الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشادية، زبيدة الإدريسي، صوتٌ فنّي من المغرب بلسان التعدد

محمد المدلاوي المنبهي

2007 / 10 / 11
الادب والفن


لقد شكلت الموسيقى عُمدة من أهم عُمـد صروح كل الحضارات التي خلّف لنا التاريخ عنها أثرا. ولقد شكلت باستمرار رهانا كبيرا في كل المجتمعات، سواء أكان ذلك من خلال حرية ممارسة هذا الفن، أم من خلال تقنين أشكاله وممارساته، بل وحتى من خلال مناهضته أحيانا مناهضة مؤسسية، وذلك حسب التقلبات الفكرية للمجتمعات.
ويمثل الصوت البشري بُعدا أساسيا من أبعاد هذا الصرح الفرعي الذي تشكله الموسيقى في صرح الحضارة. ذاك هو ما جعل الصوت البشري المنغّـم يواكب دائما الكلامَ المقدس منذ القدم كقوة من قوى التبليغ والإيصال، وذلك من تسابيح أخناتون التوحيدية لمصر القديمة، إلى مزامير داود اليهودية، إلى التراتيل الغريغورية المسيحية، إلى تجاويد القرآن الكريم الإسلامية. كما أن الصوت البشري المنغّـم قد حمـل وزكّى كل القناعات الأولية المؤسـسة (founding myths) لدى الشعوب قديمها وحديثها. فلنستحضر، في عصرنا هذا، أناشيد "المارسيّـيــز"، و"التيـقـفا"، و"بلادي بلادي"، و"من جبالنا"، و"منبت الأحرار"، غيرها. هذا ما جعل التربية المؤسـسية تتدخل في كل حين لكي تضيف إلى هبة أي صوت فطري مزيةَ الصقل والتهذيب المكتسبين.
ووعيا من "اللجنة الوطنية للموسيقى" بالمغرب بهذا البعد المواطني والتربوي للموسيقى وللصوت المهذب الرفيع، وبدورهما على الخصوص في تهذيب الطباع وإرساء التوازنات السيكو-جتماعية، فقد اختارت هذه اللجنة أن تخول "جائزة الفارابي للموسيقى العريقة" لموسم 2007 لصوت من أجمل تلك الأصوات الرائعة التي أطربت وتطرب الفضاء المغربي والمغاربي عامة وسائر نطاق إشعاع ذلك الفضاء. صوتٌ عمل، من خلال مسيرة مشوار صقله وتهذيبه، وكذا من خلال تنوع صنائع الديوان الواسع الذي عانقَ، على ربط الحاضر بماضي تقاليد الانفتاح على القيم الكونية التي عُـرف بها هذا الفضاء المغاربي الذي انصرف فيه دائما فعلُ الوحدة بضمير تعدد الجمع، سواء أتعلق الأمر بالعنصر البشري، أم بعنصر اللغة، أم بشؤون العادة أو العبادة أو الفنون من موسيقى وغيرها. إنه الصوت "الميتزو-صوبرانو" الجميل للشادية المغربية، زبيدة الإدريسي، سفيرة التعايش والسلام.
فلقد عانقت زبيدة الإدريسي الأبعادَ الكونية للتراث الموسيقي لأبرز الثقافات العالمية، وذلك عن طريق أداء حاذق وموفق لديوان غني من صنائع الموسيقى العريقة، ومن الغناء العربي-المغاربي، والأمازيغي، والغرناطي، والأندلسي، والاسباني، والتركي، واليوناني، الخ.
فقبل أن تكتشف شغفـَـها بمقامات موسيقى جنوب المتوسط، وعلى الأخص منها الموسيقى المغاربية والمغاربية-الأندلسية، والموشحات، كانت قد أدت بشغف ومهارة تغاريدَ "ليــديات" "يوهانس برامس"، و"فرانس شوبير" و "جوزيف مالير" و"كلود دي-بوسي" و"أماديوس موزارت"، زبادة على ألحان أوبيرا "جويسيبي فيردي" و"كاميل سان ساينس" و"جورج بيزي"، ما بين المغرب، وفرنسا، وسويسرا، وأمريكا. وقد كان لهذا المسار المتميز أثر بارز في تميز تقنية الأداء الصوتي للمقامات وللنصوص العربية عند زبيدة الإدريسي بتلوينات وجرسيات جديدة خاصة بهذه الفنانة هي تفوفيق موفق ما بين تلك المقامات وتقنية صياتة فن الأوبيرا الغربية.
ولقد أثارت منجزاتها وديوان أعملها اهتمام باحثين في الموسيقى وفي الإثنو-موسيقى من آفاق مختلفة. يقول في شأنها أحد هؤلاء، زميلنا الباحث الموسيقي التونسي البارز، محمود قطاط، مؤلف عدة كتب ومن بينها كتاب "الموسيقى العربية-الأندلسية في بلاد المغارب" ما يلي: "تمتلك زبيدة الإدريسي قدرة لا نظير لها في امتلاك ناصية الغناء، وتتوفر على ثقافة موسيقية تشد الانتباه؛ كما أن لها لونا خاصا بها يشكـّل طابعَها الأصيل، مما لا يمكن إلا أن يساهم في إثراء الأرضية الفنية المغاربية".
وللشادية زبيدة الإدريسي ديوانُ صنائعَ جدُّ متنوع، وسأقتصر هنا، نظرا لضيق المجال، على الإشارة إلى عمل واحد فقط هو "أغاني الوصل" (Chants de traverses)، ليس فقط نظرا لقوته الفنية الذاتية، ولكن كذلك بالنظر إلى رمزيته من حيث إنه يحطم بعضَ تلك الحواجز التي تقوم بنصبها شقاوةُ الجهل. إنه أنشودةٌ حقيقية من أجل السلام، ذلك الإحساس القوي الذي تتقاسمه المغنية الفرنسية فرانسواز أطلان – التي تغني بألسن العربية والعبرية والإسبانية – مع زبيدة الإدريسي، التي تضيف إلى كل ذلك ألسنا أخرى للوصل والتعارف، ومنها اللسان الأمازيغي على وجه الخصوص.
فمن أجل تتويج كل هذه المسيرة من العطاءات السعيدة، قررت اللجنة الوطنية للموسيقى بالمغرب برئاسة الفنان الكبير، حسن ميكري، التي هي عضو بالمجلس العالمي للموسيقى، وبشراكة مع جمعية أبي رقراق، أن تخول جائزة الفارابي للموسيقى العريقة لموسم 2007 للفنانة زبيدة الإدريسي؛ فهنيئا لها؛ والسلام عليكم.
الرباط 08 أكتوبر 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو


.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد




.. بسبب طوله اترفض?? موقف كوميدي من أحمد عبد الوهاب????


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم