الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصص سلام الراسي على مسرح الميدان في حيفا ... «حكي قرايا وحكي سرايا» من صلب تراث بلاد الشام

وليد ياسين

2007 / 10 / 11
الادب والفن


«حكي قرايا وحكي سرايا»، هو المؤلف الثالث من سلسلة الأدب الشعبي التي كتبها الاديب اللبناني الراحل سلام الراسي، نقلاً عن حكايات وقصص جمعها من ذاكرة الناس، وقدمها إلى القراء على ألسنة «أبطاله» الشعبيين، من العامل والفلاح والمعاز والإسكافي والناطور والمختار ورجل الدين والسياسة.

استحضر الراسي تلك الشخصيات من المحيط القريب، من بلدته ابل السقي (جنوب لبنان) وغيرها من بلدات الريف اللبناني. لكن تلك الحكايات لم تكن لبنانية فحسب، بل جمعت تراث أرض الشام كلها. لذلك نجد الفلسطيني يتجسد في كثير من ذاك التراث، وربما، كان هذا التلاحم هو الذي دفع الفنان الفلسطيني الشاب ميلاد عازر، ابن قرية الرامة الجليلية القريبة من الحدود اللبنانية، إلى اعداد عمل مسرحي يستحضر الراسي وحكايات القرايا والسرايا على مسرح الميدان في مدينة حيفا.

غالبية الأمثال والحكايا الشعبية التي اعتمدها عازر يرددها الفلسطينيون ويحفظونها من جيل إلى جيل. وليس صدفة أن احدى الممثلات في العرض ، حنان حلو، قالت أنها استعانت بشخصية جدتها وصديقاتها في تجسيد الشخصيتين اللتين قدمتهما في المسرحية: شخصية «شكرية» وشخصية «أم منصور» التي تنتظر عودة زوجها من السفر الطويل. فالجدات عايشن ردحاً زمنياً من الفترة التي تتناولها أحداث المسرحية وهن خير شاهدات على تلك الايام.

يمثل أبطال المسرحية مختلف الشرائح التي نقل الراسي عنها، ما جمعه من «حكي القرايا وحكي السرايا». أبو جميل وأم منصور وأبو طشطش وأم طشطش وعساف الجلالاتي ولطيفة والعم مخول وأبو كايد والخوري الياس، ورجب شاويش وحسن أفندي وغيرهم، كلها شخصيات تتلاقى على مسرح قرية صغيرة في جنوب لبنان فترة الحرب العالمية الأولى واستبداد النظام العثماني.

يتمحور الحدث في المسرحية حول شخصية عسّاف، صانع سروج الحمير والزوج الشاب العاجز والمحب لزوجته، الذي يتهرّب من الخدمة العسكرية في الجيش العثماني بعد دفعه رشوة الى الحاكم التركي وحصوله مقابلها على شهادة الجنون. ولكي لا يقع عساف في ايدي رجال النظام العثماني، ينتحل شخصية الزير سالم ويمتطي جواداً وهمياً ويلف ارجاء القرية في رحلة هدفها اقناع اهلها، وبينهم زوجته لطيفة، بجنونه.

خلال الرحلة يتعرف المشاهد على حياة أهل القرية وصراعاتهم وشخصياتهم وأفكارهم بكل مركباتها: الحب، الحسد، الكرم، وغير ذلك من تقاليد ومشاعر وعادات تعكس فلسفة الحياة الريفية.

سار مُعد ومخرج المسرحية نبيل عازر في عمله هذا على الخطى الكوميدية التي انعكست في كثير من الحكايات والامثال التي وثقتها مجموعة الراسي التراثية، فجاءت المسرحية في قالب كوميدي رسم صورة واسعة للعلاقات الاجتماعية بين أهل القرية.

استطاع عازر ان ينقلنا بعمله، إلى أجواء القرية بمفهومها الشعبي، لكن بالغ في بعض المشاهد، كالمشهد الافتتاحي الذي يكثر فيه الصراخ والشجار بين أبطال المسرحية (أهل القرية) كما لو ان ذلك هو الجو المميز للحياة القروية.

ونجح في جعل المتلقي يعايش فترة زمنية محددة، ذات ارتباط بالتراث الشعبي لمنطقة الشام. لكنه على رغم ان المسرحية يفترض ان تعرض من خلال شخصيتها المركزية صراع الفقراء مع السلطة الجائرة، ونقل «حكي القرايا وحكي السرايا» بواقعه المعيشي، الا ان هذه الحلقة كانت ضعيفة في النص الدرامي، ولم تظهر بوضوح للمشاهد، وبدلاً منها ظهر التركيز واضحاً على مقارنة مثيرة للسخرية بين حياة القرويين البسطاء وفلسفة الساسة، التي مثلها المجنون وزوجته.

ولم ينجح حنا شماس (عساف) في كثير من المواقف بإقناع المتلقي بمفاهيمه السياسية وظهر ممثلاً لفئة بسيطة اكثر من كونها فئة قادرة على التوجيه والقيادة في المعركة ضد التجنيد القسري الذي فرضه النظام العثماني على اهل الشام.

وكانت هناك شخصيات اخرى لم تقنع المتلقي بأدوارها، اللهم الا اضحاكه من الشخصيات التي تمثلها، ما قاد بالتالي إلى افراغ النص المسرحي في كثير من المواقف، من مضمون هادف وانحصاره في طرفة او حكاية مثيرة للسخرية.

على رغم ذلك، يمكن القول ان تجربة «حكي قرايا وحكي سرايا» تجسد محاولة اخرى من المسرح الفلسطيني داخل منطقة 48 لتقريب الجمهور من ذاته وواقعه. وهي، وان لم تكن بمستوى اعمال سابقة قدمها مسرح الميدان، الذي يعتبر اول مسرح محترف في منطقة 48، تبقى تجربة ذات طابع آخر في العمل المسرحي المحلي، من ابرز سماتها البحث عن عمل يأتي من المحيط الذي يعيشه المتلقي، من الشارع والزقاق والبيدر، وليس من حلبات غريبة او بعيدة من واقعنا اليومي، وهو ما شاهدناه في كثير من الاعمال التي قدمتها مسارح فلسطينية محلية، لجأت إلى نصوص اجنبية وحاولت تقريبها إلى واقعنا فنجحت حيناً واخفقت احياناً.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي