الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرائق الطائفية في العراق...الجزء الاول

شاكر الناصري

2007 / 10 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


ما أن أنهارت سلطة الدولة ومؤسساتها في العراق جراء الحرب والاحتلال الامريكي، حتى أنطلقت حرائق الطائفية وكأنها كانت جمرة مخبوءة تحت رماد لم يكن صعبا أن يتطاير ولتتطاير بفعله ارواح الالاف من الابرياء كنتيجة مباشرة ومرعبة للحرب والصراعات الطائفية. لم تتوقف حدة الطائفية عند الصراع من أجل السلطة ومناطق النفوذ بل تعدتها لتصبح ظاهرة أجتماعية وسياسية خطيرة يصعب وضع حدا لها في ظل الاحتلال وحرب المليشيات وتدخل المؤسسة الدينية.

حرائق الطائفية التي أشتعلت وتواصل الاشتعال في العراق ، اذا كانت قد أحرقت كل الشعارات التي زينت حرب أمريكا لاسقاط الدكتاتورية في العراق ، فأنها قد أحرقت كذلك كل الآمال الانسانية التي أعتملت في صدور العراقيين بالتحرر من سلطة دكتاتورية فاشية ومستبدة والعيش في مجتمع حر وقادر على حفظ حياة وكرامة الأنسان. ان كل تلك الامال قد تركت مواقعها لصالح التهجير الطائفي والقتل على اساس الانتماء الديني والمذهبي والقومي.

الطائفية أشد انواع التمييز العنصري وأكثرها فتكا وتدميرا للسلم الاجتماعي ولأي علاقات أجتماعية وأنسانية في المجتمع الذي تعلن عن ظهورها الاسود فيه كظهورها في العراق ، فهي سرعان ما فرضت هويات لا أنسانية على العراقيين، وأصبح العراقيون سنة وشيعة وأكرادا ومسيحيين وصابئة وتركمانا....الخ.
أن الصراعات الطائفية التي تدور الان في العراق لاتقتصر على صراع الشيعة مع السنة او بالعكس بل انها اصبحت خطرا قائما يمتد ليشمل كل الطوائف والقوميات الاخرى في العراق. فالطوائف التي عاشت في هذه البلاد منذ أنبثاقها على هذه الارض اصبحت تبحث عن ملاذات امنة لتواصل حياتها المرعبة كالصابئة المندائيين او المسيحين...الخ.

لقد أحرقت الطائفية العقد الاجتماعي بين مواطني البلد الواحد وعززت من انعدام الشعور بالمواطنة الذي كان سائدا جراء سلطة وممارسات النظام الدكتاتوري السابق لصالح الانتماءات الطائفية والقومية وأطلاق العنان للمظلوميات التاريخية التي يراد لها ان تواصل سحق حياة الابرياء من العراقيين وكأن تاريخ الحروب الطائفية التي شهدها العراق خلال العصور الغابرة غير قادر على أعطائنا عبرة على مدى بشاعة الطائفية وهمجية من يريدون تسخيرها لخدمة أهداف سياسية او دينية بغيضة. وكأن تلك الحوادث تعيش معنا وتفرض هيمنتها وسطوتها على حياتنا وثقافتنا وعلاقاتنا ومستقبلنا او كأن نزيف الدم الذي انطلق في اول حروب (علي وعائشة) لابد ان يتواصل فثمة ثارلابد من تفعيله وثمة ظلم لابد ان يتواصل بأي شكل كان... هكذا يريدون لنا ان نعيش . وهكذا تحولت حياتنا الى جحيم.

الطائفية اليوم خطر حقيقي يهدد المجتمع والدولة بالتلاشي والتقسيم وادامة التناحروالحروب وأنعدام الامن والاستقرار. فمن فدراليات ادارية صاغها ساسة مفسدون واقرها دستور رجعي الى فدراليات طائفية وعرقية اقرها الكونكرس الامريكي وأطرب لها القادة الاكراد وقادة المجلس الاعلى . فالطائفية الدينية والقومية باحزابها ومليشياتها لايمكنها ان تعيش وتواصل مشروعها البشع في حالة وجود دولة قوية ومحكومة بقانون وسلطات مختلفة لذلك فأننا نرى جميع قادة الاحزاب الطائفية والقومية يتحدثون عن دولة لامركزية . اللامركزية التي يقصدونها ان تكون سلطات احزابهم ومليشياتهم اقوى من سلطة الدولة وقوانينها . لكنهم في مقابل لامركزية الدولة يشيدون مركزياتهم ويعززون سلطاتهم وأستبدادهم وأنفرادهم بالسلطة والثروات والتحكم بمصير من يخضعون لسلطاتهم.

من أين اتت هذه الحرائق وكيف للطائفية ان تكون بهذا الشكل ؟ هل حملتها الدبابات الامريكية الواعدة بتحرير العراق من قبضة دكتاتورية متوحشة ودموية، لكنها أخطأت في محاولتها اعادة العراق الى حظيرة العالم المتمدن والانساني كما تدعي فقسمت اهل البلاد الى شيعة وسنة ، عرب وأكراد،غالب ومغلوب، بين خاسر للسلطة وآخرمتعطش لها بحثا عن ثارات وانتقام ؟ هل المجتمع العراقي مجتمع طائفي لايمكنه ان يهنأ بعيش بعيدا عن الطائفية وهو المجتمع الذي يقال عنه انه متآلف ومسالم ويحب ابنائه بعضهم البعض الآخر، ام انها حكاية مزيفة ومخادعة لايهام أنفسنا اولاًبكل تفاصيلها التي أصبحت قبض ريح ،أم أن حكاية المدنية والتقدم والرقي الثقافي والاجتماعي الذي كنا نعيشه ونحسه كانت كذبة اريد لها ان تتستر على واقع ٍ مريرٍ سرعان ما فاحت نتانته؟ كلها اسئلة تواجهنا كل يوم ونحن نشهد هذه الحرائق التي احالت العراق الى بلد لايصلح للحياة الانسانية وأصبح امام مخاطرتنبأ بتلاشيه وضياعة ، مخاطر تتزايد في كل حين تواجهنا ونحن نشاهد مسيرات الفارين من ابناء هذا البلد وهم يخضعون لاقسى ممارسات الاقتلاع الاجباري من الجذور عبرتهجيرهم وامتهان كرامتهم داخل بلدهم او خارجه.
من المؤكد ان الاثارالسلبية و المدمرة لعقود من التسلط الاستبدادي قد تركت آثارها بما يُمَكن من الارتهان الى الاصطفاف الطائفي بدل الخيارات الاخرى كالمواطنة او الممارسة السياسية السلمية والبعيدة عن التعصب القومي والطائفي. أن فترة الحكم الدكتاتوري قد جعلت من كرامة الانسان العراقي رهن بيد حفنة من الجلادين والمؤسسات القمعية . أصبح المواطن العراقي رهن ممارسات السلطة الطائفية. جامعات مغلقة لابناء حزب السلطة ، وظائف حساسة وهامة حكراً لابناء طائفة واحدة لان الدكتاتور البغيض ينتمي اليها. ان نتائج فترة الحكم الدكتاتوري اذا كانت تتميز كمرحلة مأساوية ودامية من تاريخ العراق فان آثارها ستتواصل لعقود طويلة من الزمن.
... من المعروف أن العراق ومنذ تأسيس الدولة العراقية على أسس مدنية حديثة لم يشهد صراعات طائفية سافرة كالتي شهدها خلال السنوات الاربع الماضية. أن وجود دولة مدنية ونظام حكم علماني قادران على كبح جماح الطائفية والاحاسيس القومية المتعصبة على أعتبار ان الدولة و النظام العلماني قائمان على أساس أحترام حقوق الانسان وفصل الدين عن الدولة ولا يستندان في القوانين والتشريعات التي تنظم حياة المواطن وعلاقته بالدولة ومؤسساتها على الدين او الشريعة أوأعتبارهما مصدرا اساسيا للتشريع وتعزيز الشعور بالمواطنة والمشاركة السياسية الفاعلة ولايتم تعريف مواطني البلد وفق هويات طائفية او قومية . أن هذا ما يحتاجه العراق الان رغم كل المجازر التي ارتكبت ورغم كل التطبيل الذي رافق انعدام الافاق السياسية وان تقسيم العراق هو الحل لوضع حد للارهاب. دولة علمانية بدستور مدني متحضر،دولة ترقى فوق كل الاعتبارات القومية والمذهبية تعيد تعريف علاقة المواطن ببلده ومجتمعه بشكل صحيح وتعطيه كامل حرياته وحقوقه الاساسية ،،الحل الامثل الذي يمكنه ان يوقف حرائق العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو لجنود الاحتياط على الحدود مع لبنان: نقدر خدمتكم ونعم


.. مؤسس موقع ويكيلكس يقر بالتهم الموجهة إليه بعد اتفاق مع الحكو




.. مسيرة حاشدة في كوريا الشمالية لإحياء الذكرى الرابعة والسبعين


.. الشرطة البريطانية توقف 4 أشخاص لاقتحامهم حديقة منزل رئيس الو




.. أخبار الصباح | زوجة نتنياهو تتهم الجيش بمحاولة الانقلاب عليه