الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشكيل الحكومة وزيت العزوف المسمومة

أحمد الخمسي

2007 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


لا يمكن ادعاء الشيء قبل وقوعه. لكن، ما هو التعليق المناسب على موقف صدر من نفس القلم بداية يونيه الأخير، أي قبل ثلاثة أشهر من يوم الاقتراع، والمعنون بكون الانتخابات لن تفرز نخبة سياسية جديدة! إن التزام الملك بما أصبح يسمى بالمنهجية الديمقراطية، وفي حدود بنية الأحزاب، جعلت الأحزاب المطالبة بتطبيق المنهجية الديمقراطية تقلى في زيت محدودية المنهجية المتبعة من طرفها.

فالأسلوب التنظيمي الحزبي المتبع في فرز القيادات عندنا، لا يمس بالبنيات التقليدية للأحزاب. وهو أسلوب يكرس المركزية الشديدة، التي تترك في يد الأمين العام للحزب مطلق التصرف، في توزيع المناصب الحزبية وبالتالي، إعمال التفاوت في الحظوظ داخل الحزب، بناء على الصلة الوثقى من الأمين العام.

ناهيكم عن الطريقة الستالينية المعروفة، وهي تقوية الحزب وشحذ الوسائل الاحتياطية، للحفاظ على "وحدة الحزب"، وبالتالي التصويت على "الاختصاصات الاستثنائية" في يد الأمين العام لاستعمالها قصد تجنيب الحزب لحظة الانشقاق. فيصبح "التهديد" بالطرد السلاح المشهر في وجه كل من يتجرأ بالجهر على مخالفة الشخص الأول في الهرم التنظيمي للحزب.

وبناء على تكريس منطق الأبوة العائلية للشخص الأول في قيادة الحزب، تتعدد "التهم الجاهزة" لتجريم كل جرئ من موقع الاختلاف في التقدير. أما إذا استمر الاختلاف في تقدير موجبات الموقف، ف"النميمة" تصبح التلقيح المتجدد لتطويق المختلف. والحقيقة الموازية لهذا الأسلوب تبلور سريان سريرة النية الحسنة لدى المساهمين في نسج خيوط النميمة. مما يترك الحبل على الغارب في كيمياء تسمم النيات وتعفن العلاقات داخل الحزب المعني بالخلاف.

هذه العوامل الداخلية توجد الظروف المناسبة لقوى الدولة، قصد التدخل للاستفادة من المعطى التنظيمي للحزب. ويكون الهدف خلخلة الوضعية الحزبية العامة لتهيئة المقدمات المناسبة وتجميع أوراق التفاوض، بل لتعديل الخريطة الحزبية. مما ينفع في نقل الضعف الحزبي إلى خريطة الدوائر في التقطيع الانتخابي.

فيعمل القيمون على تدبير الحالة السياسية في دواليب الدولة على تبديد الكتلة الناخبة للمختلف مع القيادة الحزبية. إذ عادة ما يمزقون الدائرة الانتخابية حيث يملك التأثير، الشخص المختلف مع القيادة الحزبية. فيعيدون تشكيلها بتوزيع الدواوير أو الأحياء المناصرة له على دوائر مجاورة للخصوم السياسيين ليصبحوا فتاتا لا تأثير لأصواته بعد تعديل التقطيع الانتخابي. وقد قرأ المتتبعون للحالات الفاقعة من الخلاف مع الأمين العام لحزب من الأحزاب، تصريحات بئيسة من جانب المختلفين، ملخصها الاستنجاد بوزارة الداخلية، وجعل استمرار شرعيتهم السياسية في الحزب مدعمة بالدعوات الموجهة إليهم من طرف وزارة الداخلية...

وفي جبة الدولة سلاح "الملفات" التي يساهم المختص قانونيا بتحريك الدعوة العمومية في أمرها. إذ غالبا ما تتحرك مساطر الدعوة العمومية في الظرفيات السابقة للاستحقاقات السياسية الانتخابية قصد تحييد القوة المتراكمة في يد المختلف السياسي مع الأمين العام.

هذا الأسلوب ينقل مصير الحزب برمته، جهة القيادة وجهة المنشق، من الحلول الذاتية التنظيمية، عبر التفاوض والتوافق والتصويت، كأساليب ديمقراطية من الداخل، إلى حلول وزارة الداخلية ودواليب الدولة.

والقبول من طرف الفاعلين الرئيسيين بمنطق تدخل الدولة لحسم التناقضات الداخلية للحزب، قبول بتحييد مبدأ الديمقراطية في تدبير الحزب، وتعويضه بمنطق الرضى من طرف الدولة فقط والتوافق معها باستمرار، لتحديد توجه الحزب وسياسته.
وبالتالي، ينحو الفاعلون الحزبيون من تلقاء أنفسهم منحى انتهازي، عبر ادعاء إخضاع مواقف الحزب للمصالح العليا للبلاد. وهم بذلك يستبلدون الطاقات الحزبية ويشمرون عن سواعدهم للتنازع داخل الحزب لما يقلب غايات الصراع والتنافس من تحديد السياسات العمومية للحزب إلى الحرص على المنافع الشخصية والاجتهاد، تبعا لذلك، في التقرب من دواليب الدولة. مما يحول النسيج الحزبي إلى مجرد أدوات في يد أجنحة التقنوقراط والبيروقراط للدولة.

إن الضربات التي تتلقاها القضايا العادلة في المحيط الدولي للمغرب تجعل الدولة نفسها فاقدة لأوراق الضغط، عندما تحين مواعد التفاوض بصدد قضية وطنية ما. إن في الصحراء أو في المبادلات الاقتصادية أو في الاقتراض من المؤسسات المالية أو في صفقات أسلحة أو أية قضية تعتبرها الدولة مهمة لمراكمة عوامل الاستقرار والتنمية والتقدم.

هكذا تصبح الدولة بين نارين. بين النخب الحزبية التي تنتقل إلى عنصر أخطبوطي ينتقل من حالة الشرعية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إلى مبتز للريع السياسي بالاعتماد على تدخل الدولة لصالحها كما سبق في التقطيع الانتخابي وفي الصراع الحزبي. وبين الضغوط الخارجية.

وبالتالي تنتقل علاقات القوى من التنافس ومراكمة القيم المضافة بناء على قيم أصلية حية، كل من دوره واختصاصاته في النظام السياسي، ما بين قمة الدولة وقاعدة المجتمع، وفق ميكانزمات الإدارة والاقتصاد والعلاقات الدولية؛ إلى علاقات تبعية وتقاعس ووضع الذات رهن مراكز القوة في الدولة.

إن السيادة التي أصبحت في النظام السياسي الحديث للأمة بناء على سيادة الشعب، تسري في البلدان المتخلفة بناء على التبعية المستديمة لمراكز دولية. في الوقت الذي تتسع دوائر الشفافية ويتفتت نظام احتكار المعلومة السابق. مما يوفق تعميم عوامل السلطة التقديرية للظرفية ولموازين القوى، بين عموم السكان.

هؤلاء السكان، في ظل النظام الإعلامي الجديد يتحولون، من ذات الوضع الدولي إلى مواطنين واعين بأدق الحيثيات. بينما تستمر النخب الحزبية في اتباع "المنهجية التقليدية" في السياسة الحزبية. أو لنقل أنها تنتقل نحو الشكل الردئ من المطاوعة مع مستجدات العولمة، بكيفية تحيلها إلى بنية عمودية في العلاقات وفق ثنائية تقليدية: الأعيان والأعوان. وفي أفقع المواقع المحافظة إلى إقطاع وأقنان.

وفي الحالة التي يعجز فيها المواطن عن زعزعة الحرس القديم من مواقع السلطة والمال والجاه، لا يملك غير العزوف أو وضع الورقة الملغاة في الصندوق إن وجد نفسه موضوع ابتزاز انتخابي.

إن أخطر ما يمكن أن تسقط فيه الدولة، هي الحلم بإعادة صناعة السياسة الداخلية وفق "المنهجية الحسنية". التي اعتمدت على مرحلة دولية، استطاعت أن توهم بها الناس على أن المخزن مهدد بثلاث أطراف: العدو الشيوعي!والعدو الغربي الاستعماري! والعدو الداخلي ذي الأفكار المستوردة تارة من الشرق الملحد وتارة من بقايا الاستعمار.

إن الحالة التركية التي قدمت نموذج الحزب المحافظ بديلا لكل النخبة اللبيرالية واليسارية المترهلة، ضمنت منذ 2007، تجدد الإدارة الاقتصادية مما رفع معدل النمو وقوى حقنة السيادة الشعبية، عبر صناديق الاقتراع. وبالتالي، اعتمد الترك ميكانزما متناقض المفعول؛ لكنه لفائدة التقدم التاريخي لتركيا على طريق الاندماج الفاعل في العالم الجديد.

وبالتالي، في تركيا كما في إيران، نجد المصالح الليبرالية الحقيقية، تعتمد مبدأ السيادة الشعبية الصلبة أرضية ثابتة لتقوية سيادة الأمة ضمن الاندماج الايجابي الفاعل المنتج، بكرامة وحرية. بدل التواطؤ على التمديد المسمم للجسد في عمر نخبة تقليدية.

إن الاستجابة لإطلاق دينامية المجتمع وفتح الباب أمام من يمثلونه مرحليا، هو الطريق السالك الوحيد لضمان المشاركة. أي لضمان تجديد صلاحية الدولة لتمثيل سيادة الأمة.

فقناعتي الشخصية اليسارية تستند على مبدأ السيادة الشعبية كقوة كامنة للفعل السياسي من طرف الدولة. ولا محتوى لسيادة الأمة بلا دور حقيقي لسيادة الشعب. وقناعتي الشخصية كيساري تستند على المنهجية ديمقراطية طريقة علمية في فرز الممثل المطابق لحالة الوعي التي يتملكها الشعب في لحظة من لحظات تاريخه.

وقناعتي الشخصية كيساري تضعني جزءا من الشعب المحلي يسعى لتطبيق منطق التوافق والتفاوض والاقتراع، أساليب ديمقراطية لأضمن استمرار وجودي كأقلية ضمن النظام السياسي الديمقراطي، الذي يبقى من حق الشعب وحده أن يفرز أغلبيته المرحلية. بلا خوف. لأن نفسية الخوف تفرز الإرادة الاستئصالية في مراكز القوة وسلوك العزوف في مراكز الضعف.

إن تجديد النخبة ولو أبرزت تيارا محافظا (حالة تركيا)، أقل خسارة من التمديد في عمر النخبة المترهلة ولو كانت تقدمية (حالة لبنان). لأن الشعب يربح حرية اختياره عبر التصويت السري الحر في صندوق الاقتراع. فتترسخ تقاليد المشاركة السياسية قاعدة للاستقرار.

هل ألعب لعبة أمريكا؟ إن المناهضين لصعود النخبة المحافظة يلعبون بالعللالي لعبة أمريكا. لكن الخسارة التاريخية هي تعميم اليأس بين الشعب وترسيخ موقفه المناهض للسلطة طيلة جيل أو جيلين. والعزوف من أبشع مؤشرات السياسة المفلسة للدولة ("ممثلة" سيادة الأمة) وللنخبة ("ممثلة" سيادة الشعب) معا.

إن جسد الحكومة المقبلة لن يسلم من المفعول السلبي لزيت العزوف المسمومة. فقد تظهر عوارض الأنيميا وألم المفاصل الوزارية في الجسد الحكومي المقبل.

لذلك، ليس من العبث المطالبة بالنظر الآن في التعديلات الدستورية لتصويب المسؤوليات ولتقوية الأمل في التغيير السياسي. كترياق أولي لمواجهة التسمم الذي تركته الانتخابات التشريعية الأخيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: غانتس اختار أن يهدد رئيس الوزراء بدلا من حماس


.. انقسامات داخلية حادة تعصف بحكومة نتنياهو وتهدد بانهيار مجلس




.. بن غفير يرد بقوة على غانتس.. ويصفه بأنه بهلوان كبير


.. -اقطعوا العلاقات الآن-.. اعتصام الطلاب في جامعة ملبورن الأست




.. فلسطينيون يشيعون جثمان قائد بكتيبة جنين الشهيد إسلام خمايسة