الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراقيون وتراخيص القتل

عبد الستار جبر

2007 / 10 / 2
الارهاب, الحرب والسلام


ماذا يعني ان تمنح الآخر ترخيصا بقتلك؟
إما ان تكون بلا قيمة، ولا تساوي شيئا، او انك فقدت رشدك، ولم تعد تعلم كيف تتصرف. فإن كان من احتلك قد منح غيرك حرية إلغاء وجودك، فهذا يعني انك ما زلت منقوص السيادة، ولم تسترد حريتك كاملة، وانك عاجز عن بسط إرادتك فيما تريد. وإذا كانت إرادتك يمثلها البرلمان، فهذا يعني انه مؤسسة سياسية عاطلة، او مكبلة بقيود تفوق قدرتها على التخلص منها، او أنها مؤسسة متواطئة مع المحتل، ولن تقيم بذلك وزنا لحريتك وكرامتك وحقك في العيش كمواطن تكفل له السلامة أولا.
لقد حصدت الصراعات الطائفية منا أرواحا كثيرة، وخلفت فينا أحزانا وخرائب، وذاكرة مليئة بأبشع صور القتل. أجسادنا تحتفظ بمختلف أنواع الرصاص، أمريكي، بريطاني، عراقي، عربي، كردي، إيراني، سني، شيعي،.. الخ، لقد تعولمت أجسادنا، لكنها عولمة الموت المجاني الذي استباحنا، ونشر أشباحه بيننا. وبالإضافة إلى ذلك رصاص الشركات الأمنية، بأيدي مرتزقة، منحت تراخيص مفتوحة لقتلنا دون رحمة، وعلى أرضنا، بموافقة ساستنا او بصمتهم، او بجعجعتهم الإعلامية، بعد فوات الأوان، بعد ان يسقط العشرات مضرجين بدمائهم البريئة، لكن براءة الدماء على ما يبدو ليس لها ثمن، والضحايا التي تنهى حياتهم او تعوق، تتحول إلى مجرد أرقام في قائمة القتلى او الجرحى، او تتحول إلى نعت لم يعد له معنى، فما معنى ان يطلق عليك لقب "شهيد"، بعد ان تُسلب منك حياتك، بهذه البساطة المتناهية بالاستخفاف بقيمتك كإنسان، وبهذا التواطؤ السياسي، بل والشعبي أيضا، وكأن هذا الشعب قد أدمن الموت، وتكيف على الإحساس بتدني قيمته، وضعف ترابطه الاجتماعي. فلم يعد ينتفض ضد من يسلب إرادته او يمس كرامته او ينتقص من سيادته، فلم تخرج مظاهرة شعبية واحدة ولو صغيرة في أنحاء العراق كافة، سواء بدافع ذاتي او بتحريك من حزب ما او منظمة مجتمع مدني للاحتجاج على ما فعله مرتزقة "بلاكووتر" بأبناء جلدتهم من العراقيين، وللتضامن مع عوائل الضحايا. وها هي الشركة ستعاود نشاطها من جديد، وكأن شيئا لم يحصل، ولم تزل تحمل تراخيص القتل ذاتها، وكلنا إذن مرشحون كأهداف لرصاصها الطائش، لأن فراغا امنيا سيحصل بغيابها كما يعلل ذلك احد سياسيينا، وعلى العراقيين طبعا ان يدفعوا ثمن ما تقوم به "بلاكووتر" من سد الفراغات الأمنية. فيا لها من مهزلة ومفارقة ان تموت او تجرح لكي تحصل على الأمن. أم انه أمن غيرنا، ونحن حطب لصراع لا ناقة لنا فيه ولا جمل؟، فما أيسر الأمر حينئذ لمن يمنح لغيرك ترخيصا بقتلك. وما أيسره لساسة انشغلوا بترتيب أوضاعهم السياسية ونسوا مسؤوليتهم في تمثيلك والدفاع عنك، او ربما استمرؤوا مسلسل القتل اليومي، فلم يعد سقوط العشرات يثير الانتباه او يستدعي المواقف الحازمة واتخاذ القرارات الحاسمة.
هكذا يعيش العراقيون في بلد التراخيص المجانية، تلك التي تمنح بلا شروط، ولا تراقب او ترصد الانتهاكات، بل يغض النظر عنها، وتلك التي حصنت نفسها قانونيا من الملاحقة القضائية، فأعطت نفسها الحق الطلق في فعل أي شيء، والأدهى ان ثمة من لا يحتاج إلى تراخيص في ما يريد فعله في هذه الجغرافيا المستباحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا