيقومون به .. سارية هنا ،جدار واطئ هنا ، وشباك هناك ... وأنهى كلامه بنبرة الواثق من نفسه : " يجب أن يكون مسقفا قبل ثلاثة أيام " .
عند البوابة سمع "التباري" يمازح ابن أخيه :
- (هاذ المرة كًاع ما توضرتي وبقايتي غادي سارح )؟؟
( يتبع )
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما هو اكثر ما يتعب نوال الزغبي في مهنتها ؟ ??
.. اكتشف مدينة الصويرة: من ملعب جولف موكادور إلى زيت الأرجان وا
.. عام على الحرب في غزة: أولويات الإغاثة الثقافية في المناطق ال
.. فيلم تسجيليا يعنوان -جيش النصر- من اصطفاف تفتيش حرب الفرقة
.. المخرج رشيد مشهراوي من مهرجان وهران بالجزائر: ما يحدث في غزة