الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نزاع بين مملكتي بريطانيا والمغرب ... حول الشُقرة

محمد المدلاوي المنبهي

2007 / 10 / 2
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


على سبيـــل التمهيـــد:
في مستهل السنة الجامعية للسنة الماضية، التي تميزت في فرنسا بالشغب المدمـّر لشبيبة الضواحي التي تغلب عليها الهجرة الإفريقية بما فيها من عنصر مغاربي، مرت سارة، وهي مغربية وافدة على فرنسا من المغرب، وحديثة العهد بالجامعة الفرنسية، بتجربة كانت قاسية بالنسبة أليها. فقد كان هناك فرض تقتضي طبيعة مادتُه أن يـُنجزه الطلاب في إطار مجموعات عمل؛ وبما أن الفتاة المغربية السمراء اللون، ذات الشعر الأسود، والطارئة على الفوج، كانت تتميز من الناحية الفراسية بما يربطها في أذهان زملائها الطلبة، وكلهم فرنسيون (وليس من بينهم إلا فتاة أخرى واحدة)، بشبيبة الضواحي (La jeunesse des banlieues) وبما يرتبط بتلك الشبيبة في أذهان أولئك الزملاء من عدوانية وتدمير وانطواء طائفي هوياتي يهدد أسس الجمهورية في نظرهم وفي نظر أوساط ذويهم في سنة مقبل الانتخابات الرئاسية، فقد انتصب جدار سيكولوجي بينهم وبين الطالبة المغربية إلى درجة أن رفض الجميع قبول العمل معها لإنجاز الفرض المذكور، وذلك رغم كل المحاولات الديبلوماسية للأساذ.

كظمت سارة، كما شرحت ذلك فيما بعد، شعورها بالمهانة، وتجلدت حتى لا تظهر عليها أي علامة للضعف تزيد من شماتة الأقران؛ إلا أنه بمجرد ما اختلت إلى نفسها استسلمت لنوبة حادة من البكاء أتمته لما اتصلت بأهلها بالمغرب في المساء عن طريق الويبكام.

وبينما اعتقد سائر أفراد الأسرة بأن مواساتها تتمثل في التضامن معها بترديد عبارات الإدانة للروح العنصرية لسياسة نيكولا ساركوزي (الذي كان حينئذ وزيرا للداخلية بفرنسا) ولخطابه، فضل أبوها أن يحاول أن أشرح لها، بناء على ما اعتقد أنه تجربة، بأن عليها ألا تكترث كثيرا بما وقع، وألا تسجن نفسها في قوقعة الضحية، وتطور بذلك سيكولوجية رد فعل التماهي الهوياتي الجماعي الفطري مع الكيان الميتافيزيقي الذي تحمل عليه ظالما كان أم مظلوما، مما لن يسفر في النهاية إلا على تأكيد صواب التحفظات السيكو-جماعية التي أبداها زملاؤها تجاهها.
نصحها أبوها إذن بالعودة إلى قرارتها واستعادة ثقتها عن طريق الحكم على نفسها بميزان قدراتها وإنجازاتها الذاتية وليس بناء على ما يعتقده زملاؤها بناء معطيات على ظرفية سوسيو-سياسية متفجرة وعلى التعميمات التصنيفية لثقافة محيطهم فيما يتعلق بتصوّر الغير. تلك التعميمات التي جُـبلت عليها الذهنيات العامية الميالة بطبعها إلى الاختزال والتنميط والتصنيف وعدم الاستعداد بسهولة لقبول مقولة "الشخص" و"الشخصية" واستقلالهما ولا لإدراك أوجه التعدد والاختلاف التي تخترق المجموعات البشرية التي تصنفها الثقافات ككتل متجانسة.
شرح لها بأنه إذا ما كان الفرنسوين في عمومهم قد تأثروا لما رأوه من الشبيبة المهاجرة مما اعتبروه تهديدا لأسس جمهوريتهم باسم خصوصيات ترفض، حسب تقديرهم، الانضباط للمرجعية الجمهورية كأول وآخر مرجعية، فإن طبيعة الإدراك الجمعي تتميز بحمل المسؤولية وإلصاقها اعتمادا على بعض المؤشرات الخارجية من قبيل اللون، أوالقسمات، أو الهندام، أو الفلكلور، أو غير ذلك.
ولقد شرح لها كذلك أن الشر وسوء الظن ليسا قدرا محتوما، وأنه ما أن يكتشف الناس مزايا الشخص حتى يكنوا له الاحترام، خصوصا في مجتمعات مثل المجتمع الفرنسي الذي أنجز ثورته الفكرية والسياسية والذي بلغت فيه استقلالية الفرد بمؤهلاته ومزاياه الذاتية مدى بعيدا.
ليوم أو يومين بعد ما كان قد وقع لسارة مع زملائها الفرنسيين ما وقع، اتصل بأبيها من فرنسا عبر الهاتف زميل فرنسي شريك قديم له في البحث. وعلى هامش موضوع المكالمة سأله ذلك الفرنسي عن أحوال سارة، التي كان يعرفها، وكيف تتحمل الغربة في فرنسا في تلك الظرفية السوسيو-سياسية المعلومة. ولما أخبره الأب بما حصل تأسف الزميل الفرنسي لذلك الميل الغالب على كل الذهنيات نحو الاختزال والتنميط والتعميم، وقدّم حول تجليات كل ذلك، بناء على تجربة من تنقل مهنيا ما بين الفيلبين والصين والولايات المتحدة، وصفا دقيقا لو تم تسجيله لشكل مقالا يستحق النشر. لقد اتفقا على أن أحسن طريقة لمعالجة المشكل هي الطريقة التي سلكها الأب.

اقتنعت سارة في النهاية بوجهة نظر أبيها في تصور المشكل وفي أسلوب التعامل معه؛ وانتهى الأمر بأن حصلت في الأخير على الدرجة الأولى في الفرض المذكور الذي نشأت حوله الحكاية، والذي أنجزته في نهاية المطاف بمفردها؛ بل إنه لم يمر الطور الأول من السنة الجامعية حتى أصبحت سارة أمينة مال مكتب الطلبة؛ وفي نهاية السنة احتلت الرتبة الرابعة من أصل 108 طالب المشكلبن للفوج وتمكنت من تنسيب كل تلك القصص التي تتحدث عن منهاضة بعض الأساتذة الفرنسيين للطلبة الأجانب.

بيـــت القصيــد:
اليوم، وكنموذج إعلامي ملأ الآفاق لهذا الميل الفطري إلى الاختزال والتنميط في تصور البشر بعضهم بعضا، طلعت علينا الصحافة البريطانية بحدث إعلامي غرائبي. إنه حدث ما يمكن أن نسمية خارقة "الشقراء المغربية".
بدأت القصة حينما قام سائح اسباني في جبال الريف المغربية بالتقاط صورة لامرأة بدوية شقراء تحمل على ظهرها طفلة شقراء (انظر الموقع ) فسربها إلى الصحافة وإلى المواقع الاليكترونية على خلفية بحث بوليس الانتربول عن الطفلة البريطانية Madeline McCann التي كانت قد اختفت قبل منذ شهر مارس الماضي أثناء أقامة سياحية لأسرتها بالبرتغال.
وبناء على ذلك الميل الفطري إلى الاختزال والتنميط في تصور البشر بعضهم بعضا مهما تقدمت علوم الانثروبولوجيا والإثنولوجيا والجغرافيا البشرية، والذي يختزل العنصر البشري لجنوب المتوسط مثلا في السمرة وسواد الشعر، والعنصر البشري لشماله في شقرة الرشرة والشعر، فأن الآلة الاعلامية البريطانية ما لبتثت أن دخلت على الخط فانتقلت بأرمادا إعلامية من خمس سيارات رباعية الدفع (4x4) إلى إقرية "الزينات" بجبال الريف المغربية بحثا عن الشقراء البيرطانية الصغيرة التي رمقتها عدسة السائح الاسباني على ظهر إحدى البدويات، إذ لا يمكن أن يكون عنصر بشري أشقر في جنوب البحر المتوسط أي في شمال إفريقيا إلأ كائنا أنجلوساكسونيا، أي، بتعبير دقيق، كائنا مجتثا من تربته الأوروبية بشكل من الأشكال قد يكون اختطافا أو ما هو من بابه.
غير أن المفاجئة حصلت حينما لم تجد قافلة الإعلاميين الذين هبوا لحيازة السبق الصحفي في قرية "الزينات" قرب مدينة تطوان في غرب جبال الربف أمامها إلا الطفلة الريفية الشقراء والأكثر شقرة من قرينتها البريطانية الضائعة (انظر http://naim.over-blog.org/article-12692757.html). أنها الطفلة المغربية، بشرى بنعيسى، وهي تتشبث بصدر والدها وعيناها تترجمان مقدار ما أصبها من فزع من عدوانية ورعب عدسات المصورين الذين جاؤوا ليضعوا هويتها وانتماءها إلى ذويها وبلدها موضع مساءلة وشك بناء على شقرتها بشرتها وشعرها مما جعل الأبوين يدليان بوثائق الحالة المدنية للصحفيين لإثبات انتماء الفتاة إلى أهلها.

هنا أخذت الصحافة البريطانية تحاول زجر الأشباح المحطّمة لقناعات الرأي العام فيما يتعلق بالصورة النمطية التي شلكها عن الآخر في شمال أفريقيا بناء على خطاطات الأدباء بدءا بــ"عطيل" شكسيبر وانتهاء بتغطيات الاستطلاعات الصحفية المصورة. لقد أخذت تلك الصحافة تحاول إعادة جبر ما تهشم من تلك الصورة النمطية، صورة المغاربي الأسمر التي كثيرا ما يخيل لـ"الـشهود" أنهم رأوها كلما حصل عدوان ما في أحد أقبية الميترو أو محطات القطار، و-لك بتوضيحها مثلا بأن الأفارقة ليسوا كلهم سودا، وأن المغاربة ليسوا كلهم سمرا إذ أن منهم – حسب ما وضحت ذلك لقرائها صحيفة الدايلي ميل - من ينحدرون من قدماء الأسرى الأوروبيين الذين كان يأسرهم القراصنة المغاربة المعروفون في الحوليات الأوروبية بــ"السارازان".
معنى هذا الاختزال الجديد الذي يؤكد الاختزال الأول بإعطائه أسسا تاريخية، هو أن الشقرة المغربية، إنْ هي إلا من غنائم القراصنة المغاربة. ولقد علق بعض الظرفاء (انظر http://naim.over-blog.org/article-12692757.html) على هذا التخريج الشعبي بالقول بأن هذا يستلزم أن كافة العناصر السمراء في جنوب أوربا بإسبانيا وأيطاليا والبلقان بقايا الأسرى المغاربة الذين أسرهم القراصنة الأوروبيين. هذا ما ينتهي إليه علم التاريخ وبقية علوم الانسان حينما تستولى العامة من الصحفيين على وسائل صناعة الرأي العام.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت