الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواطنة العراقية ..هوية محاصرة ام مهزومة

ثائر سالم

2007 / 10 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


اجتياح بلد بالقوة العسكرية، وتدمير بنيته التحتية، ونهب موارده ، وسلبه قراره السيادي والسياسي المستقل، ، فعل كهذا كان في عرف التاريخ، دوما ليس سوى احتلال بغيض. يرفضه ويقاومه الشعب. وأي مغالطات او تاويلات، مهما كانت، الدوافع ، زاوية النظر، لا يمكنها ان تجعل منه تحريرا. وتأويلا كهذا هو في الحقيقة، اهانة لكرامة الشعب والبلد ، واستهانة بارواح ودماء الابرياء والمقاومين والرافضين للاحتلال . وبالبلد واقتصاده ومستقبله، قبل ان يكون، مغالطة انتهازية ، واستهانة واضحة، بعقول وتاريخ الشعب العراقي، وبتاريخ احزابه الوطنية، التي للاسف انزلق بعضها، قناعة او توهما، الى هذا الموقع، مغامرا برصيده الوطني . و جدية تاريخها، وصواب موقفها العام ، من الاوضاع التي كانت سائدة قبل التاسع من نيسان 2003 او سادت بعده، لن تعفيها من مسؤلية فضح ، تلك الاوهام التي بيعت الى الناس ، وافضت الى هذه التيجة والجريمة الي لازالت مسمرة بحق الانسان والبلد ومستقبلهما ، ولا من المسؤلية الاستثنائية ، بحكم رصيد الثقة والفكر الذي يمثلون.
استحقاقات دعم الاسس التي قامت عليها " العملية السياسية " وثمن هذا الدعم على وضع ومستقبل البلد والشعب، تتكشف اوراقها بسرعة متزايدة . وتبعات ذلك حتى على المستقبل السياسي لتلك الاحزاب لن تتاخر. فالمعارك الحاسمة ، وتيرة الاحداث فيها، باتت تتسارع تباشيرها ، جراء اشتداد الصراع بين الاجندات ، الخفية او المعلنة، والاجندات المضادة . فالمشهد يتعقد بسبب ،اتساع دائرة اللاعبين الاساسيين فيه، وانضمام اخرين له، باتت تداعيات المشروع العراقي الامريكي ، حتى بتحالفه الموقت ، يخرج عن مد ياته العراقية .
و رغم محاولات الدول المحيطة ، التعايش معه او تحجيم آثاره ، او مقاومته ، طبعا انطلاقا من اجنداته الوطنية ، وهذا في تقديري ، يبقى مقبولا ، مادامت مصلحة الاخر القادم من وراء البحار ، مقبولة ومفهومة . لاسيما حينما يكون هذا التفهم ، صريحا ومدافع عنه ، حتى في ظل الاعلان عن حقيقة مشروعه الاستعماري للعراق ، وتصرفه باولويته. وعلى حساب المصلحة العراقية . ان تلك التداعيات تهدد اليوم ، بدرجة اوضح مصالح ومستقبل تلك الدول والاستقرار فيها، حتى ولو بشكل غير مباشر . فحقيقة ان النجاح الامريكي العراقي ، في التجربة العراقية سيفتح الطريق لشرق اوسط جديد لازالت تحاول اقامته الادارة الامريكية . وهو مكن التحقيق بقدر ممكنات نجاح التجربة العراقية ، الى حد كبير . فاي عاقل ومخلص هذا الذي يساعد ، مشروعا يستهدف ، خراب بيته ، وسرقة مستقبل ابنائه؟ ..مستقبل بلده وسيادته وثروات شعبه. واي منصف هذا يلوم مدافع عن حقه ، حريص على حماية بلده ، غير ذاك الذي اخطأ الخيار ، ووقع في الفخ ، او منتفع ومغامر من اجل مصالحه.

وهذا هو الهدف الجوهري ، للفوضى الخلاقة الامريكية ، التي ارادت ولازالت الادارة الامريكية الاستمرار فيها ، من اجل اقامة الشرق الاوسط الجديد . شرق اوسط تتنازعه ارادات الطوائف والقبائل ويحكمه فضاء ثقافة ضيق الافق والتخلف والانعزال عن العصر ، وقيم التمييز بين مراتب البشر كبشر، والتبعية والخضوع ، لاناس بمراتب غير بشرية ، تتعارض والعصر وحاجات بناء مجتمع المواطنة . وتفرض علينا القبول ، بالسير وراء رؤى واحكام من لا دراية له، بشؤون الاقتصاد والدولة والسياسة والقانون ، بل كرس جل حياته في تاريخ ما وحدث ما وقول ما، وفكر ذاك العصر .
والمشكلة مع هذه الاحزاب ليس في لونها، الايديولوجي ، الديني او المذهبي، او لانها حامل ثقافة بنى اجتماعية تقليدية، مشروعها يتناقض موضوعيا، اما مع: مشروع التحديث ، والعلمنة، والدولة العصرية ، او مع اتجاه بسط الدولة ، سيادتها وسلطتها الكاملة ، وقيام دولة المواطنة والقانون . وانما الاشكالية هنا تتعلق بثقافة هذه الاحزاب ، ونوع قرائتها لمشروعها وظروفها ، ووسائلها، ومدى مساحة الوطن، في مشروعها وثقافتها، كاساس للاستقرار والتنمية والامن، ليس للجميع فحسب ، وانما حتى بالمعيار النفعي ، لذلك الجزء ، (الفئوي ، الديني ، المذهبي ) الذي يبحث عن حرية وحق شرعي مسلوب. هذه الاطراف تدرك قبل غيرها ، انه ولاسباب تاريخية تتعلق بالجار والاقليم، لا يمكن لوطن في ظروف العراق الحالية ، ان يغامر بمفرده بتحمل تبعات قرار يتحدى هذه المحددات ا لتاريحية، ولا ان يتحمل وزر وجودها لوحده.

وانظمة الحكم في دول الجوار، رغم انها تقوم على ذات الاسس، المتباينة، بنيويا وعقائديا( دينيا، قوميا او مذهبيا)، التي تقوم عليها "العملية السياسية" في العراق واحزابها الحاكمة والمتحكمة بها ، وتعاني مجتمعاتها من ذات الاشكالات الاثنية والعقائدية ، والسياسية، الا انها نجحت في الحفاظ على مجتمعات مستقرة ، لعبت الدولة فيها دورا هاما في هذا الاستقرار. عبر الاصرار على عملية عصرنة وتمدين للمجتمع والاقتصاد بالانفتاح على السوق العالمي، ودخوله بعقلية وهدف اخذ موقع فاعل فيه ، وعدم الاكتفاء بد،ور المتلقي والمستهلك فيه. اما على صعيد البنية الثقافية والسياسية، فقد عملت الدولة على تشكيل الحواضن اللازمة لها، عبر اقامة مؤسسات تعنى بحقوق الانسان ، عبر رؤية ثقافية ، تنفعل بالعلم والعصر، وتعمل فيه بحثا او انجازا . الثقافة والهوية الوطنية فيها ، اطارا عاما يستوعب الجميع( مصلحة وثقافة ..اقتصادا وسياسة) ، مالم يكن هناك نشاط يهدد سلطة الدولة وسيادتها على ارضها ، او حياة المواطنين وامنهم، وسيادة القانون فيها، يخضع له ويقف تحت مظلته الجميع.

ورغم ان هذه الدولة قد غمطت الحقوق (الثقافية والسياسية )، لمواطنين اخرين ـ تبدو اسبابها في الظاهر قومية او مذهبية، وفي بعض الحالات ، على درجة اسوأ ممن النموذج العراقي الذي شمل مثيلاتها، سابقا وحاضرا، ولكن مظلوميتها ، وشرعية اهدافها ، لم تدفع بتلك القوميات والاطراف الى موقع الخلط بين الدولة والشعب والوطن. ولادراكها لحقيقة ان الذي يظلم ،انما هي الدولة الظالمة وليس الوطن المبتلى بالظلم والظالم هو الاخر. الوطن عندهم كان دائما ، البيت الذي عاش فيه الاخوة والابناء وألف اليه الاصدقاء، مثلما تآمر عليه الطامعون ونهازي الفرص.

ولكن مع هذا ظل الوطن هويتها الاولى، وطوق نجاتها ، مادام البديل ارتهانا للخارج في القرار والسيادة والتنمية ومشروع الديموقراطية الحقيقي للمجتمع ، وتبعية مشروع التنمية وفرص التطور لمشاريع الخارج ومصالحه وليس لمصالح واحتياجات التنمية في البلد، ومادامت النتيجة (الثمن) اضعافا لقدرات البلد على الدفاع عن حقوقه ودائرة خياراته في التنمية المستقرة، وحماية مصالحه ، وثرواته وموارده ، من السرقة والنهب الدولي ، للدول الاستعمارية و الشركات الراسمالية الكبرى، العابرة للحدود ، والتي تحميها قوانين ، وسطوة دول نافذة ، تفرض ارادتها ومصالحها الاستعمارية، بشكل عام ، على العالم كله. شركات تمارس النهب( القانوني) للثروات ، وجرائم السرقة والتحايل والغش في الانتاج والتصدير والعمل خارج طائلة القوانين المحلية للدول الاخرى. وهي فوق هذا كله ، لاتخضع لاي مسائلة قانونية عن اي جريمة ترتكبها.

مشروع الخارج هذا من مصلحته ، وبامكانه التعايش مع بنى متخلفة مدنية او عسكرية ، ثقافية او سياسية ، تحل محل الدولة او تتصرف بالنيابة عنها او حتى العمل خارجها ، لانها هي من ستشيع الفوضى التي تخلق مبرر او وهم الحاجة لها ولدولتها الاستعمارية. ويعيق قيام دولة ، تتمكن ن القيام بمهامها الامنية والاجتماعية ، وتفرض سيطرتها وسيادتها على البلد والمواطن . وهذا بالضبط ، ما لاتريد تلك الشركات (الامنية اوالاقتصادية او غيرها ) ، ولا الدول التي صدرتها ومنحتها الامتيازات الوصول اليه.

اما هؤلاء اللذين لم يترددوا او يشعروا بالحرج ، من تدمير البلد ونهبه، وتهديد وحدته السياسية، واشاعة جريمة قتل الانسان فيه ، على الهوية ا و سرقة جهد حياته وقوت ابنائه ، ....هؤلاء بالتاكيد لن يشعروا بالحرج وهم ، يفتحون ابوب البلد ، ويجعلوه ، ثروة وتاريخ، مزادا علنيا ، و نهبا مشاعا لكل لصوص الارض، ومجرميها وتجار حروبها. ولن يحرجهم حتى تكرار ذات الاساليب التي طالما كانت حجتهم على ظلم نظام اصطهدهم. .....بشاعات التعذيب الوحشي والمثقب الكهربائي ، الذي يعمل في اجساد وعظام ابناء بلدهم، ولا مشهد الجثث المقطوعة الرؤوس ، او الرؤوس بلا اجساد ، المرمية على الطرقات، او في صناديق القمامة، ، دون جرم ارتكبوه ، غير ان الله والتاريخ اختار لهم مذهبا او قومية . انها وسيلتها التي تؤكد فيها هويتها الانسانية ، ومعيارية قيمها الثقافية ، ونوع الحرية لتي يتمع بها المواطن اليوم .
وبحكم شروط واسباب تاريخية ، لا يمكن لاي ارادة ان تقفز عليها ، دون ان تكون قفزة مغامرة في الهواء ، احتمالات عواقبها السياسية السيئة ، تبقى هي الاكثر ترجيحا وتوقعا. فمشكة هذه الاحزاب هي استحالة تغيير هويتها، وبالتالي عدم آهليتها لبناء وطن واعتماد ثقافة الاوطان . ان انحسار مظاهر التحضر وثقافة التمدن، في حياة المجتمع العراقي، وحصارها المتزايد، بات اليوم يهدد بالاختفاء، كليا من حياة المجتمع العراقي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د