الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بقي من الدولة ؟

عصام عبدالله

2007 / 10 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


في الربع الأخير من القرن العشرين‏,‏ أختفت كلمة الدولة من قاموس الأكاديميين المحترفين في الغرب‏.‏ وراح المتخصصون في العلوم السياسية يكتبون عن الحكومات وجماعات المصالح والديمقراطية ...‏ وتقريبا عن كل شيء فيما عدا الدولة‏.‏ واليوم‏ يذهب كثيرون الي انه لم يعد ثمة وجود لاقتصاد قومي محض‏، ولا لثقافة قومية خالصة ،‏ أو قانون قومي‏، أو إعلام قومي‏، وحدها السلطة السياسية مازالت تحتفظ بطابعها القومي‏،‏ وسوف تخلي مكانها‏ قريبا.‏

والواقع ان مفهوم الدولة قد نشأ في الأصل كخيال قانوني‏.‏ روجته أجيال من فقهاء القانون وعلماء السياسة والإجتماع‏,‏ كرمز سياسي قوي لأغراض عملية من الناحية السياسية .‏ وينسب إلي الدولة الحديثة‏، التي يرجع معظم الباحثين تاريخها إلي معاهدة ويست فاليا‏ (1648)،‏ الفضل في التغلب علي التحديات الخارجية القائمة انذاك والمتمثلة في الكنيسة الكاثوليكية والامبراطورية الرومانيهة ،إلي جانب التحديات الداخلية المتمثلة في الإقطاع وأهدافه الانفصالية.‏ وهي تقوم في شكلها الحديث علي اقليم له حدود ثابتة نسبيا‏.‏ وهي مكلفة بالسكان الذين يقطنونها‏ ، وهي في النهاية ذات سيادة ، لا تخضع من حيث المبدأ لأي سلطة أعلي‏ ، وتعترف بها الدول الأخري بهذه الصفة‏.‏

ومنذ القرن السابع عشر جري مداد كثير حول تعريف معني السيادة ، والكلمه‏sovereignty‏ اشتقاقا جاءت من‏(super+regnum)‏ أي الحكم الأعلي أو الذي لا يعلي عليه‏.‏ وبالتدريج أضيف الي هذا المعني معني المطلق والأوحد في تعريف السيادة.‏ وهكذا ارتبطت الدولة الحديثة بمفهوم السيادة.‏

علي أن تفهم السيادة هنا بالمعني الزمني لا الروحي‏.‏ فالتحول التاريخي الذي صاحب ظهور الدولة في شكلها الحديث تمثل أساسا في تغير مفهوم‏ (‏ مصدر السيادة‏)‏ من الله إلي الإنسان في صورته الفردية أو الجماعية ، أو في صورته الأكثر تجريدا وهي الإنسانية ، وهذه السيادة تتأكد في الميدانيين الداخلي والخارجي معا وفي وقت واحد‏.‏

من هنا‏ ، فإن تاريخ نظام الدولة الحديثة‏ (‏ أي تاريخ السيادة‏)‏ ما هو إلا تاريخ المحاولات التي بذلت لإيجاد نوع من التوازن أو المساواة السيادية بين الدول‏.‏ ويبدو ان المشكلة تتمثل أساسا في‏(‏ المطابقة‏)‏ بين سيادة الدولة وبين قدرتها علي ان تفعل ما تشاء ‏، فالقول بان الدولة ذات سيادة لا يعني انها تستطيع ان تفعل ما يحلو لها ‏،‏ أو انها متحررة من تأثير الآخرين ،‏ تستطيع الحصول علي ما تريد‏.‏

فقد تكون الدولة ذات السيادة مضغوطة من كل الجوانب ، ومضطرة لان تتصرف بطرق كانت تود ان تتلافاها‏ ، ولا تستطيع بالكاد ان تفعل أي شيء بالضبط كما تريد‏.‏

ان سيادة الدولة لا تنطوي مطلقا علي انعزالها عن آثار أفعال الدول الأخري‏ ،‏ فليس هناك تناقض بين ان تكون الدولة ذات سياده وان تعتمد علي الآخرين في الوقت نفسه‏.‏ فنادرا ما تعيش الدولة ذات السيادة حياة حرة سهلة..‏ ان القول بان دولة ما ذات سيادة يعني فقط انها تقرر لنفسها كيف تعالج مشكلاتها الداخلية والخارجية‏.‏

اليوم يعتبر كثير من الباحثين والمنظرين السياسيين ان مبدأ السيادة ليس معاكسا لتطور النظام الدولي فحسب‏ ، بل انه مضلل ايضا‏ ، لان جميع الدول مخترقة بصورة أو بأخري‏ ،‏ ويجادلون بأن التطورات الاندماجية (‏ التكاملية‏)‏ مثل الاتحاد الأوروبي‏ ، والعملية برمتها المقترنة بالترابط والتداخل المعقد في ظل الكوكبية ، جعلت ممارسة السيادة ‏(‏ ان لم تكن الفكرة‏)‏ تنطوي علي مفارقة تاريخية أكثر تعقيدا‏.‏

أضف إلي ذلك ان المشكلات والأزمات والتحديات الجديدة في العالم تتطلب نظاما لا مركزيا عالميا يرتكز علي دوائر أو مستويات أوسع من حدود وقدرات الدولة القومية ذات السيادة ، بالنسبة إلي بعض الأمور‏ ، وأضيق من هذه الحدود والقدرات في أمور أخري‏,‏ او قل ان الدولة أضحت اليوم أصغر كثيرا من ان تقدر علي الأشياء الكبيرة ، وأكبر كثيرا من ان تقدر علي الأشياء الصغيرة‏.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح