الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قبل اختفاء الحضارة
محمد بن سعيد الفطيسي
2007 / 10 / 10الارهاب, الحرب والسلام
لقد بات الحديث عن السلام والاستقرار والهدوء في العالم , أشبه بالحديث عن قصص الأساطير الميتافيزيقية والخيال العلمي , وليس ذلك من باب المبالغة في القول , أو تهويل الأمور , أو سوداوية الطرح , ولكنها الحقيقة المرة التي لابد أن تتعامل معها البشرية بكل عقلانية وتمعن وصراحة , آخذتا بالاعتبار ما يمكن أن يترتب على هذا الجنون الحقيقي الذي تنزلق إليه البشرية قاطبة , من خلال انسياقها وراء تيارات الفوضى والعنف والقتل والإرهاب , والذي بدوره سيؤدي بما تبقى من العقل إلى أتون الحرب والموت الجماعي وانقراض البشرية , وانهيار ما تبقى من حضارة إنسان هذا العصر, الذي فقد مع ذلك الجنون قدرته على الحياة والبقاء والاستمرار , وكما يقول مالرو فان ( حضارتنا هي الأولى في التاريخ , التي إذا طرح السؤال الأهم عليها , وهو " ما معنى الحياة ؟ " أجابت :- " لا اعرف " 0
فهل حقا إن إنسان هذا العصر سيشهد السيناريو الأخير لدمار الحضارة وانقراض البشرية ؟ وان العالم بتصرفاته الجنونية هذه , يقف على مشارف أبواب عصور حجرية جديدة ؟ هذا ما سنحاول التعرف عليه من خلال هذه القراءة النقدية المختصرة لبعض الحقائق الصعبة والتصورات المخيفة , والتي باتت تدق ناقوس الخطر بنهاية مأساوية للعالم والإنسان وما تبقى من الحياة والحضارة , ولتكون في الجانب الآخر صرخة استغاثة نطلقها ونحن نشارف على انقضاء العقد الأول من القرن الحادي والعشرون , فلعلها تجد آذان صاغية وقلوب واعية وعقول متعقلة بما يختبئ خلف أكمة الجنون المنظم والفوضى في مختلف جوانب الحياة , والخوف الذي بات مسيطرا على البشرية قاطبة في كل أنحاء العالم , وإلا فـان التاريخ سيذكرنا ( على أساس أننا الجيل الذي رفع إنسانا إلى القمر , بينما هو غائص إلى ركبتيه في الأوحال والقاذورات )0
فما هي لحظات الجنون تلك التي اعتبرناها – من وجهة نظرنا الشخصية – ابرز ملامح الانهيار والسقوط إلى حضيض الإنسانية والمدنية ؟ وهي ما نتصور بأنها ستكون أداة الانتحار الحضاري والجماعي لإنسان القرن الحادي والعشرون ؟ فبداية وعلى رأسها , نلاحظ فقدان هذا الكائن لإيمانه بقيمته ومكانته الحيوية في هذا الكون , وهدف خلقه وسبب وجوده وإيمانه بأهمية هذه الحياة , لدرجة أن يسعى بنفسه من خلال العديد من تصرفاته الخارجة عن المنطق والأخلاق والإنسانية إلى قتل نفسه وتدمير حضارته , وحصرها في زاوية ضيقة من الغايات والأهداف الظلامية التي سعى إليها بكل الوسائل الشيطانية , وكما يقول البروفيسور رينيه دوبو , عالم البيولوجيا الشهير :- ( من أن الجذور العميقة للقلق موجودة في البنية النفسية للفرد , كل فرد من أفراد هذه المجتمعات , واكبر مشكلة حادة في الحياة المعاصرة , هي في الغالب شعور الإنسان بان الحياة قد فقدت معناها , فالمشاعر الدينية والتقاليد الاجتماعية القديمة تنخرها المعلومات العلمية , وسخافة الأحداث العالمية الباطلة , وبما أن فكرة الإله كانت ترمز لوحدة الكون بمجموعة - الخلق والمخلوقات – لذلك يبقى الإنسان الآن بدونها كسفينة بلا مرساة ) , تتقاذفها الأمواج العاتية في كل الجهات , فلا يجد حينها من وسيلة للتخلص من ذلك الضياع والانهيار والألم , سوى الجنون أو الانتحار , وهو ما عليه إنسان هذا القرن الذي فقد فيه الإنسان أغلى ما لديه , - ونقصد – نفسه وإيمانه بان لحياته هذه قيمة ومكانة لابد أن يحافظ عليها ويصونها من الدمار 0
وإلا فما يعني أن يسعى إنسان هذا القرن نحو اقتناء أدوات القتل والفتك الجماعي , - ونقصد – الأسلحة بمختلف أشكالها وأحجامها , وعلى رأسها الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية , تلك الأسلحة التي لا فرق بين استعمالها أو التخلص منها في قاع البحار أو المحيطات , ففي كلتا الحالتين ستكون سبب في هلاك الكائنات الحية وانقراضها , فمن موجة حرب الطولاريميا وهو توكسين ميكروبي يوضع في الأنهار فتموت مدن عن بكرة أبيها , إلى قنابل الهيدروجين والنتروجين المدارية , التي توضع وتطلق من الأقمار الصناعية والتي بدورها توجه بأزرار اليكترونية من الأرض فتغرق قارات بأكملها , ( وفي الطريق قنبلة الكوبالت , وقنبلة النيترون هذه التي يمكن لها أن تشق الأرض إلى نصفين مثل البرتقالة , أو تنثرها أجزاء فتتحول الأرض حينها إلى سحابة من الحصى , تسبح في الفضاء ) , وغيرها الكثير من تلك الأدوات والوسائل التي لا تحتاج إلى شجاعة وفروسية من اجل استعمالها , فهي بكل حق أدوات الفناء والقتل الجماعي التي صنعها الإنسان في هذا السباق العالمي المحموم نحو الجنون والموت , وما تخفيه باطن الأرض من تلك النعوش , اكبر بكثير من حقيقة أن الأسلحة النووية المعلنة وحدها , قادرة على تدمير الكرة الأرضية لأكثر من 12 مرة بشكل متتالي 0
هذا من جهة , أما من جهة أخرى , فإننا نجد عالم إنساني متمزق بين مادية مرهقة للفطرة , وطغيان علمي مزعوم أصاب النفس بالقلق والغربة والضياع , ومشاكل وتحديات لا حصر لها في شتى مجالات الحياة , وحضارة بلا أخلاق , تفتك بها فوضى العلاقات الجنسية والجريمة ودلالات التمييز العنصري , والنزاعات الطائفية والنعرات الدينية والعرقية والقومية , وتدهور الحرية وكرامة الإنسان وأخلاقه وميوله الفطري وتفاقم التفاوت وعدم المساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية , وغيرها الكثير من أشكال التفسخ والانحلال الحضاري , ( لذلك كان جيمس سجالنجر مصيبا بنحو لا يقبل الشك عندما توصل في عام 1992 م , إلى أن النظام العالمي المستقبلي , سترسمه سياسة القوة والصراعات القومية والتوترات العراقية ) وأضاف على ذلك احد أهم المنظرين في القرن العشرون - ونقصد – زبغنيوبريجنسكي , احتمالية استخدام أسلحة الدمار الشامل في مرحلة ما ضمن دوامة العنف العالمية الجيوسياسية المستقبلية0
لذلك فان العالم باستمراره على هذا الجنون العالمي المنظم , مقبل على سنوات من الرعب والخوف أكثر بكثير مما مر عليها إلى الآن , والدليل واضح في ما حدث ويحدث في أنحاء عديدة من الأرض , فهاهو الشرق الأوسط على سبيل المثال لا الحصر تتنازعه الخلافات الطائفية والمذهبية والقومية , والتي تولدت من مخلفات النظام الاستعماري الغربي الذي جر دوله إلى التفرقة والتناحر في مراحل عديدة من التاريخ , هذا بالإضافة إلى انتشار العنف والفوضى والإرهاب , وفقدان التوازن في كثير من نواحي الاستقرار السياسي والاقتصادي والصناعي والاجتماعي والثقافي , وغيرها العديد من نواحي الحياة المدنية والعسكرية , والتي كانت نتاج طبيعي لسنوات من التدخلات العالمية في أنظمة حكمها وسيادتها الوطنية واستقلالها الذاتي , مما ينبأ بمخاوف حضارية ومدنية لا حصر لها انطلاقا من هذه النقطة الساخنة من العالم , فهي الفتيل الذي أشعله الغرب بيديه في سعيه نحو الحصول على براميل النفط الشرق أوسطي وثرواته وخيراته , ليحرق به نفسه والعالم من حوله , فأسهل ما يمكن أن نصف به الشرق الأوسط في هذه السنوات , بأنه قنبلة موقوتة توشك على الانفجار0
