الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجارب الطفولة وتأثيرها على شخصية الإنسان

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2007 / 10 / 11
حقوق الاطفال والشبيبة


من المعروف أن الدول النامية لا تهتم كثيرا بإساءة معاملة الأطفال وما تتركه من ندبات وجروح تظل مختبئة فى أغوار النفس البشرية لتظهر بوضوح فى المراحل التالية. قد يعتقد البعض أن الإنسان يستطيع التغلب على السلبيات التى تتعلق بتجارب وخبرات مرحلة الطفولة من خلال عناصر أخرى كمستوى التعليم أو المناصب التى نتولاها فى مشوار الحياة. فعلى حد قول البروفيسير الأمريكى بروس برى فى مجلة المخ والعقل فإن الجينات الوراثية وحدها ليست كافية لتحديد شخصية الإنسان بل إن الخبرات والتجارب التى نمر بها فى مرحلة الطفولة هى التى تحدد مواصفات هذه الشخصية. ووفقا لرأى الدكتورة ليلى كرم الدين رئيس لجنة قطاع الطفولة ورياض الأطفال بالمجلس الأعلى للجامعات فى مجلة الإيسيسكو (المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة) فإن مختلف المدارس والأطر النفسية فى مجال علم نفس النمو أو التحليل النفسي تؤكد أن تعرض الطفل للخبرات المؤلمة خلال مرحلة الطفولة المبكرة يجعله عاجزا عن مواجهة الصعاب والضغوط وسيكشف خلال المراحل التالية من حياته عن مشكلات سلوكية واضطرابات انفعالية مرضية. وفى عبارة أخرى فإن التجارب والخبرات التى يمر بها الإنسان فى هذه المرحلة الحرجة لها تأثير واضح على شخصيته وتكوينه النفسى، لأن هذه المشاعر المكتسبة من تجارب الطفولة نختزنها فى الذاكرة وتظل قابعة فى العقل الباطن حيث ترافقنا من المهد إلى اللحد.
وهذا يفسر التباين والاختلاف فى سمات الشخصية لدى المحيطين بنا حيث لا دخل للتعليم أو المناصب فى هذه السمات، فقد تجد عاملا بسيطا لا يجيد القراءة والكتابة ولكنه يتسم بالهدوء والتروى والثقة بالنفس ورباطة الجأش فى المواقف الصعبة والأزمات ويتخذ القرارات الصائبة البعيدة عن العصبية والتهور. وفى المقابل فقد تلتقى بشخص متعلم وحاصل على أعلى الشهادات لكنه عصبى المزاج، سريع الانفعال، بذئ اللسان ويفتقد إلى الثقة بالنفس والفكر الصائب. لا يمكن تفسير هذا الاختلاف فى الشخصية بين إنسان وآخر دون البحث والتنقيب فى تجارب الطفولة سواء السلبية أو الإيجابية، وهذه التجارب تظل متخفية فى العقل الباطن ولكنها تظهر على السطح على شكل ردود أفعال خلال تعاملنا مع الآخرين. ونستخلص مما سبق أن التعليم لا يلعب دورا فى التغلب على السمات السلبية التى يكتسبها الإنسان فى المراحل المبكرة. أما المناصب فإنها تكشف حقيقة الشخصية المتخفية خلف "البدلة والكرافتة" حيث تجد تجارب الطفولة فرصتها للتعبير عن نفسها دون أن يدرك الإنسان. أعرف مسئولا فى إحدى المصالح الحكومية كان إنسانا ودودا قبل أن يتولى منصبا إداريا. وفور أن صدر قرار تعيينه تبدلت شخصيته، فاصبح يتعالى على الآخرين واعتلاه الغرور والإحساس الزائد والزائف بالأهمية. وربما يحتار الإنسان فى تفسير هذا التغير فى السلوك الإنسانى إذا لم يقتف أثر تجارب الطفولة التى حفرت فى جدران مثل هذه الشخصية. فرغم أن هذا الشخص يضرب مثلا فى الكفاح والاجتهاد، إذ إنه لم يكتف بالشهادة المتوسطة والوظيفة البسيطة التى حصل عليها فى بداية حياته الوظيفية ولكنه استطاع أن ينتسب بإحدى الكليات وظل بها حتى حصل على أعلى الشهادات التى أتاحت له فرصة الانضمام لفئة محترمة (أو هكذا كانت!) إلا أنه لم يستطع التخلص من التجربة المريرة التى مر بها حيث تربى فى كنف أحد أقاربه الذى أذاقه مر العذاب من تعذيب بدنى ونفسى ثم فى نهاية المطاف اجبره على الزواج من إحدى قريباته. من المؤكد أن مثل هذه التجارب المريرة تنعكس وبشكل واضح فى التصرفات والسلوكيات اليومية للإنسان متخطيا حاجز الوظيفة أو التعليم.
وخلاصة القول فإن الأمر يتطلب مراجعة الأسلوب والطريقة التى نربى بها أبناءنا والتى نتعامل بها مع تلاميذنا فى مرحلة التكوين مما لها بالغ الأثر على شخصيتهم فى المراحل التالية. وإنه من المفيد أيضا أن ينتبه الإنسان لنفايات الطفولة التى تطفح إلى السطح كلما تولينا منصبا من المناصب، وهى نفايات ذات رائحة كريهة تنفر الناس من حولنا وتجبرنا على العيش فى عزلة عن الآخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهالي الأسرى: عناد نتنياهو الوحيد من يقف بيننا وبين أحبابنا


.. أطفال يتظاهرون في أيرلندا تضامنا مع أطفال غزة وتنديدا بمجازر




.. شبكات | اعتقال وزيرة بتهمة ممارسة -السحر الأسود- ضد رئيس الم


.. الجزيرة ترصد معاناة النازحين من حي الشجاعة جراء العملية العس




.. طبيبة سودانية في مصر تقدم المساعدة الطبية والنفسية للاجئين م