الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف بين الإنفلاش الإعلامي والإعلام الممسوك

سحر حويجة

2007 / 9 / 28
الصحافة والاعلام


في سياق التطور التاريخي للمجتمع بطبقاته ، وشرائحه المختلفة، يلعب المثقف دوراً هاماً ، في الدفاع عن مصالح هذه الشرائح والطبقات، إما بوصفهم مثقفين منضويين، تحت لواء حزب أو تيار سياسي محدد، أو على أنهم مثقفين مستقلين.
يعبر المثقف عن مصالح هذه الشرائح بكل وسائل التعبير المتوفرة ، دوره مميز في سياق صعود وهبوط هذه القوى الاجتماعية سواء كانت في السلطة أو المعارضة، يختلف دور المثقف باختلاف الأنظمة السياسية ، بين النظام الديمقراطي وبين النظام الديكتاتوري، أيضاً باختلاف درجات التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، من المفترض على المثقف أن يبقى وفق الوسائل والقيم الديمقراطية، محافظاً على استقلاليته النسبية إلى حد ما، عندما يعبر عن مصالح هذه الشريحة أو تلك ليس فقط بوصفه إعلامي مطلوباً منه الحيادية، بل حتى لو كان سياسياً ، حيث القيم الديمقراطية تنهي علاقة الأتباع والإيمان الأعمى ، والخوف من الزعيم أو الحزب، أو السلطة.
أما وفق النظام الديكتاتوري، حيث تسيطر بالقوة القوى التي تدعي أنها تملك الحقيقة المطلقة، فهي ترفض أي شكل من أشكال استقلالية المثقف الذي يعبر عن مصالحها، خاصة على المستوى السياسي، وهو ما يتم تسميته عادة المثقف الأيديولوجي بالمعنى الشمولي ، الذي يعبر عن الولاء المطلق للنظام، والتحجر الثقافي، يعود ذلك إلى تحكم النظام في البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، و عملية تحطيم المجتمع المدني. لأن الثقافة في المحصلة ، تعتبر نسيج المجتمع المدني.
أحدثت ثورة الاتصالات نقلة هامة، في آليات التعامل والتأثير بين البشرية، تأثرت وسائل الإعلام بهذا الانقلاب، ليس فقط عبر توسيع الفضاء الاعلامي الانترنيت والفضائيات، بل من حيث أهمية الإعلام كقوة مؤثرة في حياتنا، في أقلها كسر الرقابة بين الدول في نقل المعلومات والأخبار، والتقليل من أهمية الرقابة في كل دولة على حدة على وسائل الإعلام على الرغم من استمرار هذه الرقابة على أساس المكان، خاصة في الدول التي مازالت تقيد الحريات ، مازالت بعض الدول مثل سوريا تحتكر السلطة فيها وسائل الإعلام، تعكس هذه الحالة التي تبدو شاذة بالنسبة لعالمنا طبيعة النظام القائم ، قدرة النظام المستمرة على السيطرة وإخضاع البشر، من جهة أخرى تعكس موقف السلطة من التعدد، و رفض الاختلاف، وهنا سؤال يفرض نفسه كيف يبدو دور المثقف في هذه الحالة؟ أثارت لدي هذه التساؤلات مقالة الدكتور فيصل القاسم تحت عنوان الانفلاش الإعلامي تحرر أم طيش، يعالج فيها ظاهرة المعلقين والمحللين السياسيين التي انتشرت كالفطر أو على حد تعبيره كالفئران في الفضائيات العربية، يخص بالذكر المحللين في النقاط الساخنة في كل من العراق ولبنان وفلسطين، ويشير كذلك إلى مصر، ويصف دورهم بالانفلاشي وتسائل إن لعب هؤلاء الإعلاميون دوراً في خدمة قضايا بلادهم أم على العكس، ويقارن حالة الانفلاش هذه مع سياسة المنع والصمت التي يتبعها النظام في سوريا ويخلص في النتيجة أن "لا استعراض في السياسة، فالعمل السياسي الحقيقي يشتغل على آليات بعيدة من الإعلام والتصريحات والانكشافات على أنها هي الأجدى، والأكثر فعالية ، في النهاية قدم الكاتب نصيحة لهؤلاء الساسة العرب محللين ومعلقين وزعماء على أن خيراً لهم ، تقليص انفلاشهم الإعلامي.