هذا بالإضافة إلى صراعات الدول الكبرى نفسها على الهيمنة والسيادة الدولية والكونية , والتي توشك أن تشعل حرب عالمية رابعة , فها هي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا على سبيل المثال , تعودان من جديد إلى أيام الحرب الباردة وفوضى السياسات العسكرية , وما يتبعها من أشكال النزق إلى استعمال بعض وسائل التأجيج وعرض العضلات في مختلف أرجاء العالم , وخصوصا في المناطق ذات البعد الحيوي الجيواستراتيجي والجيوبوليتيكي , والبحث عن أسلحة جديدة ومتطورة أكثر فتك بالإنسان وتدمير للحضارة , وأوربا التي لم تتوقف عن التأمرك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية , في اقتصادها وتقاليدها السياسية , بحيث حولتها إلى شبح مخيف ولد من اقتصاد السوق الخالي مـن الضوابط الأخلاقية والاعتبارات الإنسانية , بحيث أصبح المال هو المحرك والهدف الوحـيد للحياة بها , على حد تعبير الأستاذ والمفكر الفرنسي روجيه غارودي , والذي بدوره يولـد نظام مملكة المال , والفساد , وأيضا العنف , ( وهذا هو ما يجمع المجموعة الأوربية من روما إلى ماستريخت , فيما وراء التناقضات الظاهرة بين الشركاء المتنوعين , - انجلترا والقارة مثلا – الهدف النهائي المشترك , وهو تخطي كل عقبة بالحركة الحرة لقوانين السوق , وبصفة خاصة الإجراءات الدولية , - بحيث – يريد بعضهم أوربا موحدة قوية لأنها تهدم سلطات الدول التي تعتبر عقبات للمنافسة والسوق الحرة , ويخشى البعض الآخر , كما قال جون ميجور في ماستريخت باسم انجلترا :- أن يعرقل البرنامج الاجتماعي القدرة التنافسية )0
ومن هذا المنطلق فان إنسان هذا القرن مطالب بإعادة صياغة مفاهيمه ومصلحاته نحو نفسه أولا , وهذه الحياة من ناحية أخرى , وبرمجة أهدافه على أسس من الأخلاق والإنسانية , وبمعنى آخر , صحوة في الضمير , وإلا فان العالم وحضارة هذا القرن , ستكون مليئة بالخوف والرعب والدمار , والفوضى في مختلف جوانب الحياة , بحيث سيسود منطق القوة فوق قوة المنطق , وسترتفع أصوات المدافع والنار فوق لغة السلام , - ونحن هنا – لا نقترح تحول عالمنا هذا بين لحظة وأخرى إلى عالم خيالي تسوده الفضيلة , فنحن على يقين باستحالة ذلك , ولكننا نقترح ارتفاع هذا الكائن بنفسه إلى مستوى الإنسانية على اقل تقدير في المرحلة المبدئية , وذلك من خلال تحفيز صوت الإيمان والعقل , و( إيقاظ رد فعل شعبي ناقد حول أهداف الحياة و الأهداف النهائية لتاريخنا المشترك ) وذلك بهدف مواجهة تيارات الفردية والانا بمختلف أشكالها وأنواعها , كما قد بات من الضرورة أن تنتبه الدول الكبرى إلى الأوضاع المأساوية التي خلقها الاستعمار في مناطق عديدة من العالم , وعلى وجه الخصوص في دول العالم الثالث , وذلك بهدف ( قلب أساليب الضغط المدمر لصندوق النقد الدولي , وأيضا بالتوقف عن التدمير عن طريق الهيمنة الاستعمارية للتنمية الداخلية ) , والكف عن ممارسة ازدواجية المعايير في التعامل الأخلاقي والإنساني ما بين دولة وأخرى , وغيرها الكثير من الوسائل والأساليب الممكنة , والتي تتناسب وهذه المرحلة الحرجة من تاريخنا البشري 0
نعم 000 تلك هي المعركة التي ندعو إليها , والحرب التي نحاول إشعالها , حرب إنسانية وأخلاقية كونية , ينتشر فيها الخير والسلام ويندحر فيها الظلم والشر , نعم , معركة من اجل أن يسود التكافل الاجتماعي في مواجهة ديكتاتورية السوق , وتتقدم فيها علوم الحياة على علوم الجماد , ويعاد فيها بناء النسيج الاجتماعي والسياسي للمجتمعات الإنسانية على أسس قائمة على العدالة والمساواة ,( فالمستقبل ليس ما سيكون , بل ما سنصنعه ) , فنحن قادرون على أن نشكل طريقة حياتنا كيفما نشاء , وان نصنع لحضارتنا لون وطعم ورائحة , وحينها فقط سندرك حقيقة أننا قادرون على أن نختار , بين أن نبني لأنفسنا حضارة إنسانية متقدمة , وبين أن نعود إلى عصر حجري جديد0
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت
.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا
.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و
.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن
.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا