الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية الطفولة المعذبة لسهى جلال جودت

سمير الشريف

2007 / 10 / 8
الادب والفن


تضطر قراءة العمل الأدبي الفكر للتحرك في اتجاهين: زمني واجتماعي فكري لما يثيره في نفس المتلقي من علائق وروابط ، وما يجذب المتلقي تجاه بؤرة النص ،حيث مركزه الفكري وثقله ، مع ما يتصاعد مع الألفاظ ويربط بينها ويجلو دلالاتها ،لكي يصل بالقارئ لما وراءها .
كيف نصل إلى المعنى الذي يتمترس خلف الحروف،وكيف نصبح على يقين من أن هذا المعنى بعينه هو ما أراده الكاتب ، وبالتالي ما هي الأداة التي تمكننا من الحكم على نجاح المؤلف في إيصال مضامينه؟
نتسلح بهذا ونحن نقف مع جديد الكاتبة "سهى جلال جودت" ونصها "السفر إلى حيث يبكي القمر" وما يمكن أن يبوح به العنوان من إرهاصات رومانسية قد تخدع المتلقي، بينما بطله يهرب من أوجار الظلم إلى التسامي والتطهر من آثام وموبقات الواقع، مكتفياً بتعرية ذاته كاشفاً قسوة الواقع وسوءاته، لدرجة يمكن وصف النص عندها بعمق البساطة وغموض الوضوح .
مع "غالب " بطل الرواية المطلق،الذي يركب موجة التداعي موظفاً ضمير المتكلم الأقرب للكشف والتداعي ومتاخمة حدود السيرة الذاتية، هذا الطفل /الفتى /الرجل/الذي وقف أمام طوفان الظلم من الجميع مبهوتاً، فلم يملك غير تفريغ مكبوتاته بالكلام تسرية وتنفيساً وبتصاعد انجرافه في تيارات الانزلاق البيئي الاجتماعي للطبقة التحتية.
قبل الولوج في تضاعيف النص، نقف بإجلال أمام قلم استبطنت صاحبته مشاعر الطفولة وغاصت في تلافيف تعقيداتها، بقدرة سبرت بها مغاليق نفسيته فعرتها مستخدمة تقنيات منوعة،وهي بذلك تنأى عما تستسهله حاملات الأقلام بالحديث عن هموم الذات ومكابدات الأنثى والتمحور حول ذلك في معالجاتها الكتابية، مبتعدة عن خندقة العلاقة بين نصفي الكيان الواحد : الرجل والمرأة وتحويلها لحرب ضروس ، لا تني بعض الأقلام أن تشعل نيرانها.
رواية"سهى جلال جودت"تحكي غربة الطفولة عن محضنها والوردة عن شذاها، لتجد ذاتها رهينة مواضعات اجتماعية شاذة،شوهت صورتها أمام مرآة الذات وصورة الآخر في وجدانها.
تسرد بقدرة واضحة اغتيال البراءة، مشيرة للتفكك الاجتماعي - الغول الذي يلتهم أغلى أحلامنا،وهي بهذا تشكل صرخة إدانة واحتجاج بوجه الواقع .
قصة"غالب" الذي يشي اسمه عكس ما توحيه مفردات اسمه، تنكأ من خلاله جرحاً أسرياً ينفتح على آفاق ألم حارق وذاكرة متعبة ومحاولة الاستعداد لتصفية الحساب مع سلطة الأب وأسباب التفكك الذي أوصله لما هو فيه،إنها إدانة للمجتمع الذكوري ومحاولة البحث عن سماوات الحرية وتعرية حالات اختناق الحب بالزواج، تناقضات الفكر والممارسة وفضح ازدواجية الرجل .
"غالب" شخص مأزوم،يحمل للعالم وجهة نظر محددة ،ويتبنى موقف عدم الانفعال بالأسباب التي أوصلته للكارثة،يعيش مأزقه بقدرية انسحابية من دون التعاطي مع الأسباب وإمكانية التفكير بالخلاص منها وتغييرها للأحسن وهذا سببه استعداده لتقبل الواقع الموبوء وعدم قدرته على تخطيه رغم قدراته الذكائية الواضحة في تقديم شخصيته وتعرية من يحيط به من أهله(الأب، الأم، الجدة، أصدقاء الشارع، الشيخ محمد – عفريتة- السجين أبو حسن.... )إلى آخره .
رواية "السفر إلى حيث يبكي القمر" تركيب قلق يشتمل على مزيج من تقنيات متداخلة السارد فيها البطل غالب والمسرود الحكائي حياته بدءاً من طفولته وانتهاء بموته حرقاً داخل السجن، وتكمن هويتها في عدم امتلاكها لهوية كون الرواية كيانا متناقضا ،قد يختلف القراء حول هذا المنجز السردي وأدواته التي تربط الاتصال بالواقع وتلامس قضاياه وتمد المتلقي بمفتاح قراءته فيصبح المتلقي مشاركاً وليس متلق فقط .
دفق نازف من خزان وجع إنساني ، تلمسته كاتبة تعي دورها وتمتلك أدواتها،شرّحت بسكينها لحم الواقع المهترئ بحساسية يقظة ، ورحلت بشجونها صوب عوالم الطفولة وضياع الحقوق وما يحيط بهم من قمع حد الوجع الذي يتحول فيه الإنسان لمشروع جرح يطل على أفق الألم والذاكرة المدماة.
يفتقد متلقي نص" سهى جلال جودت" لبطولة المكان التي أضحت معلماً وشخصية رئيسة من مكونات العمل الأدبي السردي الحديث، لولا رسوخ صورة "المغارة" في تأصيل وعي "غالب" بمحيطه السالب فهذا لأنها تريد القول أن من يختار قاع المجتمع ورائحته النتنة التي وظفت لها كدلالة "نهر قويق" الذي تحول مع الأيام إلى مياه آسنة ضحلة تفوح منها الروائح الكريهة التي أصبحت تؤذي مدينة حلب فذلك لأنها أرادت من خلال هذا الإيحاء الدلالي ربط معالم الفاجعة الطفلية بأي مكان آخر، فالمكان ظل شاغراً وربما يوحي هذا الشاغر بوجود شخصيات أخرى في أماكن أخرى عاشت معاناة البطل أو ما تزال تعيش.فهو الشخصية التي أخذت على عاتقها أن تبوح بما تراه وما تحس به ،فجاءت شخصية عالمة كلية المعرفة بعذابات كوامن الطفولة وإداركها لذاتها.
نص "سهى جودت" مدهش من حيث التقاطها لبؤر نفسية بعيدة مما يحتاج لوقفة محلل نفسي سيخرج بلا شك بدراسة قيمة فيما يتعلق بهذا الجانب ولدى استعراضنا لحالة غالب نلاحظ حركة الإدهاش التي قدمتها الكاتبة بتقنيات إبداعية لونية/ حراكية، فحين ذهب غالب لشراء سكين من سوق الجمعة عدَّل عن فكرته واشترى حمامتين واحدة سوداء والأخرى بيضاء وهي بهذا تشير إلى لونين هامين من ألوان الحياة كبديل عن الخير والشر.
ولما كان النص متداخلاً مع فضاءات كثيرة وخبرات للكاتبة لا يحصيها العد،عندئذ يصبح موضوع التناص أمر مفروغ منه، وهنا قد يلمس المتلقي خيط اشتباك بين رواية "سهى جودت" عنوانياً ومضمونياً وأسلوبياً مع رواية الكاتب السويدي"نيكلس رودستروم" في نصه "القمر لا يعرف"، وهذا لا يعيب فما ذاك الأسد إلا من تلك الخراف، وهو أمر أتمنى أن ينهض به أحد ، ليخرج لنا بدراسة تظهر مجال التناص بين العملين ويضيف جديداً للأدب المقارن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو