الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دحض حجج دعاة التصويت السري في البرلمان العراقي

صائب خليل

2007 / 10 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


إضافة الى الدعوة المتظمنة في مقالتين حول خطر مشروع "التصويت السري" (1) (2) ارسلت خلال الأيام الماضية دعوات عديدة الى باقة من الأصدقاء والزملاء الكتاب ادعو فيها الى الكتابة عن مشروع "التصويت السري في البرلمان"، والذي اعتبرته يهدد الديمقراطية (العرجاء اصلاً) برمتها, ودعوت الى كشف خطره.

السيدة سعاد خيري بادرت الى الكتابة قبل ان ارسل لها الدعوة (3) وقد كتبت لي ايضاً, وكان الزميل العزيز "مالوم ابو رغيف" اول من استجاب (4) ووصلني العديد من ردود الفعل الإيجابية التي أعول عليها كثيراً (وواحدة سلبية) اضافة الى مقالة مؤيدة للتصويت السري كتبها سلام الأمير(5).

من خلال الردود التي وصلتني استنتجت ان اهم سبب للتساهل امام هذا القانون او حتى تأييده لدى الكتاب والناس هو انهم يأملون من خلاله ان يمكنوا نواب البرلمان من التصويت بالضد من مصالح كتلهم الضيقة، ولصالح العراق ككل.
هذا ما عبر عنه سلام الامير حين كتب ان مشروع التصويت السري: "مشروع بحق حضاري ينقل البرلمان العراقي نقلة نوعية إلى مستوى برلمانات العالم المتحضر".
لكنه لم يسق لنا امثلة عن "برلمانات العالم المتحضر", وقد رأيت البرلمان الهولندي يصوت بالأيدي ولم اره مرة واحدة يصوت على قرار عام بشكل سري، فهل عجزت هولندا عن الإرتفاع الى العالم المتحضر؟
ويرفض سلام الأمير تماماً فكرة احتمال اختراق اجهزة البرلمان الألكترونية باعتبار انه لو كان ذلك ممكناً " فتلك كارثة عالمية وان اغلب الدول العظمى بناءا على هذه المقولة تكون قراراتها وقوانينها التشريعية غير سليمة ومخترقة" مفترضاً ثانية ان برلمانات "الدول العظمى" تصوت لقراراتها العامة سرياً بالأزرار الإلكتروينة. لذا فهو
يعتبر ان رفض المشروع يعبر عن "السذاجة" و"الضعف" و"قلة الحيلة" ويأمل ان البرلمان العراقي لن يكون هكذا. والأقرب للمنطق ان السذاجة تتمثل اكثر بمن يتيح للآخرين ان يتحكموا بقراره آملاً انهم لن يستغلوا ذلك. ولذلك فأن "الدول المتحضرة" لاتستعمل التصويت السري في قراراتها العامة, دع عنك التصويت السري الإلكتروني, وكما وضحت في مقالة سابقة ان مثل هذا التصويت يقتصر على انتخاب الأشخاص داخل البرلمان وليس القرارات العامة.

وعلى اية حال، حتى اذا تمكنت "الدول المتحضرة" من حماية برلماناتها فليس لنا ان ندعي ذلك في العراق. استعير من مقال مالوم ابو رغيف ما يلي: " واذا استطاع الارهابيون اختراق نظام الامن البرلماني واستطاعوا ادخال سيارات مفخخة وعبوات ناسفة الى المنطقة الخضراء والى البرلمان، فهل يصعب على هؤلاء او على الاطراف ذات المصلحة المعينة من التلاعب بشبكة البرلمان الكمبيوترية في وقت التصويت وتعديل النتائج وفق مصلحتها الخاصة.؟"

بعيداً عن "الدول المتحضرة" وضرورة تقليدها يعبر سلام الأمير عن الرأي السائد الأساسي لدى مؤيدي القانون بالنسبة للوضع العراقي حين يقول :" وعندما يتخلص النائب من شبح الكتلة ورقابة الاخرين فانه لا محالة سيدلي برايه الشخصي حتى لو كان مخالفا لما تراه الكتلة".
ويلاحظ ابو رغيف ان مثل هذا "الدفاع" عن النواب ليس إلا اهانة لهم: " الاغرب ان هناك توجه وموافقة مبدئية لقبول مقترح التصويت السري بينما مسوغاته عبارة عن اتهمات للنواب بالجبن والرعونة والنفاق، ولم يحتج اي عضو على هذه الاتهامات والانتقاصات من شخصية النواب، فهل يعني هم كذلك.؟ "

ليعطي في النهاية امثلة تدحض مثل هذه الإهانة " فات اصحاب افضلية التصويت السري بان بعض النواب الشجعان صوتوا بالضد من قائمتهم وتكتلهم الانتخابي على سبيل المثال الاستاذ حميد موسى والسيدة صفية السهيل و القاضي وائل عبد اللطيف وضربوا توجهات علاوي عرض الحائط، وفي المواقف الحاسمة من قائمة التوافق بقى وزير الدفاع في منصبه رغم كل الحملة العدائية الموجهه ضده ورجع بابان الى وزارته غير آبه بكل التخرصات والاتهامات."

على اية حال، فحتى ان كان هناك مثل هذا المكسب في التصويت السري، فأجد اننا هنا نقايض مكسباً وهمياً بثمن هائل. فيما يلي سأحاول ان ابين انه "مكسب" لا اساس له:

اولاً الحديث عن "الكتل" كأنها كلها اعداء للعراق او تتلقى الأوامر من اعدائه, امر مبالغ به جداً, ومبهم جداً. اي "الكتل" هي المقصودة بتلك التهمة؟ معظمها؟ كلها؟ هل يسكن العراق المجانين فقط لينتخبوا اعداءه دون غيرهم؟ اي القرارات الصادرة كان دليلاً على اجندة اجنبية للكتل؟ لدينا جميعاً خيبة أمل فيما يجري, لكن اتهام الكتل السياسية او معظمها بالعمالة افتراض لايستند على اساس كاف(6). لن ادخل في هذا وسأفترض ان هذه النظرية الغريبة صحيحة. فالسؤال عندها سيكون هل ان سرية الإقتراع البرلماني عندها ستحسن الوضع؟... لنكمل..

ثانياً لو فرضنا ان الكتل السياسية العراقية "عميلة" لجهات اجنبية فهل تختار الكتل للبرلمان إلا اقرب ممثليها الى افكارها واكثرهم اخلاصاً لها؟ إذا كان هؤلاء النواب يقطرون اخلاصاً للعراق وسيصوتون لصالحه بمجرد ازالة "خرعة" الكتل عنهم، فلم انتخبت هذه الكتل المعادية للعراق, اكثر اعضائها اختلافاً معها لشغل مقاعدها البرلمانية؟ اليس المعقول ان كل كتلة اختارت اقرب اعضائها افكاراً وولاءات الى ولاء الكتلة وافكارها؟ من اين جاء إذن الإفتراض بان هؤلاء النواب يقفون بالضد من كتلهم وانهم سيصوتون بشكل معاكس لها بمجرد تحررهم من مراقبتها؟

ثالثاً هل للكتلة سلطة فعلية على النائب؟ يبدو من خلال فشل أغلبية برلمانية كبيرة لطرد النائب الشلاتي الذي كان يتحدث بالقنادر ويشجع على ضرب زملائه ان هذا أمر مشكوك به. صحيح ان بقية كتلته وقفت الى جانبه, لكنهم اتفقوا مع الباقين على مايبدو انه لايوجد في الدستور العراقي ما يسمح باقالة النائب مهما فعل (عدا ارتكاب الجرائم). فإن كان الأمر كذلك فلم يخش النواب كتلهم حين يريدون التصويت "لمصلحة العراق"؟ هل الجرأة الأدبية في البرلمان لقليلي الحياء فقط؟

رابعاً ان كان للكتل امكانية عزل النائب, فسوف يقومون فوراً وبمجرد صدور قانون التصويت السري او يستبقونه, بعزل اي نائب يخشون ان يصوت "لصالح العراق" وبالضد منهم ويأتون بدلاً منه بنواب يصوتون حسب توجيه الكتلة. وهنا تحصل الكتلة "المعادية لمصلحة العراق" على الجنة التي تحلم بها: فتصوت ضد "مصلحة العراق" دون ان يعلم العراق بها او يستطيع ان يثبت عليها شيئاً, وتحقق اجندتها الأجنبية بأمان و"لا من شاف ولا من دري!"

خامساً ان كان النائب مرعوب من سلطة الكتلة الى الدرجة التي تمنعه من قول ما يراه صحيحاً, فكيف سيجرؤ على التصويت بالموافقة على قانون يلغي ارادة تلك الكتلة وسلطتها عليه, وبشكل علني وامام الكتلة التي يخافها (لأن التصويت على قانون السرية يجب ان يكون علنياً) دون ان يخشى اجراءاتها؟

ان الضباب التام القادم ليس فقط جنة "الكتل المعادية للعراق" إن وجدت, بل هو ايضاً جنة كل نائب يتحرق لقبول رشوة ويمنعه الخوف او الخجل من كتلته او الناس او التأريخ من التصويت لقرار وسخ السمعة. او نائب تم تهديده بفضيحة ان لم يصوت بشكل ما فصار محتاراً بين ضميره وبين تجنب الفضيحة. لمثل هؤلاء النواب سيكون هذا الضباب هو الحل لكل هذه الإشكالات, بتسهيل الإستجابة للتهديدات والفضائح والرشاوي.
سهولة الرشوة والإبتزاز الجديدة الموعودة ستثير في الراشين الشهوة لزيادة نشاطهم وسيكون هذا الحال كل ما يشتهي اللوبي (الراشي) والنائب (المرتشي), فـ "الضباب عرس الذئاب".
قد يقول قائل:"ان هذا "العرس" هو الحال الآن فلا فرق! هذا غير صحيح, ولو كان صحيحاً لما تأخر قانون النفط. ولولا وجود مقاومة، لما تحمس النواب المئة ليقدموا هذا المشروع. هناك مايمنع تمرير هذه القوانين وغيرها والبعض يريد التخلص من هذه الموانع.

برأيي، ان هذا مشروع القانون هذا هو اخطر مشروع على الإطلاق في هذه اللحظة. ولا استبعد ان تأتي بعض الأحداث مثل مهاجمة دار المدى من ضمن جهود ترمي الى ابعاد الإهتمام عنه الى امور اخرى, ولا استبعد احداثاً اخرى مشابهة او مختلفة تهدف الى الهاء الناس والكتاب والسياسيين لحين تمرير "قانون الإعماء" هذا.

كتب احد الأصدقاء في رده على دعوتي يقول: " إن الولايات المتحدة الأمريكية ، لجأت إلى هذا الاسلوب رداً على التدخلات من جانب المملكة العربية السعودية ، حيث يتم باستمرار شراء ذمم النواب العراقيين وتدفع لهم بسخاء كند للتوجهات الأمريكية وأفشال مشاريعها ، وليس حبا بالعراقيين قطعا."
ورد الصديق يتضمن ان القانون يسعى لتمكين تمرير "التوجهات الأمريكية" التي يفترض انها لصالح العراق، من تصويت كتل البرلمان التي تعمل بأجندة سعودية. وفي الوقت الذي اتقبل فكرة ان القانون جاء لتسهيل "التوجهات الأمريكية" لكني لم اجد السبب للإعتقاد بأن من يعرقلها في البرلمان هي السعودية وليس نواباً مخلصين للشعب.

وبفرض صحة الفرضية, فكيف سيمنع التصويت السري السعودية او اميركا او ايران اوغيرها من شراء ذمم النواب ان كانت تدفع بسخاء والنائب يصوت من وراء ستار؟ الأحرى انها ستتمكن من شراء المزيد وبأسعار اقل, وبلا فضائح! الا نريد ان نميز من الذي يصوت بضمير او ربما حسب رشوة ما؟ ألا نريد ان نعرف من يصوت تجاوباً مع مايرى الشعب, وهو معروف بالنسبة للقوانين الهامة, ومن الذي يتجاهله؟
سيقول الراشي:"ان تم تمرير قانون كذا فلك مليون دولار في حسابك الخاص في سويسرا". وسيجد النائب الذي يصوت من خلف الستار قبول العرض اسهل كثيراً من الذي يصوت امام رفاقه وشعبه والتأريخ.

برلمان التصويت السري سيكون "جنة النائب المرتشي": سيستطيع ان يقبض المال من جهة ويملأ الدنيا ضجيجاً بوطنيته وإخلاصه من الجهة الأخرى.

أما مستوى الثقة بين الأطراف المختلفة فسينهار اكثر مما هو منهار الآن. فالجماعات العراقية الآن تتبادل الإتهامات بالطائفية والعمالة وووو...فكيف ان صار الأمر سرياً؟ الشيعة سيقولون السنة هم الذين وافقوا على بيع النفط، وسيقول السنة انهم كانوا منذ البداية ضده وانهم الشيعة والأكراد, والأكراد سيتهمون اخرين...... وستتكرر هذه المسرحية في قانون القواعد العسكرية الأمريكية, وفانون الإنظمام الى حلف الناتو وقوانين الخصخصة.... كيف سنعرف مثلاً ان كان علاوي الرافض خطابياً لقانون النفط قد صوت بالفعل ضده ام أنه كان يسوق الكلام لأغراض انتخابية فقط؟ على الأرجح سنجد انفسنا في وضع سيدعي فيه جميع النواب الوقوف مع الرأي الأكثر شعبية, ورغم ذلك يفوز الرأي المقابل عند التصويت! وستشتغل الإتهامات المتبادلة بالكذب بين النواب، اما نحن فسنكون "مثل الأطرش بالزفة"!.......وكل ذلك من اجل حماية النواب الخائفين من "سطوة كتلتهم"!

برلمان التصويت السري سيكون "كتلة واحدة" تصوت للقانون او ضده, وليس كتل متعددة وبرلمانيون مختلفون تتصارع اصواتهم. ستختفي "التعددية" من امام نظرنا لأننا سنسمع فقط "نتيجة المباراة" دون ان يسمح لنا بمشاهدتها. سيقولون لنا ان الفريق الذي لعب شمال الملعب قد فاز على الذي لعب جنوبا, لكننا لن نعرف اي اللاعبين كان في الفريق الشمالي وايهم الجنوبي! لنا ان نحاول الحدس فقط!.....
بدلاً من ان يكون للمواطن فكرة ً دقيقية عمّن يراه مصيباً ومن يراه خاطئاً من النواب، ستكون لديه فكرة عامة بسيطة عن "الرضا عن البرلمان والحكومة" او عدم الرضا. ولأن مثل هذه الفكرة لن تساعده على اختيار من يمثله، فلن يكلف نفسه بالمشاركة في الإنتخابات القادمة. كذلك لن تساعده في الإنتخاب اية تحليلات سياسية لأنها حتى ان اشرت الصح من الخطأ فلن يمكن معرفة من الذي صوت مع هذا "الصح" ومن مع "الخطأ" ولن تزيد محاولة التخمين عن عملية "فتح فال". لذا فسرعان ما يدرك القراء والكتاب عدم الجدوى وينصرفون عن متابعة السياسة الى صراعهم الشخصي مع الحياة ويفقدون اهتمامهم بما يجري في البلد عموماً مثلما كان الأمر ايام الدكتاتورية, فلا تأثير لرأيهم وسيقول المواطن: "جميعهم مرتشون" وينصرف.


الذين يتحمسون لهذه الطريقة من التصويت، يأملون منها في الحقيقة ان تمرر القوانين التي يرونها مناسبة, دون ان يحسبوا التدمير الذي ستصيب به مسألة الديمقراطية بكليتها, والإتلاف لعلاقة الناس بالبرلمان ومشاركتهم السياسية وثقتهم بالمستقبل وأملهم فيه. لا احد يثق بصندوق اسود يصدر القوانين بطريقة لا يسمح لأحد بالإطلاع عليها.

في الديمقراطية تأتمن البلاد ابنائها على مستقبلها ومستقبل اجيالها، من خلال متابعتهم ومراقبتهم الدقيقة لسياسييهم في السلطة فكيف ننجز تلك الأمانة بالموافقة على اغماض اعيننا؟

(1) مؤامرة لإقصاء البرلمان يقودها 100 نائب عراقي
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=111107


(2) البرلمان العراقي في خطر!
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=111224

(3) سعاد خيري: التصويت السري في البرلمان والاقرار العلني في كردستان مخططات امريكية لتشريع قانون نهب النفط وقوانين ادامة احتلالها:
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=111212

(4) مالوم ابو رغيف: اخر تقليعة في دولة الشفافية! التصويت البرلماني السري!
http://www.akhbaar.org/wesima_articles/articles-20071007-36897.html

(5) سلام الامير: مشروع التصويت السري في البرلمان العراقي مشروع حضاري
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=111426

(6) مثل هذا التفكير المشوش ساد المسرح السياسي العراقي ايام ازمة انتخاب الجعفري لرئاسة الوزراء والتي وقفت اميركا بوجهها فنهق قطيع الكتل السياسية الأخرى بلا استثناء خلفها بخطاب شرس عن طائفية الجعفري وضرورة استبداله, محملين الديمقراطية كلفة كبيرة والعراق كلفة هائلة, والجميع يعلم ان البديل لابد ان يكون من نفس الكتلة, اي من نفس الأفكار تقريباً. وبالفعل جاء البديل المالكي الذي يتهم اليوم ايضاً بالطائفية وبنفس العبارات التي اطلقها السياسيين على الجعفري!










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملابس الرياضيين في أولمبياد باريس: ملابس لستر أجساد اللاعبات


.. إسرائيل تدرس رد حماس على صفقة التهدئة والمحتجزين ونتنياهو يع




.. تقارير تكشف استمرار تقليص مساحة الضفة الغربية من قبل السلطات


.. إسرائيل تبحث رد حماس على صفقة التهدئة والمحتجزين | #الظهيرة




.. حزب الله يطلق عشرات القذائف والمسيرات صوب شمالي إسرائيل | #ا