الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل الصحافة بين -أسلحة الرقابة الشاملة- وقوانين مكافحة الإرهاب الجاهلة

حيان نيوف

2003 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



عندما نتحدث عن الصحافة وما تتعرض له من انتهاكات ، إنما نعني الصحافة المطبوعة والإلكترونية وصحافة البث أي التلفاز والراديو . وكلها باتت ضحية سهلة من ضحايا الرقابة والقوانين الجديدة في العالم، المنتشرة مثل الفيروس ، حتى في قلب الديمقراطيات ؛ وهي قوانين وضعت لمكافحة الإرهاب ولكنها أرهبت الصحافة والصحفيين . عندما أطلت علينا ألفية جديدة ،  كنا متفائلين ، وبكل سعادة وفخر،  بأننا سنقضي ألفية الخير والحرية ؛ ولكن خابت آمالنا مع مرور الأيام.

لقد صدمتنا أحداث أيلول التي قتلت الأبرياء دون رحمة ، وأساءت للحضارة البشرية ككل ، كما أعطت مبررا لإصدار قوانين ذات شكل ساحر وعذب ، ولكن مضمونها بمجمله يهدف إلى كبت وخنق المواثيق الدولية المتعلقة بالحريات، وخاصة الصحافة ، وحق الصحفي بالحصول على المعلومة . ولدينا المثل الشعبي الذي يقول " فوق الموت تأتي عصّة القبر " ، ونحن كنا نتحدث في الالفية الماضية عن مقص الرقيب ، وأما اليوم أصبحنا نتحدث عن مقص الرقيب  وعن قوانين مكافحة الإرهاب التي تكافح الحرية بدلا من الإرهاب في كثير من بنودها  .

كيف يمكن أن تكون صحفيا وظلك على الحائط تحول إلى مقص ؟ . يلاحقك هذا المقص في كل مكان : في غرفة نومك ، في المكتب ، وفي الشوارع . يقص هذا المقص ، وبكل رحابة صدر ، كل الإنتاجات الصحفية والإبداعات دون شفقة فتتحول المواد الصحفية إلى عظمة جافة عديمة القيمة والفائدة بعد أن ابتلع المقص ما فيها من فائدة وخلاصة . ولو أردنا ذكر مثل واحد من أمثلة كثيرة فلدينا الصحفي العراقي ، أيام حكم الرئيس السابق صدام حسين ، فكان يرحل بعيدا و لا نعثر من بقاياه إلا على ثيابه ، إن حاول أن يكتب ابسط انتقاد أو يطرح سؤالا مشروعا . وفي هذا المثال الذي طرحناه ، لا يوجد فقط مقص الرقيب فقط بل خازوق الرقيب أيضا . قالت منظمة مراسلون بلا حدود ، المنظمة المدافعة عن الصحافة ،أن الصحفي عزيز السيد جاسم في صحيفة القادسية العراقية لا آثار له حتى العام 2000 حسب ما ذكره تقرير العام 2000. إضافة إلى حالات كثيرة جدا في العالم العربي تتنوع فيها فنون الرقابة والقص ، مما دفع الكاتب إلى أن يعيد قراءة نصه مرات كثيرة قبل أن يسلمه للنشر خشية وجود حرف جر غير مقبول أو كلمة تلمّح لأمر ما ، وهكذا يصبح النص " خاليا من الكحول " !

 وأثناء الحرب على العراق وإسقاط نظام صدام ، تساقط الصحفيون في العراق برصاصات غادرة طائشة لم ترحم هذا الصحفي أو الصحفية كما حدث لمراسل قناة الجزيرة . هنا نطرح سؤالا : هناك الآن العديد من المنظمات الدولية الغير حكومية تسارع للعمل من أجل وضع منظومة دولية جديدة تهدف لحماية الصحفيين / الصحفيات ، ولكن ما نفع هذه التحركات عندما توجد منظومات أخرى معاكسة تبرر قتل الصحفيين أو سجنهم ؟ ثم إن منظومة حماية الصحفيين / الصحفيات يجب ألا تراقب الوضع أثناء الحروب فقط، بل أوقات السلم أيضا.  كما أن توزيع ألبسة واقية مانعة للرصاص سيكون عديم الفائدة لتأمين سلامة الصحفيين بعد أن أصبح الرصاص يشق طريقه إلى الرقبة أو الوجه .  ناهيكم عن هواية جديدة للجندي الإسرائيلي وهي قنص وقتل الصحفيين العرب والأجانب ، وهذا ما جعل الكثير من المؤسسات الدولية تحتج دون أن يعيرها الجندي الإسرائيلي أي اهتمام .

وفي بعض الديمقراطيات الغربية ، حيث تناشد دولها رفع الرقابة عن الصحافة في العالم الثالث ، أصبحت تمارس الرقابة وسجن الصحفيين بحجة الإرهاب مثل اعتقال مراسل الجزيرة تيسير علوني في اسبانيا ، والسؤال : لما لم يتم استجواب  الصحفي الإسباني/السوري تيسير علوني وهو طليق رغم وضعه الصحي المتدهور ؟! وطالما حدث هذا الخرق الواضح لحرية الصحافة في قلب أوربا ، رغم لبسه لبوسا شرعيا وارتدائه قميص قوانين حماية البلد من الإرهاب  ، ماذا نقول عن العالم الثالث ؟! . وبما أن الكثيرين ، من منظمات وأفراد ، يهبون لحماية والدفاع عن صحفيين قاموا بتصوير أفلام خلاعية ونشرها لتصل حتى للأطفال كما يحدث في بعض البلدان ، لما لا يتم الدفاع- بهذا الشكل الكبير- عن صحفي كتب عن الموت وضحايا الحروب وصوّر جثة طفل تحولت وطنا للذباب نتيجة الحرب والفقر ولم يتمكن هذا الطفل من رؤية حتى وجه أمه ؟ ولكن إن كانت خيبتنا كبيرة باعتقال بعض الصحفيين أو استجوابهم في معقل الديمقراطيات الغربية ، فإن عزاءنا أكبر بوجود مؤسسات وهيئات في نفس البلدان ترفض اعتقال الصحفيين بأي حجة كانت ، وتسهر على متابعة قضاياهم ، كما لا تمارس أدوارا خفية مثل بعض الهيئات الصحفية الرسمية في العالم الثالث ،التي تدعو في النهار للعمل من أجل الصحافة، وفي الليل يتاجر زعماؤها بالسمنة والعسل .
 
وباسم الخطر المحدق بأمن البلد ، وباسم مكافحة الإرهاب ، قامت شركة "مايكروسوفت" بمنع خدمة الدردشة في كل العالم باستثناء اليابان وكندا وبالطبع الولايات المتحدة الأمريكية . ألا يعتبر قرار شركة "مايكروسوفت"  انتهاكا لحرية التعبير والإعلام ؟ إن هذا القرار يشبه إعلان الأحكام العرفية على العالم ، ولكن ماذا كنا سنفعل لو أنا الكهرباء والمياه بيد شركة "مايكروسوفت" أيضا ويتم قطع المياه الكهرباء بحجة مكافحة الإرهاب أو أن أحد الإرهابيين قد يستغل شبكة الكهرباء لتهديد العالم ؟ .  يبدو أن شركة "مايكروسوفت"  قامت بجمع حظر مواقع الدردشة في بلدان كثيرة في العالم في قرار واحد يريح هذا البلدان من متابعة كل موقع يقدم خدمة الدردشة . المحصلة أن ديمقراطية القرن الحادي والعشرين تمنع الدردشة ! .

وبعد هذه القراءة لوضع الصحافة في ظل قوانين مكافحة الإرهاب ، يحق لي أن أكون متشائما إزاء مستقبل الصحافة والصحفيين . وما يمكن أن يمنع هذا التشاؤم هو أن تكون هناك حركة حقيقة على الصعيد العالمي تكفل حماية الصحفيين / الصحفيات ووسائل الإعلام أثناء الحروب وأثناء السلم . منذ القدم شكلت الأقلام والصحافة خطرا على الشر لأنها أرادت نقل الحقيقة ، فتعرضت لكل أنواع الحصار مثل قوانين مكافحة الإرهاب وقوانين الرقابة . لذا يستوجب على هذه الأجهزة الإعلامية أن تتضامن مع المؤسسات الدولية التي تسعى لحماية الصحفيين / الصحفيات ونشر تقاريرها وأبحاثها .  

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: أسقطنا طائرة إسرائيلية من نوع -سكاي لارك- وسيطر


.. بالخريطة التفاعلية.. جيش الاحتلال يعود لمخيم جباليا ويكثف غا




.. صرخات فتاة فلسطينية على وقع القصف الإسرائيلي على قطاع غزة


.. رسميا.. مبابي يغادر باريس سان جيرمان نهاية الموسم الحالي




.. نٌقلوا للمستشفى.. دبابير تلدغ جنودا إسرائيليين في غزة بعدما