الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى التاسعة و السبعون لميلاد الحزب الشيوعي الللبناني

جان الشيخ

2003 / 10 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



في الرابع و العشرين من تشرين أول (۱٩۲٤), نبتت في أعماق ضمير هذه الأرض سنديانة, أعتلت وجدان النضال, و خرجت من تحت مطارق  أياد عمالية , هددوا الأستغلال في تحدي الموت, و اخضرّّت عنفوانا" من مناجل فلاحين عشقوا شمس الحرية في حقول الشرف, و ثاروا على رجس الاقطاع و أحفاده,
 و من نخبة من المثقفين والجامعيين، و أصحاب مهن حرة وكتاباً وصحافيين، من الذين سبق ونشطوا كتابة وخطابة في الترويج لافكار مستمدة من شعارات الثورة الفرنسية في الحرية والعدالة والاخاء، ومما تمكنوا من الاطلاع عليه في كتابات ماركس وأنجلس وغيرهم، ومتأثرين بوهج الثورة الروسية، ثورة تشرين أول (أوكتوبر) وانجازاتها الأولى بقيادة لينين.
 وكان هؤلاء المثقفون قد تتلمذوا على كتابات مفكري النهضة العربية المشرقية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. فمن الحدث الى طرابلس, ومن عكار الى الجنوب, من البقاع الى بيروت. و على امتداد هذا الساحل الشرقي للمتوسط , وصولا" الى عمق بلاد الشام, التي كانت تئنّ تحت رجس الاستعمار تلو الاستعمار.
تمددت جذور هذه السنديانة في نسيج هذا الوطن و كانت ولادتها طبيعية جدأ", حيث نشأت دون أي تدخلّ خارجي مباشر، بل بعملية تطور داخلية هادئة وطويلة نسبياً، تلبية لطموحات عناصر متقدمة الوعي من العمال والمثقفين وعلى قاعدة نضوج ظروف موضوعية لحصول هكذا حدث.
حيث سقاها على مدى السنين مزيج من العرق و الدم, لرفاق سقطوا لتنمو و تعلو, و غابوا في الأرض ليكونوا الجذور و الحياة, في عمر الشعوب الأبية. فتلوّنت بالأحمر , و أبت أن تزول و تشيخ, و صمدت أمام الكثير من محاولات الصبغ و الانحلال و التقسيم, القريبة و البعيدة, فقاومت العاصفة تلو العاصفة و الاعصار تلو الاعصار, و بقيت مع قلة من رفيقاتها خضراء يانعة في صحراء هذا العالم المتوحش القذر المتعولم.
 هو أول من نادى في لبنان بتحديد ساعات العمل، بثمانية ساعات في اليوم. كان الشعار الذي أطلقه وناضل من اجل أنجازه : ثمان ساعات عمل، ثمان ساعات تعلّم وتنزه، وثمان ساعات نوم.

* اطلق هذا الشعار، الى جانب شعارات اجتماعية اخرى، في مهرجان كبير في الأول من ايار 1925، في قلب بيروت، وقد توقف العمال، في ذلك اليوم، عن العمل لأول مرة في لبنان، بدعوة من الحزب.
تعلم تحت هذه السنديانة الحمراء الكثير من أبناء الشعب, مناضلين من مختلف الطوائف اللبنانية ومن الأقليات, من أبناء العمال و الفلاحين, في كل المناطق والمدن اللبنانية. فعشقوا العلم و الحرية سبيلا" و فكرا", فكانوا نور هذه الأمة, و عنفوانها الممتد و الممتزج في عروق الشعوب و يسري في دماء نضالاتها و كفاحها الأممي, من كوبا الى فيتنام, و من تشيلي الى اسبانيا, و من الشرق الى الغرب, كانت ظلال هذه السنديانة مشمسة على ربوع الكون أجمع.
فبالرغم عن البك و الباشا و السيد و رجال الدين و الدنيا, و أولادهم و أحفادهم, تعلم الشيوعيون تحت سنديانتهم العظيمة, و كسروا احتكار العلم, فكانوا معلمين صالحين في العلم و الاجتماع, كما كانوا الأوائل في تأسيس النقابات, و أربابها, بينما كانت الأحزاب اجمع ملتهية بنتف لحى بعضها البعض في حروب طائفية لا تنتهي. فهدوا الطبقة العاملة الى مصلحتها و حقوقها المسلوبة.
من يقرأ مقالات فرج لله الحلو في الثلاثينات و الاربعينات, عن الاستعمار و الحكومات, السلطة و السلطات, العروبة و الوطنية, الصهيونية و المقاومة....
يقول فرج لله الحلو:( ان قضية الحرية ليست قضية حزب او هيئة او كتلة بل هي قضية الشعب اللبناني كله، قضية الاستقلال والسيادة والتقدم في الحاضر والمستقبل .... كما نريد ان يكون هذا الساحل العربي منبت حركة وطنية اكثر وعياً واسلم محتوى , و تحتل مكاناً في الطليعة بين الحركات الوطنية في الاقطار العربية الشقيقة).
فأين الحرية اليوم؟؟؟ و أين الحركات الوطنية؟؟؟ و ماذا تغيير؟؟
من يقرأ مقالات مهدي عامل, و حسين مروة و غيرهم من الرفاق في السنوات اللاحقة, عن حركة  أو حركات التحرر في العالم العربي و تأثير الفكر القومي و البرجوازي على ايديولوجيتها, في الاحتلال و المقاومة و العمالاء المقنعّين الذين ينتحلون و يلتحون الوطنية...  قبل الحرب الاهلية في لبنان و في عزّها...
يقول مهدي عامل:( منطق التاريخ ان يأتمر التاريخ بمنطق الكفاح ضد الغزاة في لبنان، وضد الطغاة من المحيط الى الخليج. وما سار التاريخ يوماً الا بحسب منطق الصراع ضدهم. يخططون، وتنقلب عليهم خططهم).
ماذا حصل اليوم؟ من احتلال الى احتلالات, و العدو واحد.
أين نحن اليوم؟؟ تسألوني ربما و تسألون أنفسكم؟
بالتأكيد الذنب ليس على الشيوعيين وحدهم, و بالرغم ان الجميع للأسف  (و حتى بعض الرفاق المرتدّين أيضا") يريدون تصوير ذلك و القاء اللوم علينا, و كأن كل ما وصل اليه لبنان و العالم العربي هو بسبب الشيوعييين!!! يا للعجب!!
بالرغم ان الشيوعيين لم يصلوا يوما" الى حكم أي دولة في العالم العربي, لا بالعكس تمت ملاحقتهم و قتلهم و سجنهم, بدل ملاحقة الصهاينة و الامريكان. من قبل تلك الانظمة المدعية لصفات التحرر و الوطنية و محاربة العدو و الاشتراكية, و كأن العدو كان الشيوعيين و حدهم!  يا للعمى النضالي هذا فعلا"!  و يأتيك الأن من يطبّل للأسلام السياسي و أنجازاته, كونه البديل و السبيل الوحيد لمشاكل هذا الشعب و هذه الامة. و خاصة بعد سقوط المجموعة الاشتراكية, و ما أل اليه العالم بأكمله, فينظرون الى الخلف ليحددوا السبب في سقوط الشيوعية و نتائجها, و لا يرون ان السبب هو في تحول العالم و بمساعدتهم بالتأكيد , الى تحت سيطرة الشيطان الاكبر, و الان يريدون محاربته, كوننا نحن فشلنا أو لا نستطيع الان. و تلك هي الاصولية و الرجعية في التحليل السياسي للأسف الشديد.
 فها ان السحر يحارب الساحر, و ها ان الرأسمالية تحارب الرأسمالية. و ها ان الارهاب يحارب الارهاب, و ها ان العنصرية تحارب العنصرية,  و ها ان الدين يحارب الدين.....
 و الضحية هي هي, دائما" الشعوب الفقيرة و الطبقات المسحوقة...
الشيوعية اليوم, ( الثورية طبعا" و ليس المتخاذلة و المراجعة للحسابات و المترددة),  حاجة للمجتمع و درب الشعوب الى الحرية و التحرر, كما كانت دوما" , النقيض الحقيقي و الفعلي لهذا القطب الواحد المتوحش في حروبه و رأسماليته و ارهابه المتعدد الاشكال.
 و في لبنان ايضا" , السنديانة الحمراء ما زالت صامدة, بالرغم من كل شيء , كل شيء, في وجه الداخل و الخارج, تعرّت من و رقها الاصفر الذابل المتراجع و  المعارض و المنشق و المقاطع والمراجع لحساباته الفكرية و النظرية و الانتخابية و الحزبية و غيرها, في خريف الايام, فسقطوا مع اول هبة ريح, بعدما كانوا يرفرفون في قممها العالية. فلم نجدهم وقت اللزوم و في الازمات و العواصف الا في الطرف الاخر و النقيض لنا.
 يا رفاقي السنديانة الحمراء تحيى  من جذورها , و ليس من ورقها الاصفر الميت, الذليل,  يرويها الدم و العرق و النضال و الروح الشبابي اليانع الثوري اللا متهوّر, و ليس النكاح السياسي العقيم بين القيادات و المحاسيب.
 فكما استشهد فرجالله الحلو و مهدي عامل و حسين مروة و غيرهم الكثير,  في سبيل الحزب و دفاعا" عنه, كما أي رفيق اخر في الحزب, لتعلو و تحيا السنديانة الحمراء , فيا ليت اليوم من يعتلي المراكز و القيادات, الموالية و المعارضة, يتعلم الدرس و يقتدي بهم لينقذ الحزب كما يدعي, و لكن ليس هم لا فرجالله الحلو ولا أمثاله من الشيوعيين الابطال و الشرفاء, الذين برهنوا عن انتمائهم بالشهادة و التضحية, فأين هم الان من أقل اشكال التضحية؟؟؟؟
 و هي الحفاظ على وحدة الحزب و انتمائه و امميته و ثوريته و تاريخه.... فاجدى بهم أن يفعلوا شيئا" كي ينفوا أو يسجنوا أو يلاحقوا أو يتظاهروا أو يتمردوا أو يعترضوا, أو ربما يقتلوا أو يغتالوا أو يستشهدوا.... فلا جلد لهم سوى الكلام و التثاؤب, و قلة الفعل و الحركة, و الخلافات ....
و الان يصادف العيد التاسع و السبعون لشيخ الاحزاب اللبنانية مع موعد المؤتمر التاسع, و الجميع متمترس في خندقه حذر من رفيقه قبل عدوه, يا للاسف!
يدعون للمصالحات الوطنية بين الطوائف ز زعمائها مكرسين الامر الواقع الذي فشلوا في دكه و تدميره, مقرين بالخطأ و الخطيئة, و يرفضون مصالحة بعضهم البعض!!! مبتكرين الكثير من الحجج الفلسفية الفارغة سياسيا" و ماديا" التي سئمنا منها ومن دورانها حول أعناقنا كالمشانق, تحت ثمن و شرط عدم انقسام الحزب, فيا للهرطقة و السمسرة على الحزب و خطه الذي نرفض ان ينحلّّ اصفرارا" كوجوههم المريضة الكسيحة, التي تركض لاهثة وراء المال و الألقاب و مقاعد الباكاوات و أمراء الدواوين. يريدون لنا نحن الشباب ان نغلق الملفات و ان ننسى الماضي و خلافات الحرب الاهلية في لبنان, و ان نحلّّ هذه المعضلة... وأقول لهم أن كنتم تعبتم ففارقونا .
فكيف لنا ان نغسل دمنا من خبز اعدائنا؟ و كيف لنا كشيوعيين أن نجامل الامر الواقع على اجسادنا؟ و أن نبرر و نعايش و نتزاوج الطائفية السياسية؟
نحن لا ندعو الى العزلة أو التفرد, بل ندعو ان تكون المصالحة الحزبية نابعة من القاعدة الحزبية التي هي غير مختلفة الا عليهم,  و ندعو ان تكون المصالحة الوطنية نابعة من الفئات الشعبية مباشرة و ليس من ارباب الطوائف و الاحزاب العشائرية و ممثليها.
وعلينا ان نغسل دمنا من عرس خلافاتهم, و ندعو الى بديل ديمقراطي شعبي حرّ, يكون الحل الفعلي لمعضلة و ازمة هذا النظام المهترئ العاهر المنبطح المستزلم, في حكوماته و احزابه المعارضة و الموالية المتسابقة على الكراسي في اسطبلات البرلمانات, و الناهبة للقمة الشعب و حقوقه بالحياة الكريمة.
كلما ذكروا لي الخطوط الحمراء طار صوابي, أنا أعرف خطا أحمر واحدا، أنه ليس من حق أكبر رفيق قيادي, ان يفاوض على نضال شعب و حزب باكمله ابدا" و مهما كانت الظروف صعبة و قاهرة, فهي قاهرة على الجميع, و اننا في ازمة خانقة, و نحن نعلم  او تعلمنا, ان القهر هو مفتاح النضال و الكفاح, و ان الازمة هي طريق ولادة الحل القيصرية الشاقة.
لقد تعلمنا من اسطورة كوبا و فيتنام و بيروت, و لا أظن ان الوضع الداخلي تغيير كثيرا" في بعض جوانبه, و لا حتى الوضع الاقليمي و الدولي, لا بل يستدعي منا الأن الكفاح و النضال الاكبر و بكل الوسائل المتاحة و الممكنة.

 و كما قال الرفيق حسين مروة في احلك الظروف متفائلا":( ربما لسنا أقوى من امريكا, و لكننا لسننا اضعف من فيتنام). و من رحم الخسارة و الهزيمة ولدت المقاومة الوطنية اللبنانية, و انتصرت وستنتصر, بنهجها في كل مكان.
 فروح التفاؤل هذه تغلب على نبض التشاؤم التاريخي المحتضر في كهوف الذلّ و الرجعية و الاستسلام.
فمن نبذ التجربة السوفياتية و رثاها و جلدها بعد ان عاش من خيرها و حمايتها,  و يدعي اليوم التجدد و التغيير, ليس فقط باسم الحزب و فكره و أيديولوجيته و مؤسساته, بل بكل شيء و اعني كل شيء....
 هو من سقط و هوى متى سقطت التجربة, كما الورق الاصفر, كما ذكرت سابقا", اما نحن اقدامنا في عمق الارض صامدة كفكرنا, و نستمد عزمنا من سنديانتنا و جذورها التي هي أقوى من الموت و أعلى من أعواد المشانق, و طريقنا هو طريق معلمينا الحقيقيين, هؤلاء من استشهدوا و ضحوا لتبقى السنديانة و تستمر القضية, فنحيا و ننتصر.
و شيخ الأحزاب اللبنانية يزداد شبابا" مع كل عيد و في كل مؤتمر,  و الثورة طريق النصر الحتمي.
 
المجد لشهداء الحزب الشيوعي اللبناني
و مع كل عيد نجدد العهد بأن تبقى السنديانة حمراء
 و نردد الصرخة"...فنحن عرب والعروبة قضيتنا
ونحن لبنانيون ولبنان هدفنا
ونحن احرار والحرية طريقنا
وترتفع الصرخة مدوية
اننا شـيـوعـيـون"

د. جان الشيخ
ايطاليا

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت