الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرائق الوطن الغائبة عن محاورة الشعراء

توفيق التميمي
كاتب وباحث في شؤون التاريخ والذاكرة العراقية

(Tawfiktemimy)

2007 / 9 / 28
الادب والفن


نشرت كيكا على موقعها قبل أيام حواراً للشاعر سعدي‮ ‬يوسف أجراه معه الشاعر صلاح عواد، وكلاهما شاعران عراقيان احترفا الغربة مبكراً‮......‬ غادرا بلادهما مجبرين منذ أول جرس أذن بحفلات الرعب البعثية، ومنذ ذلك الحين وهما يجوبان مدناً سعيدة وجزراً ساحرة، يكتبان الشعر بحروف مخمليّة وهذا من حقّهما لأنهما لم يتركا البلاد فحسب، بل فارقا أيضاً تاريخاً من الأوجاع والحروب وتناسل الزنازين أوبئة القبور المجهولة المسورة لخارطة البلاد، حتى لم يعد الوطن إلا سطراً منسياً في دواوين الشعراء الذين ابتعدوا عنه طويلاً، كما لم تُجدِ نفعاً شهادات قوافل الفارين من الأصدقاء في تأجيج وهج القصيدة الأولى ومراثي القتلى، وحكايات الهور وقتلاها أو تعيد الطيور الى أقفاصها في ساحة التحرير.
ابتعد الشاعران عن وطنهما كثيراً فتحوّلت سنوات الغربة والبعاد الى عجلة قاهرة، تهرس كل الأوجاع القديمة والضغوطات القاهرة التي أبعدتهما عن البلاد.
والخيبة كل الخيبة حينما يتحاور الشاعران على ضفاف جزيرة (نانتييكيت) النائيـة، فلا يـجـدان في حوار طويـل إلا «ملفيل» وروايتـه الخــالدة الـ«موبي ديك»، مدخلاً الى حوارهما الذي سيمضي كثيراً من دون أن يلتفت الشاعران المتحاوران الى بلادهما المحترقة ونزفها اليومي الذي غدا خبراً متكرراً في وكالات الأنباء يزوره قراصنة الأعلام كيفما شاؤوا وشاءت مؤسّساتهم.
لم تكشف المحاورة عن عقوق الشعراء بأوطانهم فحسب، بل كشفت عن حجم الخيبة لجيل كامل من القرّاء كانوا يتعقّبون أحلامهم، في قصائد لشعراء كانوا أول الفارين من جحيمه نحو بهجة المدن السعيدة، والضفاف الساحرة لجزر أسطورية لن تبلغها مخيّلات المواطنين البسطاء، الذي يتركون وصاياهم الأخيرة وهم يذهبون الى احتمالات حتفهم أو اختطافهم أو تبعثرهم أشلاء في أسطوانة مكرّرة من العنف اليومي.
ولهذا لا بد من التطلّع ونحن نتقمّص الشعور بالخيبة من محاورة شاعرين غابت سطور الوطن عن محاورتهما، الى جيل جديد من الشعراء يولد بين أنقاض شارع المتنبي وحرائقه ومن أشلاء العمّال في ساحة التحرير، ومن أنين ما تبقى من ميراث القتلى من الأرامل واليتامى.
إذاً، يمكن أن نكون على موعد مع عودة زمن الملحمة الشعرية بمواهب موعودة، تنبثق من بين أزقّة مدننا التي يغتصبها وحوش الكهوف المظلمة كل يوم وكل ساعة، ولكن يحدث كل ذلك الخراب وشعراؤنا البعيدون لا يرف لهم جفن لحرائق هذه البلاد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