الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إضرابات العمال في مصر: مرحلة جديدة للحركة العمالية

التجمع اليساري من أجل التغيير

2007 / 9 / 26
الحركة العمالية والنقابية


منذ ميلادها في نهاية القرن التاسع عشر وحتى الآن شهدت التحركات العمالية في مصر محطات رئيسية كانت تنبئ بانتقال الحركة من مرحلة إلى مرحلة جديدة.

أولى هذه المحطات كان إضراب لفافي السجائر عام 1899 والذي اعتبره المؤرخون ميلاداً للحركة العمالية في مصر، وإضرابات النسيج في الثلاثينات والتي طورت الوعي النقابي والتنظيمي للحركة العمالية واعتبرت مقدمة لأربعينيات قوية على صعيد الحركة العمالية. وإضراب عمال كفر الدوار الذي شكل قمعه بطريقة دموية من قبل ضباط يوليو حداً لتطور الحركة العمالية. ثم إضرابات عمال حلوان عم 1968 احتجاجا على هزيمة يوليو 1967 والتي اعتبرت الميلاد الثاني للحركة العمالية وموجة السبعينات التي مهدت لانتفاضة الخبز في يناير/كانون الثاني 1977. أما مرحلة الثمانينات، فقد شهدت احتجاجات عمالية جماهيرية في قطاع النسيج في المحلة وكفر الدوار والإسكندرية وشبرا والسكة الحديد والحديد والصلب وغيرها والتي قابلها النظام بعنفٍ دمويٍ وصل إلى حد إطلاق الرصاص على العمال المضربين.

انتهاء مرحلة الثمانينات كانت إيذاناً بمرحلة هدوء نسبي رافق التسعينات الذي صاحب وضع سياسات التكييف الهيكلي التي نظمت إخراج العمال على المعاش المبكر وخصخصة الشركات، الأمر الذي أثّر بشدة على الحركة العمالية. لم تكن مرحلة التسعينات خصبة جدا بالتحركات العمالية، فهي لم تشهد سوى اعتصام كفر الدوار عام 1994 والذي تم قمعه بهمجية وعنف.

هذا الاستعراض السريع والموجز جدا لمحطات رئيسية في الحركة العمالية المصرية، ضروري لمعرفة لماذا تعتبر موجة الإضرابات العمالية التي انطلقت في مصر مؤخراً بداية مرحلة جديدة في الحركة العمالية المصرية.

إضراب عمال غزل المحلة في 7 ديسمبر 2006، كان بداية لأقوى وأوسع إضرابات عمالية شهدتها مصر منذ نصف قرن. فعلى مدى ستة أشهر بلغ عدد العمال الذين أضربوا عن العمل ورفعوا مطالب واستطاعوا تنفيذ أغلبها أكثر من 200 ألف عامل وهو رقم هائل في بلد يحكمه قانون الطوارئ منذ أكثر من ربع قرن، ويقيّد قانون العمل فيه حق الإضراب ويفرض على العمال تنظيم نقابي واحد موال للدولة. ولكن، ليس حجم الإضرابات وجماهيرها واتساعها لتشمل أغلب القطاعات والمحافظات في مصر هو فقط ما يجعلنا نعتبرها بداية مرحلة جديدة في الحركة العمالية المصرية. فتأصل خصائص الإضرابات العمالية التي انطلقت ابتداءً من 7 ديسمبر/كانون الأول يجعلنا نرى أكثر من ملمح جديد للحركة.

على مدى عقود طويلة اعتمدت الحركة العمالية في مصر على الاعتصام للتعبير عن احتجاجها ورفع مطالبها وليس الإضراب عن العمل. فأغلب الاحتجاجات العمالية ما بعد يوليو 1952 كانت الاعتصام العمالي في مكان العمل مع استمرار عملية الإنتاج. أما الاستثناءات فكانت قليلة مثل إضراب سائقي سكة الحديد في 1986 وإضراب سائقي النقل العام في عام 1976. ارتبط ذلك بثقافة يوليو (ملكية الشعب، وعلاقة الإنتاج بالأمن القومي ودعم المجهود العربي) الذي جعل الإضراب يبدو كعمل معاد للوطنية ويقترب من الخيانة العظمى.

عاصفة التكيف الهيكلي والخصخصة التي ضربت الأوضاع العمالية المستقرة في مصر أزالت معها الكثير من الأوهام التي سيطرت على الحركة العمالية على مدى عقود واتخذت هذه الحركة طريقة الإضراب للمطالبة بحقوقها وليس الاعتصام، وهو ما يعني استخدام العمال للضغط الاقتصادي وموقعهم من علاقات الإنتاج، مما يفتح إمكانية أكبر لاكتشاف الطبقة العاملة لنفسها وثقلها الاقتصادي والسياسي. استبدال الطبقة العاملة سلاح الاعتصام بسلاح الإضراب في الاحتجاج خطوة كبيرة في وعي الطبقة العاملة الجماعي.

ولكن ليس هذا هو التطور الوحيد الذي ظهر في الحركة العمالية. فطول فترات الإضرابات نسبياً كان ظاهرة ملموسة في الإضرابات الأخيرة. غالباً، لم يكن الاعتصام أو الإضراب العمالي يستمر سوى ليوم واحد أو اثنين ثم ينتهي بتدخل الأمن وفضّه بالقوة. الإضرابات الأخيرة شهدت تغيّراً واضحاً. فإضراب المحلة استمر ثلاثة أيام وانتهى بتنفيذ مطالب العمال دون تدخل عنيف من الأمن. الإضرابات التي تلت استمرت لأيام وأسابيع أيضاً. طول مدة الإضراب خلق أمرين هامين. الأول هو توسّع تأثير الإضراب وأصداءه الإعلامية والذي كان غير متوفر في مدد الإضرابات القصيرة والتي ما أن تعلم بها وسائل الإعلام والقوى المهتمة بالحركة العمالية حتى تكون قد انتهت.

الأمر الثاني والأهم هو أن طول مدة الإضراب تخلق تنظيماً داخلياً للحياة العمالية في الإضراب، فوجود آلاف العمال في نفس المكان لأيام متتالية يفرض توفير آليات للإعاشة وتنظيم الحياة الداخلية وتقسيم واسع النطاق للعمل بينهم، من مثل التفاوض، حماية المنشأة، توفير الطعام، التناوب على التواجد في الإضراب... مما أدى إلى تطور الإمكانيات التنظيمية للحركة العمالية سريعاً كلما زادت مدة الإضراب.

استخدام الإضراب وليس فقط الاعتصام وطول مدة الإضراب هما من أهم الخصائص التي ميّزت الإضرابات العمالية الأخيرة في مصر والتي تجعلنا نعتبرها بداية لمرحلة جديدة. وهناك مظهر آخر ميز هذه الموجة وهو انتهاؤها جميعا سليمة من دون أي حسم عنيف من قبل السلطة، هذا بالإضافة إلى الاستجابة إلى أغلب المطالب التي رفعتها، الأمر الذي زاد من ثقة العمال في الحركة. فالعنف الشديد الذي استخدمته الدولة ضد احتجاجات العمال طوال الثمانينات شكل رادعاً أمام الحركة العمالية لفترة طويلة. وتراجع الدولة عن استخدام العنف ضد العمال أزال الكثير من المخاوف التي أحاطت بحق الإضراب.

طبعا، لم يكن تردد الدولة في استخدام العنف ناتجاً عن تحول ديمقراطي للنظام السياسي، ولكن الحالة السياسية العامة التي يمر بها المجتمع المصري والتي لا تخلو من الاحتقان والغضب المكتوم والخوف من التشهير على المستوى الدولي شكّلا غطاء للحركة العمالية.

المطالب العمالية التي رفعها العمال لم تختلف عن سابقاتها. فهي ارتبطت أغلبها بالأجور المتغيرة وظروف العمل وعواقب سياسات الخصخصة. ولكن النتائج التي تحققت حملت أفقاً أوسع للحركة العمالية. فبعد إضراب غزل المحلة وغزل كفر الدوار مثلاً قررت الدولة تخصيص حصة من حصيلة بيع بنك الإسكندرية لإسقاط ديون شركات الغزل والنسيج وتحسين شروط العاملين بها، وهي المرة الأولى التي تتوجه بها حصة من حصيلة الخصخصة لمصلحة اجتماعية.

وخلال شهر يوليو/تمّوز قررت الدولة إعادة النظر في الحد الأدنى للأجور المعمول به في مصر الذي لم يعاد النظر به منذ ربع قرن ليتماشى مع الأسعار الجارية. ورغم أن المقترحات المقدمة الآن لم ترق لتلبية احتياجات العمال إلا أن مجرد فتح موضوع الحد الأدنى للأجور والنظر في رفعه هو من أهم نتائج الحركة العمالية.

مرحلة جديدة للحركة العمالية في مصر تعيد من خلالها الطبقة العامة اكتشاف نفسها وإمكانياتها وتطورها وتضع نفسها كمعطى رئيسي على خريطة الأزمة السياسية في مصر ويبقى على المناضلين الثوريين مهمة التفاعل الخلاق مع الحركة العمالية والتعلم منها والبناء من خلالها.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الصباح | لندن: ضربة مزدوجة من العمال للمحافظين.. وترمب


.. رغم تهديدات إدارتها.. طلاب جامعة مانشستر البريطانية يواصلون




.. بعد التوصل لاتفاقيات مع جامعاتهم.. طلبة أميركيون ينهون اعتصا


.. الحق قدم.. 3408 فرصة عمل جديدة في 16 محافظة.. اعرف التفاصيل




.. ألمانيا.. متضامنون مع فلسطين يعتصمون أمام جامعة هومبولت في ب