علينا قراءة ظاهرة الإعلاميين والمعلقين والمحللين كما تجري في الفضاء الإعلامي العربي مع الأخذ بالاعتبار القضايا التالية:
أولاً : علينا التفريق، بين المحلل السياسي و بين رجل السياسة ، ووضع التخوم بينهما: على المحلل السياسي عادة، أن يلتزم العقلانية و الموضوعية ما أمكن في تناول الأحداث، وتحليلها، بشكل مستقل عن المصالح التعبوية ، التي تخدم هذا الرأي السياسي أو ذاك، وإن كان التحليل في المحصلة يخدم رؤية أيديولوجية أو فكرية معينة. أما رجل السياسة الذي يلتزم في تيار سياسي محدد أيديولوجياً، فهو يسعى دائماً وبشكل مستمر إلى التعبئة ودعم رؤيته على حساب الكثير من الحقائق، من ناحية أخرى السياسي عادة يستخدم الرؤى التي خرج بها المحلل ويوظفها في خدمته، أو يعمل على هديها، وهذا أمر طبيعي، في كل مكان يحصل أن يكون هناك شبكة من المستشارين السياسيين والمحللين ومراكز الأبحاث يعود لها الحزب أو الزعيم السياسي ، هذا لا يعني أن لا يكون الزعيم السياسي محللاً سياسياً، لكن في كل الحالات المصالح والرؤية الخاصة سوف تطغى على ماعداها، مع ما تحمله من رغبات وعواطف لشحن من يتابعه، بهدف الاستقطاب و التعبئة ، على الأغلب يتم استخدام أسلوب التحريض ومخاطبة العواطف، في محاولة الدفاع عن الموقف، حتى لو استخدام الكذب والابتعاد عن الحقيقة.
ثانياً : نمط الأحزاب السياسية المنتشرة على امتداد الساحة العربية: أحزاب ذات طابع طائفي أقلوي ، تترك سماتها على نوعية الخطاب الذي يخرج من أفواه المعلقين والسياسيين والمحللين التابعين لهم ، خطاب يتوجه إلى العاطفة وليس إلى العقل، يحدد نوعية الفكر السائد والأزمة القائمة في الساحة السياسية العربية.
في متابعة الفضائيات العربية نجد إنها تركز في تغطية الأحداث، على تصريحات الزعماء السياسيين أو المتحدثين باسمهم مباشرة، لذلك تساهم مساهمة كبيرة في التعبئة الطائفية والتحريض ، وهي قليلاً ما تركز على محللين سياسيين أكادميين، أو مفكرين مستقلين نسبياً عن هذه القوى ، هذا الرأي موجه بشكل أساسي للفضائيات التي تدعي، الحيادية، والاستقلال عن حزب ما أو سلطة، خاصة إذا علمنا أنه في لبنان والعراق، كل زعيم حزب يملك قناته الفضائية الخاصة به، لذلك على الفضائيات الأخرى أن تكتفي بإيراد تصريح يصدر عن زعيم أو حزب، دون التوجه مباشرة له، أو لخصمه بل التوجه لأطراف حيادية.
في الواقع الإعلامي العربي، نجد إن الزعماء السياسيين يستغلون كل المنابر المتاحة لهم، في الظروف الخاصة و الساخنة التي تعيشها بلدانهم ، على أمل التأثير والتعبئة لأتباعهم، وعلى أساس مواجهة الخصم بسبب التوتر في ساحات الصراع الدائرة بين القوى المختلفة تصل حد العنف . لكن الوضع سوف يختلف، في حالات الاستقرار.
تزايدت أهمية وسائل الإعلام في المرحلة الراهنة، بسبب السرعة وقلة التكلفة التي يتم بها تقديم المعلومة، حيث المواطن العربي يقضي اغلب وقته أمام الفضائيات يتابع من خلالها الأحداث، يتم ذلك على حساب العلاقات الشخصية المباشرة خاصة في ظروف العمل العلني، لابد هنا من التنويه إلى هذا الجانب الإيجابي للإعلام في تقليل دور وأهمية، الروابط الشخصية في العمل السياسي، مما يساهم في استقلال الرأي والاختيار ، أحد الأمراض العضوية المزمنة التي تعاني منها الأحزاب العربية، التي تقوم بمعظمها على العلاقات والولاءات الشخصية، مع التأثير المحدود لهذا العامل الإعلامي ، في ظل العلاقات الطائفية العشائرية التي تتشكل الأحزاب على أساسها .
هناك ظاهرة مقيتة تعاني منها الساحة العربية، وهي تفريخ الأحزاب التي تقوم على أرضية واحدة، أعداد كبيرة من الأحزاب التي تتبع المنهج الليبرالي، وأحزاب أكثر تتبع المنهج الديني، وأحزاب متعددة للقوميين، أو للشيوعيين، دون وجود مبرر لهذا التعدد، إلا من أجل الزعامة ، ناهيك عن الانقسامات الطائفية والقبلية والعشائرية، التي تولد أحزابها الخاصة المتطرفة. وبالتالي لكل من هذه الأحزاب زعمائها، والمتحدثين باسمها ، ومنظرين لها، أتباع ومستفيدين، هذه المشاكل وكثير غيرها تعاني منها الساحة العربية، لذلك المعاناة ليست من الانفلاش والحرية، بقدر ما هي أمراض الساسة العرب وأمراض السياسة العربية، هنا تكمن المشكلة الحقيقية، وتقف حائلاً أمام تقدم البلدان العربية، بل إن ما نشاهده ونعيشه من صراعات تدفع إلى التقهقر.
أما الحالة السورية ، حيث ورد في المقالة قلة المتحدثين الإعلاميين، مرد ذلك يعود على إن الاعلام الممسوك يسير في اتجاه واحد لا يولد الحاجة لكثرة المتحدثين والمعلقين بل للصفوة المختارة الأكثر موثوقية حتى أنه غير مسموح لأحد بمنافستهم من الصف الواحد، في ظل غياب الاعلام المستقل، وفي ظل ضعف المعارضة وعدم قدرتها الوصول إلى وسائل الاعلام بسبب تضييق الخناق عليها، ومحاسبتها، إضافة إلى عدم وجود حراك سياسي داخلي و صراع بين القوى السياسية المختلفة، ولكن نحمد ونشكر ، إن الاعلام العربي من العراق، إلى لبنان وفلسطين، يتحدثون ويحللون الأوضاع في سوريا والدور السوري على المستوى الاقليمي، سواءً كان مديحاً ، أو شتماً.
إن السياسة الإعلامية في سوريا ليست عملية واعية . ولا عقلانية، في خدمة قضايا المجتمع السوري، بل الحقيقة هي أنها ، عندما يتحكم مجموعة من الأفراد في القرار السياسي، وعندما يلعب قادة الأمن دوراً مفصلياً ومقرراً في الحياة السياسية، حيث يلغى دور الحزب حتى لو كان قائداً ممثلاً السلطة، وبالتالي لا أهمية للمثقف والسياسي صاحب الرأي ، بل يتم الخشية منه، في هذه الأوضاع لا يستطيع المثقف حتى لو كان مثقف سلطة من التعبير عن مواقف النظام لأن أي خطأ أو هفوة تكلفه غالياً قد تنقله إلى الموقع الآخر. نجد إن دور مثقف السلطة دائماً دوراً مأذوناً به ومرسوماً، لا نجد منافسة بين مثقفي السلطة، لأن من يتم اختياره للتعبير والدفاع عن النظام، هم الموثوق بهم المرضى عنهم ، المقربين من النظام، على المستوى الشخصي. نخلص إلى أن هوامش الحرية ضرورية حتى للمثقفين المقربين والمعبرين عن النظام.
سحر حويجة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24