الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين الممكن والمستحيل

محمود نزال

2007 / 9 / 28
الادب والفن


أنت.. أيها الاحتمال.. الرائع اليقين...

أنت.. أيها اليقين.. العذب الاحتمال...

أوراقي البيضاء.. تنتظر منذ أيام.. بعض الكلمات.. بعض الكلمات فقط.. كي تدب فيها الحياة.. وتتحول من ورق إلى أيام.. كلمات فقط.. تجتاز بها الصمت إلى الكلام.. والذاكرة إلى النسيان.. وإنني كثيراً قد حاولت أن أطارد دخان الكلمات التي تحرقني.. دون أن أستطيع أن أطفئ حرائقها مرة فوق صفحة.. فهل تُرى الورق هو مطفأة للذاكرة؟.. نترك فوقه كل مرة.. رماد سيجارة الحنين الأخيرة.. وبقايا اللحظة الأخيرة.. ومن منا يُشعل ويُطفئ الأخر.. أنحن أم ذاكرتنا؟.. إنني قد كنت دوماً.. إن عجزت عن الكتابة.. أُسقط أقلامي وأُعلن انسحابي.. فهل أروع من أن نوقع مساحة بيضاء.. ببياض.. وننسحب على رؤوس أصابعنا.. ما دمنا لم نوقع شيئاً في النهاية.. فوحدها الأقدار هي التي توقع حياتنا.. وتفعل بها ما تشاء.....

قديماً كنت أعتقد.. أننا لا يمكن أن نكتب عن حياتنا إلا بعد أن نشفى منها.. عندما يمكن أن نلمس جراحنا القديمة بقلم دون أن نتألم مرة أخرى.. عندما نقدر أن ننظر خلفنا دون حنين.. دون جنون.. ودون حقد أيضاً.. لكن.. نحن لا نشفى من ذاكرتنا.. بل يبقى القلم.. هو الأكثر بوحاً.. والأكثر جرحاً.. عندما تمطر الذاكرة فجأة.. وتتزاحم الجمل في ذاكرته.. وعندما يستيقظ الماضي داخله.. ويستدرجنا معه إلى دهاليز الذاكرة.. فليس أجمل من أن تلتقي ضدك في الحياة.. فذاك وحده قادر أن يجعلك تكتشف نفسك.. عندما كنت موشكاً على التسليم أنك لن تستطيع الإفلات من قبضة الذاكرة الحديدية.. والأجمل.. هو مواجهة الذاكرة بشيء مناقض لها.. والإنسان عندما يلتقي شيئاً جميلاً.. مفرطاً في الجمال.. فإنه يرغب دائماً في البكاء.. فحب الجمال.. هو الحلم.. هو حلمنا الذي كساه الحنين جنوناً.. وإذا بنا نسكنه في غفلة من الزمن.. وكأننا نسكن غرف ذاكرتنا المغلقة منذ سنين.. وننفض عنها غبار النسيان.. ونعود نحمل رايات أحلام طفولتنا الأولى.. وبداخلنا ذاك الإحساس الطفولي البريء.. بعذوبة ودفء الحياة.. وعندها.. فإننا لا نقف ولو للحظة لنتساءل.. ما إذا كانت أحلامنا زلة قدم.. أم زلة قدر..!

ونكتشف عندها.. أن الجوع إلى الحنان.. شعور مخيف وموجع.. يظل ينخر فينا من الأعماق حتى يأتي علينا بطريقة أو بأخرى.. وبما أنه لا يوجد من سيحاسبنا على ذاكرةٍ نملكها وحدنا.. فلنا ألا ننام ما دمنا نتوسد ذاكرتنا تلك.. ولنا أن نحلم بالحياة.. فذات يوم.. لن يبقى أجمل من الحياة.. سوى الحياة نفسها.. ويومها.. ستكون الحياة هي الحلم.. ذاك الحلم الأروع.. الذي أتى في تلك اللحظة الأخيرة.. تلك اللحظة التي لم نعد ننتظر فيها شيئاً.. فإذا به يقلب فينا كل شيء.. فإن الأحلام الأروع.. هي تلك التي تولد احتمالاً.. وربما.. قد تبقى كذلك.. فإننا لا يمكن أن نتصالح مع كل الأحلام التي تسكننا.. بل لا بد لنا من التضحية بحلم.. ليعيش آخر.. فما أحلام أعمارنا.. سوى أرجوحة.. يتجاذبها الممكن والمستحيل.. وإننا إن اعتبرنا الحلم وعكة صحية ومنه هربنا.. سيكون الندم.. هو الخطأ الثاني الذي نرتكبه.. عندما ندرك أننا اخترنا الحل الأسهل.. فالسقوط دائماً أسهل من الوقوف على قدمين خائفتين.. أفليس أروع من السير حتى آخر رمق.. على دربٍ احتمالٍ تراه بعين إصرارك واقعاً لا محالة.. ويقيناً قائماً لا يقبل الشك؟؟

وإننا.. في لحظة ما.. ندرك أن هناك أشخاص.. عندما نلتقيهم.. نكون قد التقينا بقدرنا.. وعندما تقرأهم.. فإن علاقتنا بهم ستتغير.. ولن نستطيع الصمود بعدها.. لأننا لا نكون مهيئين لسلاح الكلمات.. فإذا كان الحلم هو كل ما يحدث بين ذاكرتين.. فإن الأدب.. هو كل ما لم يحدث.. فهنيئاً للأدب.. فما أكبر مساحة ما لا يحدث.. وهنيئاً للحلم أيضاً.. فما أجمل ما حدث.. وما أجمل ما لم يحدث.. وما أجمل ما لن يحدث.. وإذا كان الحلم هو الجدلية الأبدية.. ما بين الممكن والمستحيل.. فما الحلم سوى المنتصر الوحيد.. في كلا الحالتين.. فهو إن غدا الممكن.. استحوذ على واقع الإنسان العذب الجميل بكل تفاصيله.. وأصبح الحياة التي يحياها الإنسان في غيبوبة من النشوى والحنين.. وإنه إن غدا المستحيل.. استأثر بقلب الإنسان وروحه ومشاعره ووجدانه.. واستحال إلى الحياة التي يلجأ لها الإنسان تمنياً وأحلاماً.. أفليس الحلم هو المنتصر.. طالما أنه امتلك حياة الإنسان في كلا نتيجتي الجدلية؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة خاصة مع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي وأسرار وكواليس لأ


.. بعد أربع سنوات.. عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بمشاركة 7




.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح


.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال




.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل