الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقترح قانون التوازن، تجسيد للطائفية

جاسم الحلفي

2007 / 9 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


يعتبر مقترح قانون هيئة العدالة والتوازن الوطني السكاني، من أسوء المقترحات التي طرحت على مجلس النواب لحد هذه اللحظة، فهو يجسد بشكل سافر المحاصصة الطائفية، ويقننها بوثيقة صريحة، ويعطي للتقسيم الطائفي إطارا رسميا، وهنا تكمن الخطورة. وقد عارض هذا التوجه عدد من أعضاء مجلس النواب، لكن تلك المعارضة لم تؤدي الى سحب هذا المقترح، وكذلك لم تجد اهتماما كافيا من الوسط السياسي الذي يرفض الطائفية كطريقة لإدارة الحكم، هذا إضافة لتواضع التأييد والتعضيد والإسناد المناسب من الرأي العالم وممثليه، لتلك المعارضة.
يستند أصحاب المقترح، الى المادة (105) من الدستور والتي تنص على تأسيس (هيئةٌ عامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، في المشاركة العادلة في إدارة مؤسسات الدولة الاتحادية المختلفة، والبعثات والزمالات الدراسية، والوفود والمؤتمرات الإقليمية والدولية، وتتكون من ممثلي الحكومة الاتحادية، والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وتنظم بقانون).
وصيغ تحت عنوان بريء، وبعبارات تبدو مقنعة، وكأنها تهدف الى تحقيق العدالة، في توزيع الوظائف الحكومية، وإنصاف الكفاءات الوطنية النزيهة، كما جاء في الفقرة (5) من المادة (12) من مقترح القانون التي تنص على( وضع المعايير التي يمكن من خلالها تحقيق العدالة والتوازن لمكونات الشعب العراقي في تمثيلهم ضمن هيكلية الدولة).

لكن حين يتمعن الإنسان بالمحتوى الحقيقي للمعايير المقترحة، لا يواجه أي عناء لكشف الجوهر الطائفي المقترح. ويتجلى ذلك في الفقرة (2) من المادة (5)، التي تنص على ( مراجعة الملاك الوظيفي للدرجات الخاصة ووضع أسس موضوعية لإعادة ترتيبها اعتمادا على مبدأ التوازن بين مكونات المجتمع العراقي). إن نظرة سريعة لهذه الفقرة لا تتطلب العناء كي نكتشف ان المعايير هي ليست الكفاءة والنزاهة والوطنية بل على أساس معيار أثبتت الحياة خطورته، ونعني به معيار الطائفية المقيت الذي أسهم في قطع الطريق أمام بناء الدولة الديمقراطية على أساس مبدأ المواطنة. هكذا يمكن الاستنتاج بأن الهدف من هذا القانون، هو – على ما يبدو - إحداث المزيد من الانقسامات والتشرذم في صفوف الشعب العراقي، وتمزيقه، عبر تشريع المحاصصة الطائفية.


ان الممارسات الطائفية المقيتة، وزرع النعرات والفتن، هي ما يجب إدانته، ولا يمكن بكل الأحوال أن تكون مبررا لتمرير تشريعات تؤكد المحاصصة والانقسام، عند من وضعوا أنفسهم ممثلين لهذه الطوائف، وكأن العراق تركة وغنائم جيش مهزوم.

من جانب آخر، هناك استحواذ من هذا الطرف او ذاك على المناصب الحكومية، وهناك أيضا فساد واضح في عمليات التوظيف، فلم يعد سرا دفع رشاوى غير قليلة، نظير التعيين في دوائر الدولة. وبالمقابل، فقد مورست الطائفية للتضييق على الكفاءات وإبعادها من مواقعها الوظيفية، واستخدمت في ذلك أبشع أشكال العزل والإقصاء، مما خلف تداعيات خطيرة ليس بخسارة الكفاءات وحسب رغم أهمية ذلك، بل بإضعاف روح المواطنة والانتماء للوطن.
من المؤكد أننا نحتاج إلى جهود كبيرة وإجراءات جديّة لمعالجة آثار هذه المظاهر السلبية والمدمرة، وفي مقدمة ذلك وضع تشريعات مناسبة. ولكن لا ينبغي لهذه التشريعات ان ترتكن الى المحاصصة، التي استفاد منها من وضع نفسه وصيا على مكونات الشعب العراقي، بل يجب أن تعتمد على معايير الكفاءة والنزاهة في التعيين والتوظيف، وفي إعادة توزيع المناصب الحكومية، وبعيدا عن الانتماء لهذه الكتلة او تلك. وهذا يمكن أن يتحقق من خلال إصدار قانون يفعّل المادة الدستورية رقم 107 والتي تنص على تأسيس (مجلسٌ، يسمى مجلس الخدمة العامة الاتحادية، يتولى تنظيم شؤون الوظيفة العامة الاتحادية، بما فيها التعيين والترقية، وينظم تكوينه واختصاصاته بقانون)

إن من يدفع بمقترح قانون التوازن الخطير المشار إليه، يتناسى أن الدستور العراقي أكد في المادة 14 منه على أن العراقيين( متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي)

لقد فشل المشروع الطائفي، بمختلف طبعاته، فشلا كبيرا، في الحفاظ على وحدة الشعب العراقي، بل على العكس من ذلك خلّف تداعيات خطيرة على السلم الأهلي. وبديلنا لكل ذلك هو المشروع الوطني الديمقراطي، الذي يتبنى موضوعة المواطنة، ويدافع عنها، ويدعو إلى تكريس الحقوق والواجبات الوطنية المتساوية لكل العراقيين، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية، ويؤكد على التوزيع العادل للسلطة والثروة دون تهميش او إقصاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسط إقبال مكثف.. فرنسا تجري انتخابات تشريعية -مختلفة-، لماذا


.. بعد أدائه غير المقنع.. بايدن يجتمع مع عائلته لمناقشة مستقبل




.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف الانتخابات في إيران بـ-عملية


.. قراءة عسكرية.. القسام تبث مشاهد جديدة من تجهيز عبوات -العمل




.. -مش احنا الي نرفع الراية البيضاء -.. فلسطيني من غزة