الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهاشمي يزور السيستاني!!

حمزة الجواهري

2007 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


2007-09-30
لعل من أغرب التحركات التي رافقت طرحه لوثيقة "العقد الوطني العراقي" هي زيارته إلى مدينة النجف ليكون ضيفا هو الآخر على السيد علي السيستاني! لأن لا يوجد من يصدق أنه ذهب طالبا للمشورة، ومن غير المتوقع أن يطلب الدعم من أعلى مرجع للشيعة في العراق وهو الطائفي للنخاع، ومن غير المعقول أنه يزهد بالدعم الذي تقدمه له دول الجوار الإقليمي العربي والجامعة العربية، ولا يعتقد أحد أنها مجرد زيارة لاختصار الطريق من أجل الحصول على الموافقة التلقائية لأحزاب الإسلام السياسي الشيعي على مشروعه الوطني، لأنها أصلا كانت قد طرحت ذات الرؤى في أكثر من وثيقة أو عهد، ولا أراه أيضا نوعا من الاعتراف الضمني بفضل السيستاني على أنه رجل كان محايد إلى أبعد حدود الحياد وعمل كصمام أمان للجم العنف الطائفي في العراق، فالهاشمي يعرف تماما أن هذا الرجل لا يسمح له موقعه الديني أن يكون محرضا على العنف الطائفي ولا أي نوع آخر من العنف، لأن الهاشمي رجل سياسة ويعرف تماما ماذا يريد، سواء اتفقنا معه أم اختلفنا، ويستطيع قراءة المواقف بشكل صحيح رغم أنه يضعها في الإطار الذي يعجبه ويخدم مشروعه السياسي، لذا تبدوا في العموم الغالب وكأنها سوء فهم أو تقدير، وهي بالفعل كذلك، لكنه سوء فهم متعمد، لأن لو نظرنا لها كما هي وبشكلها الصحيح، فإنه سيقع في تناقض مع مشروعه وخطابه السياسي، خصوصا وأن الخصوم السياسيين من أقطاب الإسلام السياسي على الضفة الأخرى للوطن لا يقلون دهاءً ولا خبثا عنه، لذا فهو وهم أيضا، مازالوا يحملون رايات التمترس الطائفي رغم حملهم رايات المصالحة التي وزعها عليهم البيت الأبيض، والتي بدت إلى وقت قريب وكأنها تمثيلية هزلية القصد منها ذر الرماد في العيون، لكن تبين أنها ذات فعل كما السحر في أرجاء الخارطة السياسية العراقية.
لم يبقى أمام المراقب لقراءة أسباب زيارة الهاشمي إلى النجف سوى واحد من إثنين، إما أنه قد وصل إلى نهاية مشروعه السياسي بتحقيق أكبر قدر منه ولا يمكن تحقيق أكثر مما حصل عليه لحد الآن، أو أنه يعد العدة لجولة جديدة لاختراق تحصينات الضفة الأخرى من الوطن من خلال هذه الثغرة الواسعة التي تفتقر إلى التحصينات الطائفية كنوع من الهجوم الذكي، لأن السيستاني لا يسمح لنفسه أن يكون طائفيا بأي حال، كونه لا يحمل مشروعا سياسيا.
لابد من الانتباه هنا إلى التزامن بين مشروع الهاشمي والمشروع الذي تقدم به السيناتور الديمقراطي جو بايدن، لأن من السذاجة اعتبار هذا التزامن مجرد صدفة، وذلك لوجود الترابط الموضوعي بين المشروعين، حيث أن مشروع بايدن الذي نال الثقة على اعتباره قرار غير ملزم للإدراة الأمريكية، يقترح تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم تفضي بالنتيجة إلى ثلاثة دول في حال لم يضع هذا التقسيم الفدرالي نهاية للعنف الطائفي في العراق، فهو، بهذا المعنى، مشروع أبعد بكثير من مشروع إقامة الفدراليات التي أقرها الدستور العراقي، وهو يصب بمصلحة الأطراف الداعية إلى فدرالية الجنوب في الوقت الحالي، والتي تثير الذعر لدى الكثير من العراقيين، سنة وشيعة، وعلى رأسهم الحزب الإسلامي وكتلة التوافق التي رأسها الهاشمي في البرلمان، الأكثر من هذا فإنه يذهب بمشروع فدرالية الجنوب بعيدا جدا إلى حد الفصل التام بين الفدراليات الثلاثة كنوع من "التقسيم الناعم" Soft partition كما أسماه بايدن، ولو عدنا إلى طبيعة انتماء الفئات التي تدفع نحو الفدرالية في الجنوب، نستطيع بلا عناء معرفة السبب وراء الخوف من هذه الفدرالية، فما بالك أنها تنتهي بتقسيم العراق بعد سحب القوات الأمريكية؟ فالخوف هنا سيكون مضاعفا، مرة أنه جاء برغبة أمريكية بدأت أولى حلقاتها بالفعل بسحب تدريجي للقوات من العراق، ومرة أخرى من التدخل الإيراني الأكيد لدعم هذه الفدرالية، أو الدولة فيما بعد.
كما يعرف الجميع أن فدرالية الجنوب كانت ومازالت هي اللافتة الأكبر التي تخيف الحزب الإسلامي والعراقيين في المنطقة الغربية من العراق، بل وحتى العراقيين في باقي المناطق، لذا حين أصبحت كمشروع غير ملزم للإدارة الأمريكية، فإن هذا يعني أن بايدن، نيابة عن أمريكا، قد رفع جانب من اللافتة التي تطالب بالفدرالية المخيفة ورفعت المليشيات الشيعية الجانب الثاني منها نيابة عن إيران، لأن في النهاية سيكون المستفيد الأكبر منها هو إيران ومليشياتها في الجنوب العراقي، أما لو أردنا حساب الخاسرين، فهم كثر.
إن ما تقدم، أي بتحقيق فدرالية الجنوب، فإن ذلك يعني أن المشروع الذي حمله الهاشمي طيلة السنوات الماضية سيخسر جميع المكاسب التي حققها إلى هذه اللحظة، لأن معظم المكاسب كانت على حساب أبناء الجنوب، لذا فإن التراجع عن التكتيكات التي يستعملوها أمر فيه الكثير من الحكمة، وربما الدهاء، لأن التمادي بها يعني خسارة كل شيء، لكن مع ذلك، لا أعتقد أن التخلي عن التكتيك يعني التخلي عن المشروع.
هكذا يمكن الاستنتاج أن الورقة التصالحية التي حملها الهاشمي تضع نهاية لأنواع التكتيك المتبع حاليا المتمثلة بالتباكي على مصالح السنة وتهميشهم في العملية السياسية والقوات المسلحة، وبالتالي حصد المكاسب كنتيجة للضغوط الأمريكية على الأطراف الأخرى في العملية السياسية، لكن علينا أن لا نتوقع أنه بانتهاء هذا النمط من التكتيك سوف تنتهي تلك المهازل التي نسمعها كل ساعة على لسانهم ولسان السيناتورات الأمريكان وحتى الكناسين في البيت الأبيض والكونغرس، بل سوف تفتح المجال على أشكال جديدة من المناورة، ولكن السؤال الواجب طرحه هنا:
هل لهذه التكتيكات الجديدة من علاقة مع السيستاني، تلك المساحة الواسعة الغير محصنة من الضفة الأخرى للوطن؟
بعد قراءة الوثيقة التي تقدم بها الهاشمي نجده قد تراجع عن رأيه عن دعوة "عفا الله عما سلف" بشكلها القديم، فهو اليوم يعتبرها دعوة مشروطة بإلقاء السلاح كشرط مسبق للعفو!! وهذا الموقف غير مسبوق، ولم يطالب بوثيقته الجديدة بحل القوات المسلحة وإعادة تشكيل الجيش القديم! وكذلك الموقف من المقاومة، رغم عدم وضوحه في الوثيقة، كونه يعتبره حقا مشروعا للشعوب، وهذا أمر طبيعي جدا، لكن حين نستمر بقراءة الفقرة، نجده يعترف لأول مرة "أن الإرهاب لا يعد مقاومة"! وهنا ينبغي التوقف، عند هذه العبارة التي تعتبر غير واضحة، لأنها جاءت في وثيقة كتبها الهاشمي، الرجل الذي طالما اعتبر العمليات الإرهابية في العراق حاليا على أنها أشكال من المقاومة ولم يعتبرها إرهابا يوما ما، فهل نفهم من هذا أنه يريد لباقي الأطراف السياسية الاعتراف بالمقاومة المزعومة كما اعتاد على وصفها؟ أم أنه يقصد بالإرهاب كما يفهمه باقي الأطراف المستهدفة من عمليات هذه المقاومة المزعومة؟
بغض النظر عن هذه النقطة، أقصد مسألة المقاومة، لا يجد القارئ في الوثيقة شيء يختلف عما يطرحه الدستور أو عما تطرحه باقي الأحزاب، وهنا ينبغي الوقوف مرة أخرى لطرح بعض الأسئلة، لماذا إذا كان الحزب الإسلامي يطالب بإلغاء الدستور والعودة بالعملية السياسية إلى المربع الأول؟! وكما نعرف أيضا عن الحزب الإسلامي، وكأي حزب إسلامي آخر، شيعي أم سني، فهم جميعا لا يعترفون بالعديد من فقرات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا بفصل الدين عن الدولة، ولا بالنظام التعددي الفدرالي، وإن جميع هذه الأحزاب مازالت تؤمن بأن أصوات الناخبين تأتي من خلال البندقية فقط.
فهل سنرى في المستقبل القريب حزبا إسلاميا، أو أحزابا إسلامية، على غرار الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوربا مثلا!؟ أحزاب تؤمن بالشريك! وتقيم للإنسان وزنا! وتؤمن بالديمقراطية وتداول السلطة! ولا ترفع البندقية بوجه الخصوم السياسيين! وتفصل بين الدين والدولة! هكذا فجأة وبدون مقدمات موضوعية! ولا نضوج موضوعي من خلال عملية تاريخية قد تحتاج لعدة عقود من الزمن؟!
مجنون من يصدق ذلك.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م