الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحديات الخيار الديمقراطي

سلمان النقاش

2007 / 10 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


اخذ الخيار الديمقراطي المساحة الاوسع في التداول والتردد على سمع المواطن العراقي لاقناعه بانه الخيار الاكثر ضمانا لتغيير واقعه الذي يشير بلا لبس الى استلابه بغض النظر عن موقع هذا المواطن على الخريطة الاجتماعية، فالاحداث التي رافقت مسيرة حركته التاريخية منذ ان ارتسمت صورة الدولة الحديثة مع بدايات العقد الثاني من القرن الماضي وضعته دائما على هامش نتائجها حتى غارت تطلعاته الانسانية وبدا وكانه غير عابيء عما تمارسه السلطة التي تحكمه ما دامت تترك له مجالا آمنا للحياة وفق ما ترسمه من خطوط عليه ان لايتخطى حدودها او معارضتها وان فعل ستكون حياته مهددة بالخطر .. ورغم ذلك فان حتمية تشابك المصالح وما تمتعت به ارضه من ثروات اتجهت لها انظار و ارادات الحراك الكوني فرضت نوع من التجديد في انماط العلاقات التي ادت الى خلخلة نظام السيطرة على حركة المجتمع مما اضطرت الى اعطائه بعض التنازلات التي جعلته يعي اهميته في حسابات النظام الذي يقود نشاطه .. غير ان هذا الوعي سرعان ما تم احتوائه وتحديد مساراته لتصبح الهوة واسعة وعميقة بين الثروة وادراك اهميتها في الوصول الى الرقي الانساني ، وهذا ما يؤكده التخلف المزمن في استثمار الموارد الطبيعية الهائلة التي تزخر بها ارض العراق من ثروة مائية وزراعية وحيوانية فضلا عن ما تحتويه هذه الارض من ثروة اخرى معدنية كالكبريت والفوسفات والحديد والالمنيوم والنحاس والزئبق وغيرها من المعادن التي تدخل في جميع الصناعات الحديثة ثم يأتي على رأس هذه الثروات الخزين النفطي الهائل و الذي قدرته بعض الابحاث الامريكية اليوم بانه يضع العراق في مقدمة الدول من ناحية الخزين الاحتياطي في العالم ورغم ذلك فان ما ينتجه العراق منه لا يتعدى 1.8 مليون برميل يوميا حسب اخر تصريحات وزارة النفط وان اقرب دولة الى قياس حجم احتياطه تنتج 9 مليون برميل يوميا وان حجم الامية نسبة الى عدد سكان العراق يعتبر رقما مرعبا ونسبة الفقر تصل الى حوالي 55% وان هناك ما يقارب 60% من البطالة وان اكثر من 70% من ارضه الصالحة للزراعة غير مستثمر وانه يعاني من شحة مياه الشرب وتخلف مرافقه السياحية وتدني مستوى الصناعة والتعليم والصحة خدمات والصرف الصحي وازمة السكن والنقل وتخلف الطرق الخارجية وقلة المطارات ورداءة النقل النهري !!
لماذا ؟
وهل ان الديمقراطية حل امثل لمشكلة المواطن العراقي؟
ان اقرب ما يقودنا الى اجابة مقنعة لهذا التساؤل هو قراءة متواضعة لانواع واشكال الانظمة السياسية التي تصدت الى ادارة المجتمع منذ الدخول البريطاني حتى الدخول الامريكي واذا ما جزئنا هذه الفترة الى مراحل سنجد ان الاولى افترضت ربطا ستراتيجيا لمتطلبات التقدم الحضاري الذي كانت تسير عليه بريطانيا العظمى مما استدعي تبعية مباشرة لارادتها من الناحية السياسية ولاقتصادية وان اي جهد لا يشكل خطوة باتجاه مصالحها يواجه بالاهمال، و ما فعله سياسيو هذه المرحلة ما هو الا تنفيذا لبرامج التاج البريطاني... والثانية مرحلة تموز الانعتاق والثورة والتهيؤ والاستعداد للانطلاق ورسم خرائط المشاريع وملامح الهوية الوطنية واتجاه الامال نحو التحول الى الحكم المدني والتطلع الى افاق الادارة الحديثة الا ان عام 1963 كان كابحا ومنعطفا نحو قيم البداوة والاستئثار بالسلطة وقيام دولة العشيرة ثم العائلة ثم الحاكم المطلق الطامح الى بناء المجد الشخصي وتسخير كل الامكانيات المتاحة لتنفيذ هذا المجد .
ان النكوص الحضاري الذي مثلته فترة التسعينيات يمثل بداية التخندق والتمترس لمواجهة انهيار مؤكد تتجه اليه دولة نخرت اوتادها وتآكلت اسسها حتى اذا الطوفان طاح باهله تمزقت اوصاله وامتدت اكف المتربصين تنهش بمخالبها فتناثرت الدماء وتحجرت القلوب وتشظت الهوية وتغربت المدن والقرى والحارات ونجا من خف حمله وامتلأت الدنيا بالشتات من ابناء الوطن الغريب .
الخيار الديمقراطي المطروح رغم كونه الطريق الوحيد للنهوض من الكبوة الا انه يشكل تحديا في غاية الخطورة لانه سيفتح الافاق واسعة لاستداراج الوعي المخبوء والمكبوت في ثنايا الحركة التاريخية لاشكال ومكونات المجتمع التي ستجد انها في مواجهة بعضها البعض في عملية صراع لاثبات وجودها الذي يجب ان يقف كحقيقة واقعة وجادة في رسم خارطة الطريق الجديدة لبناء المجتمع الحديث .. لكن ادوات الديمقراطية غير كافية لضمان استمرار التعايش بين هذه المختلفات لانها ادوات طارئة غير اصيلة ممكن الانقضاض عليها بمجرد ان تزال دواعي حضورها. وتعني الديمقراطية حسبما معمول بها في الدول المتحضرة حرية الرأي والتعبير وانسيابية تطبيق القوانين وفاعليتها استقلال المؤسسات المدنية والادارات اللامركزية والفصل بين السلطات حكم ارادة الاغلبية واحترام رأي المعارضة والمساواة بين الرجل والمرأة وصيانة حقوق الانسان وفاعلية منظمات المجتمع المدني والرفاه الاجتماعي الذي يضمنه البرنامج السياسي المتفق مع روحية القانون الاساس الذي اتفقت على صياغته واقراره عموم الجماهير وتداول السلطة ، ولاجل الامساك بقوة بالديمقراطية لانطلاقتنا ستكون القوى ذات التوجه الثوري رائدة النضال في سبيل التمسك بهذا الخيار وهذه الثورية تعني بدءا جعل اولويات الانطلاق حالة واقعة ومفروضة لاجل ان تكون الخطوات اللاحقة اكثر جدية واكثر ضمانا لاستمرار النهج الديمقراطي ومن اهم هذه الاولويات هو تحديد الصداقات وتقنينها مع القوى الاقليمية ومراكز القوى العالمية بما ينسجم و الحصول على استقلالية القرار السياسي وتجميد او ايقاف التعاون المشروط بدعوى رد العرفان او تطابق التوجه الايديولوجي او العقائدي والانفتاح تماما نحو الجماهير بكافة طبقاتها ومحاولة رفع شأنهما من خلال توعيتها والتعريف بحقوقها والطريقة التي يجب ان تتبعها في الحصول عليها دون ان يؤدي ذلك الى هدر في الطاقات او التفريط بالوحدة الاجتماعية المطلوبة وتنمية الروح الجمعية ومن ثم الوصول الى تحقيق الهوية والاعتزاز بها ، ومنها ايضا التركيز على مهنية الجيش وادارته المدنية وابعاده عن التحزب وكذلك الجهاز البوليسي والمخابراتي وارساء وتقوية واستقلال المؤسسات الدستورية كالمحكمة الاتحادية ومفوضية الانتخابات وهيئة النزاهة .
ان مشروع المصالحة الوطنية الذي تعمل عليه حكومة الوحدة الوطنية هو بداية حسنة في الطريق نحو ارساء وضمان استمرارية الحكم الديمقراطي في العراق الا انها تسير على ركام تاريخي يستقر على ارض رخوة بين فرقاء متوجسون وبعيدون جدا عن جدية التعامل وفق ثقافة الاختلاف ، لكنها ممارسة حتمية ضمن الخيارات القسرية فلا عودة اذن نحو الاستحواذ فالديمقراطية بحاجة الى الجميع لانها امل الجميع وحماية قواعدها مهمة يجب ان يبادر بها من وضعت بيده مصائر المستلبين الذين وضعوا حجر الاساس للبناء الديمقراطي بخروجهم المليوني معلنين الحرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بمشاركة نائب فرنسي.. مظاهرة حاشدة في مرسيليا الفرنسية نصرة ل


.. الدكتور خليل العناني: بايدن يعاني وما يحركه هي الحسابات الان




.. كيف يقلب الجهاز الأمني الإسرائيلي الا?علام الداخلي لصالحه؟


.. أوامر جديدة للاستخبارات البريطانية بشأن روسيا والصين وإيران




.. بن غفير: الصفقة الحالية متهور وتعني التخلي عن تدمير حماس.. و