الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة الاقتصادية في سورية : من أزمة عجز مالي إلى مشروع ليبرالي مشوه

عمار ديوب

2007 / 10 / 10
الادارة و الاقتصاد


وصلت البرجوازية السورية الجديدة "الدولتية" إلى لحظة التحوّل الكامل من رأسمالية دولة إلى رأسمالية التجار . وبدأت العودة إلى الاندماج بالاقتصاد العالمي الامبريالي إندماجاً كاملاً لا عودة عنه. وباعتبار هذه الطبقة لا تزال تحكم ، فقد كان عليها ، ومن مصلحتها ، هي بالذات إصدار القرارات الليبرالية التي تشرّع لها هذا التحوّل. ومع بدأ هذا التحوّل تمظهرت أزمات اقتصادية واجتماعية متعددة.
التحوّل الليبرالي يطال كل بنية الدولة والمجتمع والفرد حيث يتم تهشيم الدولة إقتصادياً لصالح سلطة سياسية تحتمي بأجهزة أمنية . وبالتالي يتم التخلي عن كل مؤسسات الدولة إلا ما يؤمن تكاليف تلك الأجهزة والعلاقات الدبلوماسية وغيرها . لذلك تشهد الدولة تازماً فاضحاً وواضحاً في كل المؤسسات الصناعية أو في إطار التعليم أو الطبابة أو السكن أو بقية القطاعات. وعكس ذلك تشهد الأوساط التجارية ثراءً فاضحاً وواضحاً في كل أعمالهم الخارجية أو الداخلية .المجتمع كذلك تسوّده العلاقات السلعية والاستهلاكية الفاسدة . وأما الفرد فهو لا يفكر في إي مشروع جماعي وإنما فقط بشكلٍ فردي ولصالحه الشخصي ويمكن أن يسخّر الآخرين خدمةً لتحقيق مصالحه دون وازع أخلاقي بل ويعتبر ذلك ذكاءً ، قد يُثنى عليه من أسرته ومن المجتمع .
الرأسمالية الخاصة يتعزز دورها المحلي بشكل مستمر في كل ميادين المجتمع ، ليس إقتصادياً فقط بل وسياسياً وإجتماعياً ولكن بالتحالف والشراكة مع الرموز الأساسية في السلطة دون أن تتخلى أوساط السلطة عن مشروعها الخاص في الليبرالية وكذلك الفئات البرجوازية خارج السلطة لها مشروعها الليبرالي الخاص . وبالتالي لا يمكن فهم التحول الليبرالي إن لم نلاحظ ما سبق ، وهو ما يميّز ليبراليتنا المحلية.
الفساد والنهب والتهريب والتهرب الضريبي والهدر والبيروقراطية والروتين عوامل أساسية في نهب خزينة الدولة وإهتلاك البنية الصناعية على مدى عقود مضت . وبالتالي لم يعد ممكناً في ظل هذه العوامل إلا الاستمرار في تدمير بنية الدولة وكل ما تبقى من مشروع الأمس ، مشروع الدولة المحلية إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً . ومشمولاً بالتدمير ، ما يُعطى للفقراء من دعم لرواتبهم أو حياتهم بصورة عامة .
وبالتالي قرار رفع الدعم عن مشتقات النفط هو قرار ليبرالي تبدأ به السلطة – وتستفيد منه وتدعمه قطاعات برجوازية متعددة من السلطة وخارجها- الهدف المعلن منه ، تأمين العجز في خزينة الدولة . ولكن ، وهنا المشكلة، على حساب معيشة الفقراء . وازديادهم فقراً وجوعاً وحرماناً. خيار السلطة المشار إليه هو خيار لا يُناقش الخيار القادر على تنمية حقيقية تستند إلى مشاريع صناعية كثيفة التشغيل وسياسة اقتصادية وسياسية ، تأخذ مصالح الكل الاجتماعي ولا سيما مصالح الأكثر فقراً .
تزَامنَ قرار رفع الدعم مع بدء العام الدراسي ومجيء رمضان فارتفعت الأسعار على الإشاعات والتي لم تكن إشاعات لأنها صدرت عن جهات ممثلة للدولة . فتحولت أوضاع المواطنين سوءاً ما بعده سوء . ولا أجد وصفاً يليق بكثرة ذلك السوء .
الجدير التنبه إليه أن أوضاع المواطنين على كل المستويات أصبحت في الحضيض وقدراتهم الشرائية تراجعت بشكل مخيف ولكن كل ذلك كان قبل رمضان وسيستمر بعده . لان ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة نتيجة التضخم الذي هو بسبب السياسات الاقتصادية والسياسية الحكومية في العقود السابقة ونتيجة السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة . حيث غلاء أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية وأسعار أجار السكن وأسعار العقارات وتراجع أوضاع التعليم والصحة والخدمات العامة .
هذه الطبقة ، ذات مصلحة بالانخراط في الاقتصاد العالمي الامبريالي ، وتحويل نفسها إلى طبقة تجارية ، ولذلك أصبح الفقراء من الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء ، عبئاً ثقيلاً عليها . وبالتالي صار لا بد من التخلص منهم . الوصفة السحرية لذلك هي برنامج صندوق النقد الدولي ، الذي هو هو برنامج اقتصادي تمييزي ضد الفقراء بالمطلق . وضد أية تنمية صناعية أو أي دور اقتصادي للدولة لصالح الفقراء . المفارقة أنّه هو بالتحديد الذي عقدت حكومتنا العتيدة الأمل عليه والاتفاق معه من اجل تقديم دراسات بملايين تماثل قيمة الدعم على حد قول أحد الاقتصاديين السوريين ، هدفها تحويل الاقتصاد السوري ليبرالياً وهو ما توقعن في الخطة الخمسية العاشرة والتوجهات الليبرالية ورفع الدعم وتراجع الخدمات .
طبقتنا الجديدة بعد أن اكتملت دورة تطورها وخلقت طبقاتها الفقيرة ، لم تعد تهتم لا بالإنتاج الصناعي ولا الزراعي وأصبح هدفها الوحيد إرساء أسس اقتصاد الخدمات والعقارات والبنية الليبرالية العامة وهو ما عُمل له في السنوات السبع الماضية وتحديداً السنوات الثلاث الأخيرة ، أي سنوات الإصلاح الاقتصادي.
وبالتالي ارتفاع أسعار مشتقات النفط يعني بكلمة واحدة تحصيل الأموال لخزينة الدولة ولكن ، وهو الخطير ، ارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي والصناعي . وباعتبار الصناعة والزراعة غير مدعومة فهي لن تستطيع التنافس في الأسواق وبتحقق –الرفع- تكون الزراعة قد توقفت تماماً وكذلك الصناعة . والسؤال هل يمكن للمزارعين أن يزرعوا وينتجوا بأقل من التكلفة . وهل يمكن للصناعي أن يبيع بضاعته بأقل من الكلفة، حكماً لا. وبالتالي النتيجة انهيار كامل لطبقتين اجتماعيتين بآن واحد. علماً أن الزراعة بالتحديد والحيوانات في كل دول العالم . وتحديداً في أمريكا واليابان وأوربا تعتبر قطاعات مدعومة ولم يطالها حتى الآن الكلام عن الخصخصة أو إعادة الهيكلة رغم هيمنة الرؤى الليبرالية الجديدة في تلك الدول. والسؤال إذا ما توقفت الزراعة والصناعة . ما الذي يبقى مُنتِجاً في الاقتصاد السوري ؟ أليس التجار فقط ؟ فهل كل السورييّن تجار؟
إذن ، ما الذي تفعله حكومتنا العتيدة-الممثلة عن طبقتنا الجديدة - إنها تفعل شيء وحيد ، هو الاندماج بالاقتصاد العالمي الامبريالي العولمي والخضوع لصندوق والبنك الدوليان ومنظمة التجارة العالمية والشركات المتعددة الجنسيات .
ومن هنا كانت قرارات تخفيض الضرائب للأثرياء وإصدار مراسيم وقوانين ليبرالية بالجملة وتحرير الأسعار والسماح بإنشاء البنوك الخاصة والدولية وإطلاق مشروع الأسواق المالية والبورصة وغيرها.ويأتي مشروع رفع الدعم بمثابة بوابة عبور رقمية نحو إعادة هيكلة الاقتصاد اقتصاداً ليبرالياً جديداً بكل معنى الكلمة.
المواطنين الذين طردتهم الدولة من قراهم أو مدنهم بعد أن تجاهلتهم طويلاً ، فلم يجدوا عملاً إلا في المدن الكبرى ، وبمجيئهم إليها ، لم يستطيعوا شراء سكن نظامي ، فسكنوا الضواحي و عددهم يزيدوا عن سكان المدن ؟!. وإمعاناً في إهانة الناس . ومن اجل تحصيل الضرائب ، تم رفع تسعيرة الكهرباء والماء ، وكأن السوريين يعيشون في الصحراء . وإن تجاوزا التسعيرة المخصصة للصحراء عليهم أن يدفعوا التسعيرة المرتفعة للكهرباء وكأنهم يعيشون في واشنطن والحقيقة أن أغنيائنا يعيشون عيشة سكان واشنطن ، وهم لن يتأثروا كثيراً بذلك الرفع . ولتأمين مصالح أثريائنا الجدد بدأت عملية تدمير طالت كثير من المنازل في المناطق المخالفة في الأشهر السابقة. وقد شهدت تلك العملية مظاهرات ومواجهات مع الدولة ، التي سارعت لتنفيذ هدم المنازل تحت حماية قوات حفظ النظام وإطلاق القنابل المسيلة للدموع ولا سيما في منطقة السوق والزبلطاني وفي كفر سوسة وفي أماكن أخرى ومدن أخرى . والمشكلة أن هؤلاء – الفقراء- وضعوا أحلامهم في ذلك المنزل – المخالف- وباعوا كل ما يملكون من أصول عقارية من أجل السكن؟! الذي هو من الحاجات الأساسية للمواطنين كاللباس والأكل والشراب والعمل والتعليم والطبابة.
السؤال الذي يفرض نفسه . أليس من الضروري قبل تنفيذ الهدم تأمين السكن المواطنين – إن كانوا مواطنين- وكذلك لفقراء سوريا .ثم هل من الممكن لمن يسكن في كفر سوسة أو منطقة السوق أن يسكن في الحسينية . هذه الأسئلة لن يسألها أثريانا الجدد ، فهذه الفئات زائدة عن الحاجة؟!
قليل من الانتباه ، الناس لهم كرامات وليسوا أولاد زنى ، احتجاجات اليوم هي بروفات لمظاهرات أكبر وهذا ما سيكون له دور جديّ في إيقاف التحولات الليبرالية.
تحقيق الوفورات المالية لخزينة الدولة أمر ممكن ويتم عن طريق فرض ضرائب على الدخول العالية والأرباح وعبر سياسات تنموية اقتصادية وإيقاف التهرب الضريبي والفساد والنهب من خزينة الدولة وهو حل يمكن أن يستمر لسنوات قليلة ولكن لا بد منه كضرورة للتنمية الاقتصادية حتى يتم التخلص من العجز لاحقاً . وأما سياسة رفع الدعم فلن تؤدي إلا إلى إيفاء جزئي للعجز والسير بطريق التحول الليبرالي والأزمات الاقتصادية والاجتماعية ومنها مجدداً العجز المالي كما حدث في بلدان أخرى.
هذه القضايا مجتمعةً وغيرها بالعشرات، تعمل الحكومة على الإسراع في تنفيذها ، أو السير بها . وبالتالي ، التحول الليبرالي ، ليس من صنف تحولات القرن السابع عشر أو الثامن عشر تحتمل بداخلها ثورة صناعية أو توحيد للسوق القومية مثلاً بل هو عملية اقتصادية ذئبية تعطي للقطاع الخاص _الممثل من أثرياء قدماء وأثرياء جدد- كل الاقتصاد وتحصر الدولة بوظائف أمنية وسياسية و تكون الأخيرة في خدمة الأولى وتدمير كل ما تراكم في السنوات الخمسين الماضية . وربما بيعها في المزاد العلني أو إرسالها إلى غرف المتحف الوطني!
الاقتصاديون السوريون والصحافة المحلية وجزء من النقابيين والصوت المنتمي والمتمرد من الشعب لعبوا دوراً هاماً في مناهضة هذا التحرير الاقتصادي وتأجيل رفع الدعم ولكن لم يوقفوا ارتفاع الأسعار وزيادة التمايزات الطبقية.وهو ما يحتاج لنضالات متلاحقة وبأشكال أكثر تعدداً..
الطبقة البرجوازية الجديدة ، تستأنف طرق تدعيم سيطرتها الطبقية ، وتحاول دمج نفسها في عالم التبعية للامبرياليات العالمية ؛ الذي قُطع جزئياً بعد الثورات التحررية وأُعيد إلى سابق عهده ابتدأً من السبعينيات . وهو ما رافقها الاستمرار في إفقار الغالبية العظمى من السكان ، والتخلي عن الخدمات الاجتماعية ، ورفع كل أنواع الدعم على الدخول أو الصناعة أو الزراعة ، والاستمرار في تغييب الحريات العامة، وطرح مشروع سياسي إقصائي عن طريق توسيع الانتهازيين في الجبهة ، وعدم حل المسألة الكردية حلاً يضمن حقوقهم الثقافية والاجتماعية ضمن الدولة السورية ، وإبقاءها نار ملتهبة بين العرب والكرد وبقية قوميات سوريا.
في الرؤية الواحدة ، ليس من توجه ، منفصل عن توجه آخر . وبالتالي الطبقة الجديدة ، تسيّد رؤية وبرنامج وسياسة كلية تطال كلية المجتمع ، وهو ما يستدعي توجه ورؤية وبرنامج وسياسة كلية تخالف وتصارع المشروع الليبرالي . ويكون المشروع البديل مشروع يحقق مصالح كل فئات المجتمع باستثناء الفئات السائرة نحو الاندماج في الاقتصاد العالمي أو السياسة الامبريالية العالمية وأن يستهدف التنمية الاقتصادية والسياسة والاجتماعية والبيئية والبشرية التي هي هي هدف المشروع البديل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024


.. تضرر الأوضاع الاقتصادية في القدس الشرقية بعد -7 أكتوبر-




.. تراجع كبير في سعر الدولار والذهب يسجل 3190 جنيه عيار 21


.. سعر جرام الذهب عيار 21 يسجل 3180 جنيها فى التعاملات المسائية




.. كلمة أخيرة - المشروعات الصغيرة والمتوسطة عمود الاقتصاد في مص