الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخرابة والسدرة

علاء هاشم مناف

2007 / 10 / 14
الادب والفن


قصة قصيرة

تململ في مكانه وهو جالس في احدى زوايا المستطيل لمدخل الخرابة ، فالى يمينه سرير ضيق ومتهدم ولهب يتصاعد من ذلك (الطباخ) الذي ياخذ حيزا مكانيا تحت السلم الحديدي الذي علاه الصدأ ، ولهب سيكولوجي احاط بالرأس الاشيب والاشعث الذي يرفض النوم ليسمع حقيقة ما يدور في ذلك الصراخ الرتيب خارج (الخرابة) . غير جلسته وتنفس مليا وسكب قليلا من العرق وكاسره بماء ، وقد تحول لونه الى اللّون الابيض ، قال في دخيلته : يحزنني ويسرني ذلك الشعر وهو يستنزف طاقتي وبراعة الوعي الذهني الذي يشدني الى العبارة الآثمة او التشبيب بتناقضات ذلك العقل الماجن إننا امام حالة متناقضة ! ما حققه المعاصرون من الساسة في هذا النسج من أضغاث الاحلام وما يلينا من أساطير وفيزيقيات ومسخ من هذه الكائنات . اننا جميعا لحوم قابلة للشواء والتقديم على الموائد في كل مرحلة تاريخية . فالمرحلة التي نحن بصددها هي مرحلة الشواء ثم بدأ يستريح داخل حلقة التواضع هذه بعد ان صرع ذلك الغثيان القاتل وبعد ان توافق مع تلك الغالبية في السوق رغم الحس التقريمي فكان الموقف هو الذي استدعى دلائل الشهادة (فالسيد) امتنع عن الادلاء باي شيء خارج موضوع الخمرة ، وكان حري به ان يقف مع تلك الشريحة الشعبية التي زادته ثقلا لاثقاله طيلة الاربعين عام الماضية بعد التزامه السياسي في اواخر الخمسينات مع رفيقه ابو عمشه الشيوعي المعروف ، وان القضية المتعلقة بهذا الالتزام كانت قد مثلته (البروستانتية السياسية ثم البروتستانتية القومية ثم الدينية ثم جاء الانقسام البابوي العلماني ليخلص الى حقيقة هذا الموقف) بعد التمرد على الروح في رحلة طويلة للفسر – والايضاح فانقطع هذا المنلوغ بالاجابة من وراء الباب الحديدي للخرابة بصوت مثل شوق هذا العالم الفاني حين مثل صبر اهل الآخرة كما يرى تلك الاشواق ، حيث التمثيل العام في هذه الدنيا بارادة الاختيار حتى يستطيع الانتظار لما هو قادم الى هذه الخرابة لانها دار الآخرة كما يتصورها دائما ، لانها الحصول على النصيب المترفّع والقادم وفق مثل عليا باعتبارها اصرار على الاعتراف بتلك السدرة التي غطت الخرابة باعتراف الشهود المحبين الذين قاموا بتقديس هذا المكان بشواهد من الشعر والخمر والراحة والتعب مثلته السدرة بالخرابة حيث جاء من وعي كوني وبديل لما هو اسمى وافضل من الخارج الموضوعي عنها باعتبارها الصبر على ما يحدث من زوال خارجها (دخل الاعرج) وهو من تلك الروح الرافضة للنفاق الاجتماعي يبحث عن الحرية داخل المكان المستقل بالارادة البشرية المتجلية بالسدرة والاستقلال عن الالتزام الاجتماعي المنافق وهي محصلة لنتيجة حتمية هاربة باتجاه المجهول . والانعزالية تمارسها هذه الشخصيات بفضيلة تنسحب وفق السياق الاجتماعي الذي لا يفوز فيه بهذا الاكليل من الغار الا من اثار الغبار في وجه ذلك الندب الفضفاض من شخصيات بلغت من الازدواجية حد السبات داخل منظومات فيزيقية (تضعف البصر وتقتل الهمة وتحارب المعرفة) وقف الاعرج امام السيد مجاور للسرير الضيق وهو يتطلع بوجه السيد الذي علت ذقنه لحية كثة بيضاء ، تظهر تعابير حزينة لكنها تستدعي صورة صارمة لهذه الحياة مع حضور مهيب رغم ارتدائه بزة قديمة بادره الأعرج (اتريد ان اجلب لك عرق) ؟ فاختار السيد ابتسامة ارتسمت على وجهه المسحوق بذلك الترفع وبشفافية تداعت على شفتيه وكانها سلبت منه جرحا كبيرا كان قد اظهره لكي يبدو معبرا عن هذه الصورة المرتسمة خارج المكان ذلك الترفع الذي نسجه الكهنوت الطويل باعتباره ردة على هذه الانعطافة والتقاء لما استنتجه السيد طيلة تلك الفترة وهو يرتب تلك المنزلة بامتياز العارف لهذا التهالك الكهنوتي الجديد خارج المكان . فاندست يد السيد في جيبه فاخرج خمسة آلاف دينار سعر قوطيتين من الخمر بسعر السوق السوداء واعطاها للاعرج) فارتسمت على وجه الاعرج فرحة تكشف عن حياء اكتنفه ، لانه ضمن كأسين من الخمر تحت السدرة التي بللتها الشمس في ذلك اليوم البارد . هتف الاعرج بحركة مسرحية في رجله المضمرة (سوف اتي مثل البرق) كان الاعرج قاحلا كجسد طاف في الهواء عاري القدمين يداه دائما الى الاعلى صاحب راس صغير جدا ووجه بزوني عند رؤيته اول وهلة فهو يحمل كثير من النوبات والعذابات الاجتماعية يثير الشفقة وقد منحته الخمرة خفية محكومة بالبؤس عندما يثمل وقد تتزن خصلات سلوكه بما يشبه النواح او العويل والصياح بصوت عال بالشوارع حتى يرتطم بالارض ثم يحمل على (عربانة الجت) التي يقودها اخوه باتجاه البيت . هذا الافق الضيق من السوق الذي ظل يسلط الاضواء على الذين يترعون الخمر داخل الخرابة والذين يمسكون بهيبة الكأس الى يمين السدرة التي صلب عليها (رجال الاستشراف) في ذلك اليوم المشمس الذي تفرق فيه (الخير عن الشر) ووضعت الاشواك في الطريق وتسامت الاجساد باشاره الى الدماء التي سفكت على ذلك الجذع تمثل الرفات للبشرية لترجع ثانية بارتفاع العصور وجناتها الخفية حيث يقوم رجال الاستشراف . من هنا يكتب التاريخ . وبقي السيد يرى النور القدسي يخبو داخل كتل الطابوق المتدلي مع تدلي السدرة هّمَ بالقيام ليرى ومضة السناء الخالدة وهي ترتجف نحو رب النور المتعالي ، فهو يحيى كما يقول رغم انف كل التافهين ، بقي الازل يسكن الوجود والبهاء الوّضاء المتعلق بالجوهر ، فالتفت الى الوراء ليخلق التودد بانتظار حركة الاشياء لتبدا كالنهر الاثيري الصافي وليبدأ التوازن من جديد بعد ان ترع الكاس الاولى فأهاج الكؤوس المضمرة داخل ذلك الجسد وسار في مدن وقرى مهجورة . فعلم ان الطريق بالذين يخلصون حتى يدخلو من ذلك الطريق الضيق هتف حسين بصوت خفيض من وراء الباب الضيق حتى ذاق ذرعا بتلك الشياطين بعد ان اتم كل شيء ، لكن الطريف في الامر هو ان السير في ذلك الممر المؤدي الى باب الخرابة قد يهلك حتى الانبياء لان قاتليهم واجمين في ذلك الممر فاراد حسين ان يجمع كل بركات ذلك اليوم ببيت واحد من الشعر فلم يستطع حتى تناول الكاس الاول بمراقبة ذلك التورم الذي جرده الإستسقاء فقال له السيد : اختر المقاعد المناسبة لكل اصحاب الوليمة فاجلس مع المدعوين ومع الاهم منك فجيء بالمكان فجلس على مقعد حتى بدأت الجلسة كما يسميها السيد . والقول بالمقعد الاخير يعني الدعوة الى مقعد متقدم فاختصر المكان فما هي الا لحظات حتى تتسامى في قدر كل المدعوين وارتفعت الاقداح فصاح الاعرج (بصوت عالٍ: اخواني الاغنياء لا تتبادلوا الدعوات مع اهل السوق لانهم يشربون عرقكم كله رغم اني المنتفع يوم القيامة لاني ساقي العطاشى من الخمور . فاحتدم النقاش بعد ان جلس ثامر ومعه العود قال : رجال الوليمة ايها الافذاذ قولوا للمدعوين اسمعوا فان كل شيء مهيبا ثم نبدأ وتعتذروا كلكم اذا بدأ الفناء حيث يسكنه النبع الصافي الذي لا يعرف الا الوجود . اني جئت لاغني الى الوجود قبل غياب الشمس ، فاسمعوني عندما ينطلق صوتي ، فالرب كساني بالعباءة الخمرية فأنشأ يقول: اياك والظلمة فانها باب دهليز سحيق فهي العدم واللانهائية ، انني ادعوكم اليوم لسماعي بجرأة فاهربوا معي الى بحيرة الجحيم حتى نمكث طويلا ايها السادة الكرام لان طبقتكم السحيقة تختفي عند تلك الظلمة وهي المحيطة بالطبقة (الوسطى) لانها الوحيدة التي تحب الالحان المختلفة كما ابدعه (اورفيوس) فلما سمع (عامر) قال للمدعوين (هنيئا لمن يجلس تحت السدرة ، فان هذا الملكوت هو الذي جاء بهذه الوليمة وهؤلاء الرجال المدعوين فلنعتذر كلنا لهذا الكأس وهذه السدرة ولنجرب العذر في السدرة لانها الخروج باتجاه كل الفقراء والمشوهين وحتى العرجان والعوران فالتفتوا جمعيا الى السيد فاخرج طوفانه في الدروب والزم الوليمة اقوال المدعوين مطلوب سماعها . فكان الجموع يرافقون الكمنجة حتى طربت العصافير من رائحة الخمور المنوعة ، فتحدث العميان عن آخر الليل الطويل في هذه الخرابة وتحدث سليم عن الحقيقة فصاح (علي) من مكانه (لقد علمتني ربة الشعر ان احلق بالمخاطرة والهبوط والصعود والتحليق فوق سدرة المنتهى انني ادعوك يا حسين ان تحيا في شرفة العصافير الزغار ليحيى نبراس الحياة لتبدأ تشرق من جديد في كوكبين داخل الخرابة وعبثا تنشد هذا الشعر خارج سماء السدرة حتى تشهد ان الفجر سوف يأتي ولا بد ان تشرق الشمس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأملات - كيف نشأت اللغة؟ وما الفرق بين السب والشتم؟


.. انطلاق مهرجان -سماع- الدولي للإنشاد والموسيقي الروحية




.. الفنانة أنغام تشعل مسرح مركز البحرين العالمي بأمسية غنائية ا


.. أون سيت - ‏احنا عايزين نتكلم عن شيريهان ..الملحن إيهاب عبد ا




.. سرقة على طريقة أفلام الآكشن.. شرطة أتلانتا تبحث عن لصين سرقا