الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يستعيد النظام الروسي تدريجيا مكانه ودور الاتحاد السوفييتي؟

احمد سعد

2007 / 10 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


وما اثار قلق ومخاوف وحفيظة النظام الروسي ليس فقط ضم عدد من بلدان اسرة حلف وارسو، من البلدان الاشتراكية السابقة الى الاتحاد الاوروبي، بل المخطط الامريكي لزرع اراضي بعض هذه البلدان، بولندا وسلوفاكيا، بدروع استراتيجية على مقربة من الحدود الروسية وبحجة "مواجهة" خطر هجوم نووي ايراني.
يلاحظ منذ اكثر من ثلاث سنوات ان النظام الروسي بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين ينتهج سياسة خارجية منهجية، مدلولها الاساسي العمل على استعادة مكانة روسيا على الحلبة الدولية كدولة عظمى لها دورها في صياغة القرار السياسي المتعلق بالقضايا الدولية الناشئة. فانهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي ادى الى ضرب مكانة هذا القطب العالمي والى ضرب المصالح الروسية في العديد من المناطق، وخاصة في الشرق الاوسط وذلك مقابل تعزيز مكانة القطب الامبريالي الامريكي، وكان لنظام الردة والخيانة الوطنية لغوربتشوف – يلتسين الاثر الكبير في تردّي الاوضاع الاقتصادية – الاجتماعية وهيمنة "اقتصاد الظل" بانتعاش عصابات المافيا الاقتصادية التي انتعشت مثل الطفيليات وبضمنها المافيا الصهيونية الامر الذي ادى الى نهب اموال الدولة وخصخصة القطاع العام وتهريب مليارات الدولارات سنويا الى الخارج، كما ادى الى تخفيض مكانة روسيا في الجدول التدريجي الاقتصادي لدول العالم، واصبحت روسيا البلد الغني جدا بثرواته الطبيعية وبتقدمه العلمي التكنولوجي اشبه ما يكون في مرتبة الدول النامية ضعيفة التطور. وادرك نظام بوتين منذ البداية انه لاستعادة مكانة روسيا ودورها المؤثر على الساحة الدولية كدولة عظمى فانه من الاهمية بمكان توفر ثلاثة شروط اساسية: الجبروت الاقتصادي الذي يستدعي ترشيدا اقتصاديا مركزيا ومحاربة اقتصاد الظل وعصابات المافيا، والجبروت العسكري ولدى روسيا واوكرانيا ترسانة هائلة من الاسلحة التقليدية واسلحة الدمار الشامل، والشرط الثالث، انه لمواجهة الانياب المفترسة للعولمة الرأسمالية، وخاصة الامبريالية الامريكية، لمواجهة التكتلات الامبريالية السياسية والاقتصادية والعسكرية مثل الاتحاد الاوروبي والحلف الاطلسي فلا مفر من التفتيش لبلورة تحالفات تخدم الامن القومي الروسي وتدافع عن مصالح روسيا اقتصاديا وسياسيا.
فبعد تفكك "رابطة الدول المستقلة" التي قامت اثر انهيار الاتحاد السوفييتي انصبّت جهود نظام بوتين على تحسين الوضع الاقتصادي- المعيشي، خاصة وانه في عهد يلتسين انخفضت وتيرة النمو الاقتصادي ووصلت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر الى اكثر من خمسة واربعين في المائة، كما وانصبت الجهود على توثيق العلاقات الاقتصادية- التجارية بين روسيا وبعض الجمهوريات السوفييتية السابقة مثل بيلاروسيا واوكرانيا وكازاخستان وغيرها.
وتحسّن الوضع الاقتصادي في زمن بوتين واستفادت من هذا التحسن شريحة من البرجوازية الروسية الصاعدة، وخاصة من الناشطة في مجال انتاج وتصدير الاسلحة. ولكن تحسن الوضع الاقتصادي لا يعني بعد الضمانة لحماية الامن القومي الروسي، خاصة على ضوء تصعيد نيران استراتيجية العدوان الكونية، التي تنتهجها ادارة بوش الامريكية التي اصبحت تهدد بشكل مباشر الامن القومي الروسي. والامر لا يقف عند احتلال القوات الامريكية للعراق وافتراس المصالح الروسية في العراق ولا تهديد المصالح الروسية في الشرق الاوسط وفي مركز آسيا بعد احتلال افغانستان ولا في محاولة واشنطن الهيمنة على مصادر النفط وسوق بيع السلاح الامريكي في الشرق الاوسط وغيره من المناطق، الامر لا يقف عند هذا الحد، بل وصل الى درجة اقامة قواعد عسكرية في عدد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، في قيرغيزستان وكازاخستان وجورجيا ومحاولة ضم اوكرانيا تدريجيا الى تحالف غربي، هذا اضافة الى تغلغل احتكارات امريكية عابرة القارات الى بعض الجمهوريات السوفييتية السابقة الى اذربيجان وغيرها.
وما اثار قلق ومخاوف وحفيظة النظام الروسي ليس فقط ضم عدد من بلدان اسرة حلف وارسو، من البلدان الاشتراكية السابقة الى الاتحاد الاوروبي، بل المخطط الامريكي لزرع اراضي بعض هذه البلدان، بولندا وسلوفاكيا، بدروع استراتيجية على مقربة من الحدود الروسية وبحجة "مواجهة" خطر هجوم نووي ايراني.
أمام هذه البلطجة العدوانية الامريكية العربيدة ودفاعا عن الامن القومي لاتحاد الجمهوريات في روسيا الفدرالية، اخذت القضية الامنية تشغل حيزا هاما في سياسة نظام بوتين. فحاول في البداية ايجاد نوع من التحالف بين الثالوث السلافي – روسيا وبيلاروسيا واوكرانيا – وكازاخستان ايضا التي تعتبر صحاريها مكان التجارب الصاروخية والنووية. ولا تزال قضية التحالف بين هذا الثالوث السلافي على جدول الصراع داخل بيلاروسيا وخاصة داخل اوكرانيا. واتجه نظام بوتين نحو تحسين العلاقات والتقارب مع العملاق الصاعد، مع الصين الشعبية، فتطورت العلاقات الاقتصادية – التجارية بين البلدين، كما تطورت العلاقات العسكرية الى درجة اجراء مناورات عسكرية مشتركة. وقد توجت العلاقاتت الروسية – الصينية بتوقيع معاهدة شنغهاي للتعاون الامني، حيث عقدت قبل اقل من شهرين قمة شنغهاي في باشكيك عاصمة قيرغيزستان بمشاركة رؤساء الصين وروسيا واربع جمهوريات سوفييتية سابقة اتفقوا على التعاون الامني الجماعي في مواجهة أي خطر خارجي وكذلك في تحسين العلاقات الاقتصادية. والدافع الاساسي للتقارب والتعاون الروسي – الصيني، حسب رأينا، يكمن في توافق المصالح بينهما، خاصة في مواجهة انياب الوحش الامبريالي الامريكي المفترسة، في زيادة النفوذ الامريكية في جنوب شرق آسيا بعد احتلال افغانستان، زيادة نفوذه في باكستان والهند اضافة الى القواعد العسكرية الامريكية في اليابان وكوريا الجنوبية، حيث اصبح يؤلف خطرا امنيا على الصين وروسيا، اضافة الى ان انتصار اليمين في فرنسا والمانيا قد اعاد هذين البلدين الى بيت الطاعة الامريكي مما زاد من مخاطر التحالف الامريكي – الاوروبي على الامن والسلام العالميين.
وفي هذا السياق جرى حدث هام في نهاية الاسبوع المنصرم له مدلوله السياسي على ساحة التطور والصراع العالميين. فقد عقد في العاصمة الكازاخستانية، آلما آتا قمة احدى عشرة جمهورية سوفييتية سابقة- روسيا، بيلاروسيا، كازاخستان ارمينيا، اذربيجان اوزبكستان، قيرغيزستان، تركمانستان، طاجكستان، مولدافيا وممثل عن اوكرانيا. وقد اتفق في هذه القمة على اقامة منظمة الامن الجماعي، ووفقا لما اتفق عليه في هذه المنظمة فان أي اعتداء على أي دولة من دول المنظمة يعتبر اعتداء على جميع اعضاء المنظمة، كما اتفق على عدم انضمام أي دولة من دول المنظمة، الى أي حلف او تحالف عسكري خارج المنظمة، تنظيف جميع اراضي دول المنظمة من القواعد والمطارات العسكرية الاجنبية، والعمل تدريجيا على دفع عجلة التكامل الاقتصادي والعسكري والسياسي. والتعاون الامني مع معاهدة شنغهاي، أي اعتبار الصين حليفا في اطار عملية الامن الجماعي والتكامل الامني.
بدون شك ان منظمة الامن الجماعي قد عززت من مكانة روسيا ومن دورها النوعي الذي ننتظره في التأثير على صياغة القرارات الدولية وكبح جماح العربدة الامبريالية الامريكية.
حتى بالنسبة للموقف من قضايا الصراع في منطقتنا فاننا نلاحظ موقفا روسيا افضل من السابق، بالرغم من انه لم يصل بعد الى مستوى الموقف السوفييتي المبدئي الذي كان يدعم حركات وانظمة التحرر القومي الوطني في مواجهة العدوان الامبريالي والاسرائيلي. فموقف روسيا الداعم لسوريا وتطوير علاقاته مع النظام السوري وتعزيز القدرة العسكرية الدفاعية لسوريا، هذا الموقف لعله احد العوامل في كبح جماح عدوان عسكري اسرائيلي- امريكي على سوريا. كما ان موقف روسيا والصين من الملف النووي الايراني والوقوف في وجه المخططات العدوانية الامريكية والاسرائيلية عامل هام في لجم امكانية شن حرب عدوانية على ايران حتى يومنا هذا.
السؤال الذي يطرح نفسه: نحن ندرك جيدا ان نظام بوتين لا يبني الاشتراكية ولا الاتحاد السوفييتي من جديد، ويدخل نظامه في اطار التقسيم العالمي للعمل الرأسمالي، ولكن تناقض المصالح الاستراتيجية والسياسية مع محاور الامبريالية، وخاصة مع المحور الامبريالي الامريكي الاشد شراسة وعدوانية من المحاور الاخرى، تناقض المصالح هذا يجعل النظام الروسي في استناده الى الضرب على وتر "قومية الدولة العظمى" ومصالحها يبرز وكأنه يختلف جذريا من حيث الهوية الطبقية عن محاور الامبريالية الاخرى. وحنين البعض الى الاتحاد السوفييتي يجعله يسبح في سراب الوهم ان بوتين يستعيد تدريجيا عظمة الاتحاد السوفييتي.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طبول الحرب تُقرع.. تهديدات إسرائيلية صريحة بحرب واسعة على لب


.. مؤتمر برلين لتعافي أوكرانيا يطالب بالمزيد من التسلح | الأخبا




.. حشود ومناورات عسكرية في المناطق الأكثر سخونة في العالم تحسبا


.. السنوار... أنا ومن بعدي الطوفان! #التاسعة




.. قراءة عسكرية.. جيش الاحتلال يعلن مقتل مجموعة من جنوده وضابط