الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات أولية حول إعداد الدستور العراقي

فاخر جاسم

2003 / 10 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



   يمر العراق الآن في حالة استثنائية بعد مرور ستة أشهر على سقوط الدكتاتورية حيث ما زال الإرث الثقيل الذي خلفته الدكتاتورية، ماثلاً للعيان، وتواجه مهمة تصفية مظاهر الدكتاتورية صعوبات هائلة. إن هذا الأمر يفرض على القوى السياسية وتنظيمات المجتمع المدني الناشئة حديثاً التي تسعى إلى تجاوز الحالة الراهنة ، اتخاذ مواقف عقلانية بعيدة عن التحزب والتعصب واستغلال الظرف الإستثاني للحصول على مكاسب فئوية ضيقة، كما حدث بعد سقوط الدكتاتورية، حيث أدت سياسة التفرد وجني المكاسب الحزبية الخاصة إلى استمرار الفراغ في السلطة لأكثر من ثلاثة أشهر.
 انطلاقاً من الاعتبارات أعلاه، نحاول طرح بعض الملاحظات، مساهمة في النقاش الدائر في الوسط السياسي والفكري العراقي، حول الدستور وكيفية إعداده.
  يحدد فقهاء القانون الدستور بأنه "  مجموعة القواعد القانونية التي تحكم المجتمع والتي تعبٌر عن تطوره الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والروحي، في مرحلة من مراحل التطور "   
 وعلى ضوء هذا التعريف ينظر إلى وثيقة الدستور باعتبارها أهم وثيقة قانونية ـ سياسية  يبنى عليها كامل النظام القانوني والحقوقي في البلد، نظراً لأنها تحدد الملامح الرئيسية لبناء الدولة والمجتمع وسير تطورهما اللاحق. وتشير تجربة البناء الدستوري للكثير من البلدان إلى  أن إعداد هذه الوثيقة يجب أن تتم بعناية وتشترك فيها كافة الشرائح السياسية والقومية  والدينية والطائفية والاجتماعية ، لكي يعبر الدستور عن مصالحها المشتركة من جهة،  ويضمن عدم التعدي عليها وخرقها لاحقاً من جهة أخرى.
 وبناءً على ذلك تحتل طريقة ضمان المصالح  المشتركة لمختلف مكونات المجتمع، المشار إليها أعلاه، أهمية  أكبر من كيفية إعداد الدستور، خاصة في الظروف الاستثنائية التي يمر بها المجتمع العراقي. ولذلك يعتبر مبدأ التوافق من أهم المبادئ التي يجب اعتمادها عند إعداد الوثيقة الدستورية، حيث لا يوجد طريق آخر سواه يضمن حقوق الجميع في الظرف الاستثنائي الراهن، خاصة وأن جميع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني تتفق على مجموعة من المبادئ العامة التي يبنى عليها الدستور العراقي المرتقب وأهمها:
  ــ احترام حقوق الإنسان الأساسية التي جرى تثبيتها في العديد من الوثائق والعهود الدولية ومن أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، العهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،  والحقوق المدنية والسياسية 1976.
  ــ تحديد شكل الدولة العراقية ـ فدرالية ، لا مركزية.
  ــ إقامة نظام ديمقراطي يقوم على احترام التعددية الفكرية والسياسية ويشدد على أسلوب التداول السلمي السلطة.
  ــ الفصل الدقيق بين السلطات الثلاث ـ التنفيذية والتشريعية والقضائية .
  ــ تحديد العلاقة بين مؤسسات الدولة المختلفة والمواطنين.

  بعض المقترحات حول  سير عملية إعداد الدستور:

   أولاً، تكوين لجنة من قبل مجموعة من أساتذة القانون والحقوق والإدارة والسياسيين ، تقوم بإعداد مسودة الدستور تشرف عليها لجنة اعداد الدستور التابعة لمجلس الحكم.
 ثانياً، تقوم لجنة إعداد الدستور بدراسة مسودة الدستور وعرضها على مجلس الحكم.
ثالثاً، يقوم مجلس الحكم بالدعوة إلى عقد مؤتمر دستوري موسع ، يتكون من ممثلي القوى السياسية الممثلة بمجلس الحكم وكذلك القوى والأحزاب السياسية غير الممثلة بمجلس الحكم بالاضافة إلى عدد من المراجع الدينية وممثلي منظمات المجتمع المدني ـ النقابات العمالية والمهنية والثقافية ـ وممثلي الوحدات الإدارية. يضاف إلى ذلك مجموعة من فقهاء القانون والحقوق.
 رابعاً، تعرض مسودة الدستور بعد إقرارها من المؤتمر الدستوري على الشعب لمناقشتها عبر وسائل الاعلام.
 خامساً، تعرض التعديلات المقترحة من المواطنين على المؤتمر الدستوري لإقرار الصيغة النهائية لمسودة الدستور.
  سادساً، إجراء استفتاء شعبي لإقرار مسودة الدستور.

  ولتلافي الخلاف حول كيفية تشكيل المؤتمر الدستوري ، الانتخاب أو التعين، يمكن التوصل إلى توافق وطني ، يتلخص بإمكانية عرض الدستور على البرلمان العراقي المنتخب للتصديق عليه. علماً أن اختيار المؤتمر الدستوري، أسلوب أثبت نجاحه في الكثير من البلدان التي مرت بظروف استثنائية مشابه لحالة العراق الراهنة، حيث تواجه عملية انتخاب المؤتمر الدستوري صعوبات كبيرة، نظراً لانعدام المستلزمات الفنية والعملية وكذلك ضعف الوعي الديمقراطي الشعبي ، الناتج عن غياب الممارسة الديمقراطية لمدة تزيد على أربعة قرون.
   ختاماً ، على القوى والأحزاب السياسية العراقية الاستفادة من التجربة العملية بعد سقوط الدكتاتورية، حيث أدت الخلافات في وجهات النظر وسياسة الاستئثار والتفرد وتفضيل المصالح الحزبية الضيقة، عند البعض، إلى استمرار الفراغ في سلطة الدولة لأكثر من ثلاثة أشهر، الأمر الذي أدى إلى تفاقم المشاكل ، ومن أبرزها استمرار حالة عدم الاستقرار الأمني لحد الآن،  وتأخير الجهود لإزالة آثار الدكتاتورية. لذلك يجب التأكيد على أهمية التوصل إلى توافق وطني حول الدستور وكيفية إعداده ليتم أجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية وتشكيل حكومة وطنية منتخبة تنقل إليها السيادة الوطنية الكاملة لينتهي احتلال العراق بأسرع وقت ممكن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصة قتل مو?لمة والضحية الشاب باتريك.. ???? من القاتل؟ وما ال


.. لا عيد في غزة.. القصف الإسرائيلي يحول القطاع إلى -جحيم على ا




.. أغنام هزيلة في المغرب ومواشي بأسعار خيالية في تونس.. ما علاق


.. رغم تشريعه في هولندا.. الجدل حول الموت الرحيم لا يزال محتدما




.. لحظات مؤلمة.. مستشفيات وسط وجنوب غزة تئن تحت وطأة الغارات ال