الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الفيدرالية وخطر تقسيم العراق
محمد بن سعيد الفطيسي
2007 / 10 / 2مواضيع وابحاث سياسية
في العام الماضي - وتحديدا بتاريخ 24 / رمضان / 1427هجري, الموافق 17 / 10 / 2006 م , أجرت المحطة التلفزيونية الأميركية فوكس نيوز , لقاء صحفي مع الرئيس الأميركي جورج بوش وذلك حول أوضاع المنطقة بشكل عام , والعراق على وجه التحديد , أكد فيه هذا الأخير , عدد من النقاط التي شدد على رفضه المطلق لها , كان على رأسها فكرة تقسيم العراق على أساس طائفي , حيث قال :إن تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق تتمتع بالحكم الذاتي , أمر سيخلق ليس فقط وضعا من شأنه أن يجعل السنة والدول السنية والمتطرفين السنة يتناحرون مع المتطرفين الشيعة، بل إن الأكراد سيخلقون مشاكل مع تركيا وسوريا, كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية بنفس الخصوص قوله: سنجد أنفسنا في فوضى اكبر من التي نشهدها في الوقت الراهن.
ورغم أن الرئيس الأميركي جورج بوش لا زال على إصراره السابق وتمسكه برفض فكرة تقسيم العراق , إلا أن الأصوات الديمقراطية تتعالى مطالبة بتطبيق هذه الفكرة, كحل نموذجي للازمة العسكرية والسياسية الراهنة التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية في القطر العراقي الحبيب , وكمحاولة للضغط على الرئيس الأميركي جورج بوش للتقليص من عدد الجنود الأميركيين في العراق , على أمل أن يحقق هذا القرار, أو هذه الخطة ما نجحت في تحقيقه اتفاقات دايتون حول البوسنة التي أقرت التقسيم بين المتخاصمين الصرب والكروات والبوسنيين, وفي هذا السياق أعربت الجمهورية كأي بايلاي هوتشينسون عن تأيدها لهذه الفكرة قائلتا: إن ما رأيناه في البوسنة هو تقليص للتوتر عندما تكون لدى قوات الأمن قدرات ، وعندما تكون لدى الطوائف الدينية القدرة على حكم نفسها بنفسها.
وبالفعل فقد وافق مجلس الشيوخ الأميركي يوم الأربعاء الموافق 26 / 9 / 2007 م , على مشروع قرار غير ملزم حول خطة لتقسيم العراق على أسس طائفية، قدمها السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن الساعي لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة، بعد أن اعتبر أن تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات ـ شيعية وكردية وسنية ـ هو "المفتاح السياسي لانسحاب القوات الأميركية من هناك قبل الوصول إلى الفوضى"، على حد زعمه, وأقر مجلس الشيوخ الأميركي الخطة بأغلبية 75 صوتا مقابل 23 صوتا, حيث تنص الخطة التي صاغها ليزلي جيلب خبير السياسة الخارجية في إدارة الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر, على وضع نظام فدرالي حسبما يسمح الدستور العراقي، وتنص أيضا على تقسيم العراق إلى كيانات كردية وشيعية وسنية، مع حكومة فدرالية مركزية في بغداد, تتولى أمن الحدود وعائدات النفط, وهنا نلاحظ التناقض في التصريحات والتعليقات, ما بين أن يكون التقسيم هو الحل, في وقت يعتبره الآخرون هو المشكلة, مما يدل على عدم المصداقية في البحث عن حلول منطقية للازمة التي خلقها الاحتلال الصهيواميركي في الوطن العراقي المسلم .
لذا فإننا ومن خلال هذا الطرح المختصر, سنحاول تقصي خيوط هذه الفكرة الصهيواميركية التي تحاول تقسيم الوطن العراقي الحبيب, وتفتيت وحدته, وتمزيق ما تبقى من جسده المسلم إلى دويلات ضعيفة, وذلك بهدف تخفيف وطأة العنف والطائفية والحد من قوة المليشيات العراقية " المقاومة " بحسب - وجهة النظر الأميركية - , كما أننا سنحاول تحليل التغير الحاصل ما بين وجهة النظر الديمقراطية والجمهورية حول الوضع الراهن في الوطن العراقي الحبيب , والأسباب الحقيقة من وراء اختلاف وجهات النظر الأميركية الرسمية حول هذه الفكرة الصهيواميركية البغيضة , وما هي الأسباب الجيوبوليتيكية التي تفند هذه الفكرة ؟ , والحلول الممكن تعاطيها خلال هذه المرحلة العصيبة من تاريخ العراق المحتل 0
ولكن كان من الضرورة , وقبل الدخول إلى لب هذا الموضوع , التعريف بفكرة الفيدرالية الاصطلاحي , وذلك بهدف الإحاطة بفكرة هذا المفهوم, وتطبيقها على الفكرة الفدرالية العراقية, فمصطلح " federalism" يعني الاتحاد أو المعاهدة , كما انه قد يعني في الجانب الآخر, التفكك والانقسام, ففي التعريف الأول, تنشا الفدرالية من اتحاد عدد من الولايات - اثنتين فأكثر - أو مدن أو دول صغيرة , ( تشترك شعوبها في ملامح اجتماعية وجغرافية وتاريخية ، فتتنازل كل واحدة عن بعض سلطاتها الداخلية وعن سيادتها الخارجية ، ثم تتوحد ثانية لتكون الدولة الفدرالية على أساس الدستور الفدرالي ، كالولايات المتحدة الأميركية عام 1787 والاتحاد السويسري عام 1874 على سبيل المثال لا الحصر) , وفي الجانب الآخر تنشا الفدرالية البغيضة من انقسام وتفكك دولة واحد كبيرة في ظل أوضاع معينة , ( يعاني سكانها من مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية ، كاختلاف اللغة والعادات والثقافات والموارد والثروات ، فيعمل شعبها على المطالبة باستقلال تام عن سيطرة الحكومة المركزية ، وتقرير مصيرها دون تدخل من الآخرين، ثم تعمل الولايات المفككة على تشكيل دولة واحدة هي الدولة الفدرالية وفق نظام إداري فدرالي , مثال الدولة الفدرالية الناشئة عن تفكك دولة بسيطة هي المكسيك 1857 والأرجنتين 1860 والبرازيل سنة 1891 وتشيكوسلوفاكيا سنة 1969) .
ولو نظرنا هنا إلى هاذين المفهومين, وحاولنا تطبيق الوضع العراقي عليهما , فإننا سنعلم بان الفدرالية التي ستنشأ في ظل الوضع العراقي الراهن , لن تزيد عن كونها فدرالية صهيواميركية بغيضة , وجدت لها - وللأسف - بعض المؤيدين في الداخل العراقي , وتهدف إلى تفكيك العراق وتفتيت وحدته , وتقسيمه إلى دويلات ضعيفة متناحرة أو ذات طابع تقسيمي سياسي واقتصادي غيرعادل , وقد بدأت هذه الفكرة تأخذ طريقها إلى الوجود في فترة التسعينيات من القرن العشرون , وبالتحديد في عام 1991 م , وتم تطبيقها فعليا بتاريخ , 4/10/ 1992 حيث انسلخت منطقة شمال العراق ذات الأغلبية الكردية من قبضة السلطة المركزية في بغداد بدعم من قوات التحالف الدولية , حيث اتخذ البرلمان الكردستاني قرارا بتبني النظام الفدرالي للعراق , كما تبعته مطالبات مماثلة من بعض القيادات الشيعية , التي تهدف إلى دمج ثماني محافظات شيعية أو أكثر في إقليم غني بالنفط جنوب بغداد , ولا زالت هذه الدعوات تتكرر إلى يومنا هذا , رغم رفض الرئيس العراقي نوري المالكي حسب تصريحاته الأخيرة لفكرة التقسيم التي نادى إليها أعضاء الكونجرس الأميركي , وهو المحسوب على التيار الشيعي , ورغبته في الوحدة ومشروع الوطن الواحد 0
ولنبدأ أولا بتقصي الأهداف الصهيواميركية المراد تحقيقها من فكرة تقسيم العراق , فرغم أن الموقف المعلن للإدارة الأمريكية الحالية بزعامة الرئيس جورج بوش هو رفض تقسيم العراق ، لكنها تؤيد حكما ذاتيا على أساس طائفي ، مما يعني خطوة نحو التقسيم في المستقبل ، وضمن هذا الإطار قال السفير الأميركي في بغداد ريان كروكر علنا في شهادته أمام الكونجرس خلال هذا الشهر: إنه يؤيد حكما ذاتيا للمناطق العراقية , وقد ساند الإعلام الصهيواميريكي هذه الفكرة بشكل لافت للنظر, وكان أبرز ما نشر عن تقسيم العراق في الآونة الأخيرة , وتناوله الإعلام الصهيوني باهتمام بالغ , مقالين جديرين بالتوقف عندهما , أولهما ما كتبه جون يو، أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا ـ بيركلي والباحث في منظمة اليمين المتطرف الإجرامية المعروفة باسم American Enterprise Institute، في صحيفة لوس أنجيليس تايمز, والثانية ما كتبه رجل القانون الأميركي ألان توبول في نفس الأسبوع الذي نشر فيه جون يو مقاله , وتتشابه الفكرتان كثيرا حول فكرة تقسيم العراق , فعلى سبيل المثال ( يقترح جون يو تقسيم العراق إلى ثلاثة مناطق/ أقاليم , علماً بأن جون يو هذا هو نفسه من أقترح على الإدارة الأميركية مسبقاً بذر الشقاق بين فصائل المقاومة الوطنية العراقية, من خلال إنشاء فصائل مقاومة وهمية تقوم بأعمال إجرامية بحق المواطنين العراقيين الآمنين, الهدف منها تقليص الدعم الشعبي الواسع للعمليات البطولية التي تقوم بها المقاومة ضد قوات الاحتلال والقوات الأمنية للسلطة العميلة التي نصبوها في العراق ).
والحقيقة الواضحة هنا لا تحتاج إلى أدلة أو براهين, فالمسألة سياسية واقتصادية لا أكثر, فللصهيونية العالمية أطماع تاريخية وإستراتيجية كثيرة في الوطن العراقي الحبيب , وعلى رأسها النفط , حيث إن مخطط تقسيم العراق يتعلق بشكل أساسي من أجل توفير النفط للولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل,( فقد كان وزير الخارجية الأميركي الصهيوني هنري كيسينجر، هو صاحب فكرة نقل النفط من العراق إلى الغرب وإلى إسرائيل بالذات, ففي عام 1975، وقع كيسينجر مذكرة تفاهم مع إسرائيل تضمن الولايات المتحدة الأميركية بموجبها لإسرائيل احتياطي من النفط ومصدراً للطاقة في وقت الأزمات, ويتم تجديد المذكرة في هدوء كل خمسة أعوام مع تشريع خاص مرفق بها تتعهد الولايات المتحدة الأميركية بموجبه توفير احتياطي إستراتيجي من النفط لإسرائيل ) وبهذا يتضح أن احتلال العراق وبالتالي تقسيمه لم يكن إلا من أجل مصلحة إسرائيل لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير , وحصولها على خيرات العراق وثرواته , وذلك ببث الفرقة والخلافات بين أبناءه , حيث سيسهل بذلك التحكم بهم واستغلال ثروات بلادهم ومدخراتهم الطبيعية والبشرية.
أما بالنسبة للخلافات الأيديولوجية ما بين الجمهوريين والديمقراطيين حول آلية التقسيم , فإنها لن تعدو كونها مجرد خلافات طبيعية مؤقتة , تدفعها المصالح الشخصية وفكرة السيطرة والحكم لا أكثر, بعيدا عن أي اهتمامات بالصالح العراقي , أو ما يبث من مصطلحات مسمومة كالديمقراطية وخلافه , وخصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية للكونجرس الأميركي , وتراجع شعبية الرئيس جورج بوش , حيث أنها ستتحد في نهاية المطاف مع رغبة مشتركة للحزبين لضمان مصلحة الإمبراطورية الأميركية وحليفتها إسرائيل فوق كل اعتبار0
وختاما فإن فكرة تقسيم العراق لن تزيد عن كونها فكرة تهدف إلى إنهاء الوطن العراقي التاريخي القائم على المركزية القوية, لتخلق بذلك دويلات طائفية متفككة وضعيفة, وما سيتبعه ذلك من انفصام سياسي واقتصادي , وبروز جيوش فدرالية لا تتبع الحكومة المركزية , وظهور العديد من الميليشيات الطائفية المسلحة ، واصطدام هذه العملية بمسالة توزيع عوائد النفط , والثروات الطبيعية وخلافه , هذا بالإضافة إلى احتمال وقوع العديد من عمليات التطهير العرقي والحروب الطائفية , وبالتالي السعي في نهاية المطاف إلى التقسيم النهائي بتشكيل دول مستقلة وإنهاء العراق العظيم , كما وقع ذلك في يوغسلافيا على سبيل المثال , وما يمكن أن يترتب على ذلك بالنسبة لدول الجوار الإقليمي , كنتيجة طبيعية للأوضاع بالداخل العراقي , وذلك من خلال زيادة موجات العنف والإرهاب في المنطقة العربية والشرق الأوسط , وغيرها الكثير من الأهداف الظلامية التي يمكن إن تتحقق من تلك الفكرة بالنسبة للإطراف التي تجد في هذه الفكرة مغنم استراتيجي لها كالولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل , لذا فان المطلوب في ظل الوضع الراهن وبشكل أساسي وعاجل , هو تغليب وحدة العراق ومصلحته وأمنه واستقراره فوق كل الاعتبارات الشخصية الأخرى , ورفض العراقيين بجميع طوائفهم لأي تدخل أجنبي أو خارجي في شؤونهم الداخلية ,(كما ينبغي التصدي للأساطير التاريخية التي يجري توظيفها من أجل تسويغ مخطط يوشك أن يأخذ العراق والمنطقة إلى حقبة طويلة من الموت والدمار )0
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت
.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا
.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و
.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن
.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا