الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأُممية

رحيم العراقي

2007 / 10 / 11
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



جوزيف (مو) هيرلماير، مؤلف هذا الكتاب، هو باحث ألماني من مواليد عام ,1959. وهو احد الاعضاء النشيطين منذ سنوات عديدة في لجنة اميركا اللاتينية ونورنبرغ وكذلك في لجنة «التنسيق الدولية». ركز ابحاثه على الاقتصاد العالمي وله مساهمات عديدة في هذا المجال بعدد من الدوريات العالمية. يمثل هذاالكتاب مساهمة شاملة ومركزة لتاريخ حركة اليسار «العالمي» كما يعتبره مؤلفه بمثابة «تمهيد» ـ كما جاء في العنوان الفرعي ـ لفهم أهم الأسس الفلسفية والسوسيولوجية للنقاشات الدائرة حول هذا الموضوع. وذلك استناداً على «التفاؤل» المدعم بالافكار التاريخية التي سادت خلال سنوات الستينيات والسبعينيات وبنظرية «فلسفة الحياة» التي عرضها عقد الثمانينيات والتسعينيات الماضي. ويرصد المؤلف بنفس الوقت أهم التناقضات في الحركة السياسية اليسارية، كما يتساءل عن آفاقها المستقبلية وآليات التفكير الجديدة التي ترتسم في اطارها.
يعتبر مؤلف هذا الكتاب بان الحركة الأممية تكتسب في السياق الراهن ملامح اكثر جدية من حيث معناها اذ انها غدت تستند على المعارضة «خارج البرلمانات العالمية» وهذه المعارضة ليست «متجانسة» حتى الآن بل ويكتنفها بعض الغموض، مع ذلك لا يشكل هذا الواقع نقيصة كبرى بالنسبة لها. ثم إن هذه المعارضة أخذت بالتبلور أكثر فأكثر انطلاقا من بعض «المحطات» الاساسية المعادية للعولمة اللبرالية السائدة مثل مؤتمر «بورتو اليغري» وحركة «الزاباتيين»، «انصار زاباتار» في المكسيك وفي المظاهرات بشوارع «سياتل» ضد اقطاب العولمة، وكذلك في جنوة بايطاليا. في المحصلة يرى المؤلف بان الطريق مفتوح أمام هذه الحركة كي تأخذ طابعا «أممياً» شاملاً.
وعلى اساس ان مبدأ «البقاء للأصلح» ينطبق أولاً واساساً على الاقتصاد. هذا ما عبرت عنه احدى الدعايات التي أصدرها بنك درسدن وجاء فيها: «نقدم لكم المشورة الأفضل في ميدان شراء الأسهم. لكن عالم الاقتصاد ليس «قطعة من سكر» اذ هناك العديد من المؤسسات التي تتسم بالعدوانية كما اصبح من «الدارج» ان «تتبع بعض الشركات غيرها من الشركات بحيث انها تصبح مثل «سمك القرش» الذي يلتهم غيره.
ان المؤلف يطرح العديد من الاسئلة كي يناقشها فيما بعد. مثل: «هل انت ثروة انسانية جيدة؟ هل فهمت بوصفك رب عمل بانك لست سوى مدير لقوة عمل تنافس بها الآخرين؟ وايضاً «هل اصبحت البدائل مستحيلة؟» وهل الرأسمالية واللبرالية الجديدة نوعا من الظلم؟. وبناء على الاجابات المقترحة يؤكد المؤلف بان حركة الاحتجاج الدولية تضع اللبرالية الجديدة تحت ضغط دائم. ولم يعد ممكناً لمسئولي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تنفيذ سياستها الخارجية «المفروضة» بسهولة كما كان يجري الأمر قبل سنوات. ذلك إن الازمات التي عرفتها بلدان جنوب شرق آسيا والمكسيك والارجنتين لابد وان تساهم في ضرب ما تبقى من مصداقيتهما مع مايرافق هذا من آثار على السياسات الاجتماعية الطموحة.
ان حركة الاحتجاج «الاممية» على النظام الدولي السائد تجد اشكالها الجنينية في المعارضات المختلفة، غير البرلمانية، التي شهدتها بلدان عديدة منذ عقد الستينيات الماضي، وحيث كانت قد تولدت في سياق الحركات العمالية التي سبقتها في مراحل سابقة. وطالما ان الحركة الجديدة تستظل بسابقاتها بأن مستقبلها مرهون ايضا بها وبقدرتها على الاستفادة من دروس التاريخ كي تشق طريقها الجديد وتحدد معالم كفاحها التي تمثل جزءا من الصراع الدائر على الساحة اليوم. وهنا يكتسب درس احداث 1968 (مايو) اهمية خاصة من حيث دلالاته اللاحقة.
ما يؤكده المؤلف هو انه لا توجد موضوعية في كتابة التاريخ التي تمثل في نهاية المطاف نوعاً من التفسير وليس عملية رصد لحقائق التاريخ فالحقيقة «الدارجة» والمتعارف عليها تقول بان التاريخ يكتبه «المنتصرون»!! وليس هناك افكار «خالصة» كما اعتقد افلاطون ومن تبعوه حتى هيغل على الأقل؟ فعندما تختلف الفكرة عن الواقع تحل المأساة بالواقع أكثر، حسبما أكد هيغل نفسه، وفي عالم الافكار هناك غزوات ومعارك وسرقات، والافكار هي وليدة الصراع والنقاش والتوضيح. فما يمكن ان تدل عليه مثلاً فكرة «العالم الثالث».. فهل تعني بصيغة ما «العطف والشفقة» على الفقراء وضرورة التبرع لهم من اجل ابقاء وصاية الاثرياء ـ الغرب في سياق تحليلات المؤلف؟ أو ربما ان العالم الثالث هو مختبر للتكنوقراطيين الاصلاحيين او لاؤلئك الباحثين عن عالم سليم اومكان للتحرر ـ وللثورات الجديدة؟. إن مثل هذه الابعاد تحتل مكانها في تاريخ الاممية كما انها تشكل مواضيع
لنقاش دائر باستمرار في ألمانيا.. وهو نقاش يرصده المؤلف في السياق الألماني الحديث.
يحتوي هذا الكتاب على أربعة فصول وملحق.. ويتعرض المؤلف في الأول منها لتاريخ الاممية العمالية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى المرحلة الراهنة ويدرس في الفصل الثاني التجارب الثورية في فيتنام وكمبوديا.. وهو يركز تحليلاته على اساس المقولات النظرية التي طرحها المفكران المعروفان «كارل يسبرز» و«هربرت ماركوزة» ويخص الفصل الثالث نيكاراغوا وازمة المديونية، او ما يسميه المؤلف ب«الاممية في مواقع الدفاع». اما الفصل الرابع والأخير فإنه يبحث في «البدايات ـ الجديدة» للحركة الاممية ضمن سياق انتصار اللبرالية واقتصاد السوق: وحيث تتبدى مظاهر هذه الحركة بشكل خاص في نشاطات انصار الاحتجاج السلمي ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والمؤتمرات المناهضة للعدالة الليبرالية منذ مؤتمر «بورتو اليغري».
ويعتقد المؤلف بان الاساس في فهم معارضة الحرب في فيتنام يعتمد على التركيز على طابعها «التبشيري». ويتحدث في هذا السياق باسهاب عن مؤتمر برلين لـ «القوى الاممية» الذي انعقد عام 1968 وترددت فيه مفردات مثل «نهاية الكفاح» و«نهاية عصر». ولا تزال تتردد أصداء نداء «دوتشكة» الذي قال فيه بمنتهى الجدية: «ايها الرفاق لم يعد لدينا متسع من الوقت اذ هناك امكانية تاريخية مفتوحة امامنا ولارادتنا الدور الحاسم في تحديد شكل النهاية التاريخية لهذه الحقبة». ان مثل هذا القول يتوافق إلى حد التطابق، مع ما عناه «فرانز فانون» صاحب كتاب «المعذبون في الأرض» عندما طالب بـ «الانتفاض من سبات الليل الطويل الذي غرقنا فيه من اجل استقبال اليوم الجديد بثبات ويقظة اكبر».
ويشير المؤلف في هذا السياق إلى كتاب للمفكر الايراني الذي يرى بانه قد مثل قمة هذا التوجه عندما قال: «اننا في العالم الثالث نقف اليوم في مرحلة انتقالية. ذلك ان هذا العالم الثالث. عالم الانسان الجديد، هو الذي يحمل عبء تاريخ البشرية ومآسيها بعد ان انتهت حقبة القمع والتجزئة». كما يشير المؤلف من جهة اخرى إلى تأثر الحركات الطلابية بافكار «فرانز فانون» وما قاله عن «الليل الطويل واليوم الجديد».. وكذلك بحديث تشي غيفارا عن «الانسان الجديد» وعن «الولايات المتحدة كعدو اول للبشرية».
وعلى صعيد التقسيمات بين «العوالم» من «اول» إلى «ثالث» يعتمد المؤلف المفهوم القائم على اساس المقومات التاريخية والفلسفية وليس على اساس الجهد الاقتصادي والتقني حصراً. هكذا يرجع «العالم الاول» لتاريخ الصين القديم ومصر والمكسيك. بينما يبدأ «العالم الثاني» من اثينا و«مدينتها» وينتهي اليوم بواشنطن.. هذا العالم «الثاني» يسير «بوعي او دون وعي» نحو «حفر قبره»، ثم «دفنه» من قبل العالم الثالث.
في الصفحات الاخيرة من الكتاب يحلل المؤلف خطاب «المجتمع المدني» والمنظمات غير الحكومية وتطور المفاهيم الدالة عليهما. ويرى بانه قبل عام 1989، اي قبل سقوط جدار برلين وانهيار الاستقطاب الثنائى الدولي ساد مفهوم لـ «المجتمع المدني» مسترشداً بافكار «انطونيو غرامشي» المفكر الايطالي الماركسي المعروف في العشرينيات من القرن الماضي.. والذي كتب اهم نظرياته في كتابه الشهير «كراسات السجن» التي حررها اثناء اعتقاله من قبل النظام الفاشي الايطالي.. وتعود اهمية غرامشي إلى نظرياته حول الدولة وآليات هيمنتها وحيث تناولت قوى اليسار العالمي هذه النظريات بالتحليل والتمحيص.. وكان السؤال الاساسي الذي طرحه «انطونيو غرامشي» هو: «لماذا لم تقم الثورة بعد الحرب العالمية الاولى الا في روسيا؟».
وسؤال آخر «لماذا استطاعت الطبقات الحاكمة ان تنظم همينتها وتعيد انتاج هذه الهيمنة باستمرار؟».. ويتوصل «غرامشي» في النهاية إلى القول بأن استقرار المجتمعات لا يقوم على القهر فحسب وانما ايضاً على اساس مسارات توافقية تساعد على اعادة انتاج عملية الهيمنة و اعادة انتاجها.. حيث ان مؤسسات المجتمع المدني نفسها تصبح بمثابة امتداد لمفهوم الدولة و تتمثل اهم هذه المؤسسات في الصحافة والمؤسسات التعليمية والاتحادات الحقوقية والمهنية..ألخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم