الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من المسؤول عن موجات الغلاء المتلاحقة في بلادنا

فريد حداد

2007 / 9 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


قدم تلفزيون الجزيرة القطري , في برنامجه , الأتجاه المعاكس , بتاريخ 4 ايلول 2007 , جلسة حوار بين كلٍ من الأستاذين
جمال عبد الجواد- رئيس وحدة العلاقات الدولية في مركز الأهرام .
و حسين شعبان - باحث أقتصادي .
حول ظاهرة الغلاء في العالم العربي . حيث طُرحت من قِبل كلا المتحاورين , أفكارا هامة في هذا الخصوص , ولكنها لم تكن شاملة لكل القضية . وكان هناك أمورا هامة ممكن ان تُقال في تلك المناقشة ولكنها لم تتم .
كما تردد بعد ذلك في سورية , أن الحكومة تسعى الى رفع أسعار المحروقات , وكعادتها في تبرير ذلك , ( لمنع تهريبه الى الأسواق المجاورة ) , حيث أسعار المحروقات هناك أعلى من سعرها السوري , فكان ذلك مثال آخر على مسئولية الحكومات في رفع أسعار المواد الأستهلاكية , يصب في مصلحة المتحاور الأستاذ حسين شعبان . كما كان ذلك , محفزاً لي , للمساهمة في الحوار حول هذه المسألة , بحدود معرفتي في هذا الحقل .
تنويه : فيما سيرد , فان كلمة (عامل ) أو ( قوة عاملة ) تعني أي انسان يعمل , سواء بعقله أو بعضلاته , عمل مبدع , أو عمل خدمي , بسيط .


- للسلعة قيمتان . قيمة أستعمالية , وقيمة أخرى تبادلية , وما يشغلنا في معالجتنا هنا, هي القيمة التبادلية , والتي تقاس بالزمن الأجتماعي اللازم لأنتاجها , من قِبل فرد , أو مجموع الزمن ان كان المُنتج جماعة , بدءاً من كونها مادة , أو مجموعة مواد خام في الطبيعة , وصولاً - لكونها سلعة لها قيمتها الأستعمالية - الى يدي المستهلك .

- أما سعر السلعة , فهو عبارة عن القيمة التبادلية , مضافاً اليها أو منقوصاً منها مبلغاً محدداً , يتبع للظروف المحيطة بانتاج السلعة أو نقلها أو بيعها . فالعرض الكثير يؤدي الى انقاص سعرها عن قيمتها التبادلية , والطلب الكثير يفعل العكس . عوامل كثيرة تفعل فعلها في التأثير على سعر السلع , ولكن تبقى القيمة التبادلية لها في النهاية , تشكل المركز, الذي يتأرجح حوله السعر, صعوداً , أ وهبوطاً .

- وأما الزمن الأجتماعي اللازم لأنتاج سلعة ما , فهوخالق القيمة التبادلية للسلعة المنتجة , فيُقال مثلاً بان قيمة سيارة موديل ( كذا ) من نوع ( كيت ) هو 300 ساعة عمل , أو أن قيمة حفارة الكوسا هي دقيقتين عمل وهكذا .

وحيث ان الزمن الأجنماعي الضروري لأنتاج السلعة , يمنحها قيمتها التبادلية , فلهذا الزمن اذاً , قيمة تبادلية أيضاً , وسعر , وهو قابل للبيع والشراء في سوق العمل , وسعره يُسمى أجراً أو راتباً, وهذا السعر أيضاً قد يكون ألى أو أقل من قيمته . وهذا الأجر أو الراتب , يجب أن يحقق في الحدود الدنيا شرطاً أساسياً واحداً , هو أن يكون قادراً على اعادة أنتاج القوة العاملة لتعود في اليوم التالي الى سوق العمل , كما تكون قادرة على اعادة أنتاج أجتماعي لقوة العمل هذه . أي ان يكون الأجر مساعداً للفرد أيضا على أنتاج عائلة , وأبناء , وجيل جديد .

كذلك فان قيمة ساعة العمل ترتبط بقيمة منتجها ( مادياً ) , أي أنها ترتبط بالتكاليف التي استهلكها المُنتج على نفسه , ليصل الى مستوى من المهارة العلمية , أو اليدوية , يكون قادراً فيها على القيام بعمل محدد , يحتاج القيام به الى تأهيل خاص . فتكلفة أنتاج طبيب جراح على سبيل المثال , هي أعلى بكثير من تكلفة أنتاج معلم للمرحلة الأبتدائية أبتدائي , وبالتالي فان قيمة ساعة الطبيب , هي أعلى بكثير من قيمة ساعة المعلم , بسبب أرتفاع تكلفة أنتاج الأول .

كما أن قيمة ساعة العمل تختلف باختلاف الزمان والمكان , ففي مكان واحد مع تغير الزمن , ولتكن الصين مثالاً, فان قيمة ساعة المزارع في القرن الواحد والعشرين , هي أعلى بكثير من قيمتها في القرن السادس عشر , لسبب أن تكاليف أعادة أنتاج قوة العمل بقسميها الفردي والأجتماعي أصبحت أعلى , كنتيجة طبيعية لتطور شروط الحياة وزيادة متطلباتها . وفي زمن واحد مع تغير المكان , وليكن زمننا الراهن مثالاً , فان قيمة ساعة العمل لمهندس يعيش في باريس , هي أعلى بكثير من قيمة مثيلتها لمهندس يعيش في ارتيريا , لنفس السبب السابق ذكره , وهو أرتفاع كلفة أعادة أنتاج القوة العاملة بقسميها الفردي والأجتماعي , كنتيجة لتطور مستوى الحياة في المكان الأول , وزيادة متطلباتها .

وهكذا فان قيمة ساعة العمل , مسألة يصعب تحديدها بدقة , لأنها خاضعة لمتغيرات قد تكون يومية . وبالتالي فان الطريقة الأنجع للوصول الى التقدير الأفضل لقيمتها , هو ما يحصل في دول الأقتصاديات الحرة المتطورة , حيث قوة العمل معروضة في الأسواق , وخاضعة للعرض والطلب , بالأضافة الى صون حق القوة العاملة في الأحتجاج , للتعبير عن المظالم , وانتزاع الحقوق , في حال قيام أي جهة بالأعتداء على قيمة قوة عملها . كذلك في وجود تشريعات تؤمن المساعدة المالية لكل فرد في حال الأزمات الفردية . كالبطالة , والعجز الدائم أو المؤقت , والمرض وغيرها .

لقد حددت منظمة العمل الدولية , ساعات العمل اليومية , بثماني ساعات , وهذه الساعات الثمان فقط هي التي يجب أن يؤمن أجرها شروط الحياة الكريمة للعامل وليست الخمسة عشر ساعة كما أصبح العديد من ابناء شعبنا يعملون لتأمين قوت عيالهم .

- فضل القيمة هو الفرق بين سعر مبيع السلعة وبين قيمتها التبادلية . حيث تسيل فضل القيمة في نهاية العملية التبادلية الى جيب صاحب العمل . وقد اعتقد الأشتراكيون في القرن التاسع عشر , أن فضل القيمة هذا هو حق للفقراء , يُسحب من جيوبهم الى جيوب الرأسماليين , ولأعادة هذه الحقوق الى أصحابها , يجب أن تذهب فضل القيمة هذه الى جيوب العمال ( البروليتارية ) , أصحاب العمل الحقيقيين في المجتمع الأشتراكي المنشود بناءه , ممثلين بدولة العمال والفلاحين التي يقف الحزب الثوري الطليعي على رأسها .

وبعد نجاح ثورة البلاشفة في روسيا واستلامهم للحكم , سعوا لبناء نظام أقتصادي جديد مستقل عن النظام الأقتصادي العالمي الذي أعتُبر أنه نظام رأسمالي أستغلالي , بهدف منع الرأسماليين من الحصول على فائض القيمة والحفاظ عليها ملكاً للشعب . كما عملوا على ايجاد معايير جديدة , للقيمة التبادلية , والسعر , والأجر , أمعاناً منهم في السير على طريق الأستقلال الأقتصادي والخلاص النهائي من علاقات المجتمع الرأسمالي لتحقيق التحرر الكامل من الرأسمالية واستغلالها .

وفي مسيرتهم لبناء النظام الأشتراكي المستقل , أُغلقت نوافذ المجتمع على العالم الخارجي , خوفا من تسلل الرأسمالية من جديد , وحددت الدولة أجور عمالها وسعر منتجاتهم , حيث كان ذلك في الغالب يتم بموجب قرارات بيروقراطية بعيدة كل البعد عن ظروف السوق , والأنتاج , الداخلي أو الخارجي . وحافظوا في معادلة القيمة - السعر - الأجر على فائض القيمة الذي ذهب في النظام الجديد الى جيب الدولة , التي أضحت الرأسمالي الكبير والوحيد في المجتمع , بهدف تغطية نفقاتها الكثيرة . وأعتُبر فائض القيمة هذا بتعابيرنا المحلية الجديدة ( فائض قيمة حلال ) لأنه يذهب الى جيب الدولة التي ( تمثل ) المجتمع .

ومن منطلق الغاء الطبقات وسيادة الطبقة العاملة , تمت مصادرة الحياة السياسية في المجتمع لصالح ( حزب الطبقة العاملة ) حيث غابت مراقبة المجتمع ومنظماته المدنية والسياسية للسلطة الحاكمة , فظهر الفساد ونما وترعرع , مما دفع بالسلطات لبناء أجهزتها الأمنية لحمايتها من ردة فعل المواطنين تجاه سياساتها , وبذلك سارت الدولة السوفيتية بخطى ( ثابتة وواثقة ) باتجاه الدولة البوليسية القمعية .

بدأ السوفييت ببناء نظامهم خارج بلادهم لأول مرة في بلدان أوروبا الشرقية , التي أحتلوها في الحرب العالمية الثانية
, وبعد ذلك الى منطقتنا العربية في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات من القرن الماضي , عبر حلفاؤهم من العسكر الذين أغتصبوا السلطات في بلادهم عبر أنقلابات عسكرية , وسميت ثورات . وعلى الرغم من ارتداء ذلك النظام البوليسي السوفييتي للبوس الأشتراكية , الا أن أعتى أعداء الأشتراكية لم يتوان عن الأخذ بجوهر ذلك النظام , حيث أثبت فعاليته في أخماد نفس المجتمعات وأخضاعها .

- واذا ما عدنا الى بلادنا , فقد أخذت سورية بجوهر النظام الأقتصادي السوفيتي , وتحصيل حاصل بنظامه الأمني أيضاً , و الذي يعتبره منظروه المحليون بانه نظام منبثق من حضارتنا وتقاليدنا . حيث ساد نظام الحزب الواحد , وأصبحت الدولة المُحتلة من قِبل السلطة السياسية , هي الرأسمالي الوحيد الكبير في البلد , وأصبحت فائض القيمة في العملية الأنتاجية تصب في جيب الدولة .

أكدت مسيرة بناء النظام الجديد استحالة العيش بمعزل عن العالم , وأن حاجة أقتصادنا لكل شيء من الخارج بدون أستثناء , يحتم علينا أن ننخرط في منظومة العلاقات الأقتصادية الدولية , -- هذه العودة الى أحضان المجتمع الدولي التي رفع لوائها حافظ الأسد بعيد حركته الأنقلابية على رفاقه – هذه العودة , والتي تعني أول ما تعنيه أن تعود الى منظومة القيم والمقاييس المستخدمة في العالم , ومنها أن تكون أجرة ساعة العمل للعامل السوري تساوي أو أقل بقليل من نظيرتها للعامل في الدول التي يتم التبادل معها , وان تكون سعر السلعة السورية مساوية لمثيلتها في المواصفات التي تُنتج في الدانمارك وهكذا . ولكن للأسف فان ماحدث هو الحفاظ على قيمة عمل العامل السوري في الحضيض وأصبح مطلوباً منه أن يدفع سعر مواده الأستهلاكية المستوردة بالسعر الذي تحدده المقاييس العالمية وليست تسعيرة ( الرفاق في وزارة التموين أو في قيادة فرع الحزب ) . هنا وجدت الدولة نفسها مضطرة لأعادة جزء بسيط من فائض القيمة المنهوب من العامل , لتغطية الفرق بين السعر الفعلي للبضاعة المستوردة , والسعر المحدد لهذه البضاعة من قبل ( القيادة الحكيمة ) فيما لو كانت منتجة محلياً, كالرز , والسكر , والزيوت وغيره . تحت شعار دعم أسعار المواد الغذائية . ( دولة لصوص وتتظاهر بالكرم على شعبها , وكأنها تصرف على الناس من جيوب الحكام ) .

والسؤال الآن الذي يجب أن تكون الأجابة عليه واضحة تماماً هو : لماذا تستمر الأسعار بالأرتفاع ؟؟؟؟؟؟.....

تستمر الأسعار بالأرتفاع لأن تكاليف الفساد في جهاز الحكم المتمثلة في النهب المنظم للمال العام وتهريبه الى بنوك الأمبريالية – الصهيونية ( كما قال الدكتور عارف دليلة ) كما تكاليف الحياة المرتفعة ( للرفاق القادة ) على حساب أموال الدولة , تلك التكاليف التي تضاهي بل تتفوق على تكاليف الحياة لأكبر رأسمالي في العالم ( لايُهرب أمواله خارج بلاده ) . كما زيادة نفقات أجهزة القمع . كل ذلك يستدعي أن تتوقف الدولة عن أعادة ذاك الجزء البسيط من فضل القيمة المنهوب على شكل دعم المواد التموينية ,-- لابل زيادة في نهب أجور الشغيلة - , وترك أسعار السلع في السوق المحلية على حقيقتها , أي الأسعار العالمية , وترك العامل يواجه تلك الأسعار ( الرأسمالية ) براتبه الأشتراكي – البيروقراطي .

والسؤال الذي يجب أن تُجيب عنه السلطات في بلادنا , ومنهم من بيده قرارات الحل والربط , هو : أذا كانت حكومتنا الرشيدة تحرص على عدم تهريب برميل المازوت الى الأسواق المجاورة حيث السعر الأعلى , فتسعى لرفع سعره ليصل الى حدود سعره في الأسواق المجاورة وبالتالي الحيلولة دون تهريبه . أليس مطلوباً منها أيضاً أن تتخذ قرارات مشابهة وترفع سعر اليد العاملة السورية لتحول دون تهريب الخبرات والعقول السورية الى الأسواق المجاور منها والعالمي , أسوة ببرميل المازوت . ؟؟؟؟؟؟؟؟

ان جوهر أزمة الغلاء في سورية وفي أغلب الدول العربية , لا بل العالم الثالث , تتلخص , باستغلال الدولة للشغيلة بشكل لم تعرفه أبشع الأنظمة الرأسمالية في أحلك مراحل تطورها , عبر راتب هزيل , لايتناسب بالمطلق مع الجهد الذي يبذله , وذاك الراتب محدد من قِبل الرأسمالي الوحيد في البلد , المدعوم من أجهزة قمع متوحشة , تصادر حق الشغيل في الأحتجاج , كما تصادر حريته في بيع قوة عمله لمن يدفع أفضل , بسبب غياب أي شاري آخر لقوة عمله , كنتيجة لأحتكار الدولة لسوق العمل . لابل ان الحكومة السورية لاتكتفي فقط بتحديد أجور العمال على هواها , بل حتى تمنع قسم كبير منهم من ترك عمله لمدى الحياة . كالعسكريين ورجال الشرطة . والأدهى من ذلك أنها تحدد مكان عمل الشغيل والذي قد يكون بعيد مئات الكيلومترات عن بيته وعائلته , مما يرتب مصاريف أضافية كأجرة سكن ومواصلات لا قدرة للشغيل بها .

ان حجة الأرتفاع العالمي للأسعار , وأرتفاع أسعار النفط عالمياً , التي تسوقها الأنظمة لتبرير أرتفاع الأسعار في الأسواق العربية الداخلية , هي حجة واهية ومردودة عليها . فها نحن نعيش في دول الغرب , ونرى الأسعار ترتفع وتهبط حسب متطلبات السوق , ونرى الدراسات التي تصدر سنوياً عن الحكومات , والتي تحدد نسبة غلاء المعيشة لكل سنة من السنوات , ونرى كيف يعمل الجميع من حكومات الى قطاع خاص على تعديل أجور عمالهم لتعود الى التوازن المطلوب .

لقد تمكن الأنسان منذ 5000 عاماً مضت , على أنتاج غذاءه وغذاء أطفاله والعيش بكرامة . والآن تريد حكوماتنا العربية , أن تُقنعنا بأنه على الرغم من كل التطور الذي حصل بوسائل الأنتاج , وأمكانية العامل في العصر الحديث , على أن يُنتج أكثر مما يحتاج بكثير . وصل العامل العربي الى مرحلة لايستطيع فيها أن يُنتج غذاءه كفرد .

أن الحل الناجع لأزمة الغلاء في سورية وكل البلدان الشبيهة بها . تتلخص , في ايقاف النهب المنظم لجهد الشغيلة الذي هو الشعب بكامله . ووقف نهب الثروات الوطنية , وتحويل مردودها لخدمة الناس أجمعين , وهذا لايمكن أن يتم في ظل أستمرار هذا النظام السياسي المستبد والفاسد , لابل في ظل نظام ديمقراطي , مُنتخب , ومراقب , ومُحاسب من قِبل الشعب .

فريد حداد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #بايدن يدافع عن #إسرائيل.. ما يحدث في #غزة ليس إبادة جماعية


.. بدء مراسم تشييع الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ومرافقي




.. هل هناك أي نوع من أنواع الامتحان أمام الجمهورية الإيرانية بع


.. البيت الأبيض.. اتفاق ثنائي -شبه نهائي- بين أميركا والسعودية




.. شوارع تبريز تغص بمشيعي الرئيس الإيراني الراحل ومرافقيه