الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الباحث الفلسطيني :تصاعد التيارات الأصولية سببه تراجع دور اليسار

سلامة كيلة

2007 / 10 / 16
مقابلات و حوارات


حاوره عبد معروف
تصاعد دور التيارات والقوى الإسلامية الأصولية في الحياة السياسية العربية ، واتخذ هذا الدور شكلا صداميا مع كافة مظاهر الواقع . وتزايدت التساؤلات وإثيرت النقاشات حول طبيعة هذه الحركات وارتباطاتها وأهدافها ، مما ولد لبسا واختلاطا هناك حاجة اليوم للخروج منه .
حول هذه القضايا التقت "الاتحاد الاشتراكي" الباحث الفلسطيني سلامة كيلة ، الناشط في مناهضة العولمة ورئيس مركز جرس للدراسات في دمشق ، وأجرت معه هذا الحوار :
* ما هو المناخ الذي أدى الى تصاعد الحركة الاصولية الإسلامية في المنطقة العربية؟
- تشكلت الحركات الاصولية منذ بداية القرن العشرين، ووجدت في الاساس كقوة مواجهة للأفكار التقدمية والديمقراطية والماركسية ، والقومية التي كانت بدأت تنتشر في المنطقة العربية منذ تجربة محمد علي باشا في مصر وبداية تشكل إتجاهات المدنية الحديثة مع رفاعة الطهطاوي و كان هدفها الاساسي هو تدمير كل الميول الحداثوية وتكريس البنى الاقتصادية الاجتماعية التقليدية عبر السعي لإعادة انتاج الدولة العربية الاسلامية ،ولكن في إطار منظومة مفاهيم كانت تشكلت بعد انهيار الدولة العربية الاسلامية، وبالتالي كانت مفاهيم متخلفة ، غير عقلانية ومؤسطرة تركز على الشكل فقط ، وتلغي العقل وهذه المسألة بدأت بالأساس مع الغزالي. ولهذا نجد أن نشوء الحركة الاصولية خاصة مع نشوء حركة الاخوان المسلمين في مصر عام 1928 اعتمد بالاساس على ابن تيمية والغزالي ، لأن لإبن تيمية كان الأكثر تطرفا في صياغة الإسلام القروسطي . لكن تحولات الواقع النضال الوطني من أجل الاستقلال،وتصاعد المطالب الشعبية، والشعور بالحاجة للتقدم الذي كان قد بدأ منذ نهاية القرن التاسع عشر ومع بداية القرن العشرين كان يجعل القوى التقدمية، والقوى الديمقراطية والعلمانية والقومية والشيوعية هي الأقوى وأصبحت هي قوة التغيير بعد الحرب العالمية الثانية ، لكن الأزمة التي عاشتها النظم القومية وعدم قدرتها على تحقيق التقدم العميق الضروري لتقدم المجتمع
وتغلب الطابع الاستبدادي الذي مورس والذي همّش السياسة وسطّح الوعي ، بالتالي نشوء فئات هامشية واسعة إضافة الى دور النظم ذاتها التي استولت على السلطات ما بعد العام 1970 في دعم الحركة الاصولية وفي إنشائها في بعض المراحل وفي تقوياتها أوجد أرضية لأن تصبح الحركة الاصولية قوة أساسية. ويمكن الإشارة الى أن السنوات الثلاثين الماضية شهدت تهميشا واسعا للمطالب الديمقراطية والشعبية ، وبالتالي شعور بالقهر الطبقي الذاتي من جهة وشعور بالاضطهاد الخارجي الذي تقوم به الامبريالية من جهة ثانية. هذه العناصر، مع غياب الوعي السياسي الذي دمّر في إطار تجارب الحركة القومية العربية وخصوصاً أن مجمل الاحزاب القومية والماركسية إما انهارت أو دخلت في مأزق عميق، ولم تعد تستطيع أن تطرح مشكلات الواقع، ولم تعد تدافع عن مصالح الفئات الشعبية المقهورة المهمّشة، جعل قطاعات من هذه الفئات المهمّشة تسعى الى التمرد والمقاومة انطلاقاً من الوعي الذي هو وعي تقليدي نتيجة انهيار التعليم من جهة ونتيجة انهيار الحركة السياسية والوعي السياسي من جهة اخرى. فهذا الأساس أعطى الأرضية للقوى الأصولية لكي تلعب دورا في إعادة بناء الحركة الأصولية على ضوء برنامج يعيد إنتاج المفاهيم التقليدية القديمة ، لكنه بالواقع يتكيف مع السيطرة الإمبريالية لأنه يقوم على الحق المطلق في الملكية والحق المطلق في حرية السوق ، لكن وجود بعض الفئات المتمردة ، دفع الصراع لأن يتحول إلى صراع أعمق ودموي في بعض المواقع من قبل الحركات التي اطلقت على نفسها حركات جهادية ، حيث سعت إلى تدمير النظم القائمة وفق برنامج أصولي .
*هناك قوى أصولية قاتلت الاحتلال ، كيف يمكن التمييز بين الإتجاهات داخل الحركات الأصولية ؟
- هذه مسألة بحاجة للتدقيق والمناقشة ، فالذي بدأ يؤسس ويبلور الحركة الاصولية كحركة مسلحة هو الولايات المتحدة ووجهته في البداية ووظفته ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وكانت بعض الدولة العربية تدفع القوى الاصولية للذهاب الى أفغانستان والمشاركة في الحرب ضد الاتحاد السوفييتي وعممت في المنطقة العربية فكرة تأصل تحالف الايمان ضد الالحاد السوفييتي بمعنى تحالف القوى الاصولية مع الاصولية اليهودية مع القوى المحافظة في الرأسمالية ضد الاتحاد السوفييتي والقوى الشيوعية. من هذا المنطلق، بدأ دورها العسكري يبرز على صعيد عالمي ضد الاتحاد السوفييتي وضد كل القوى التقدمية والقوى التحررية. ولكن الذي يتابع سياسة الولايات المتحدة منذ بداية انهيار المنظومة الاشتراكية، وبداية غياب "العدو" (كما كانوا يقولون ) ، بدأت الماكينة الاعلامية الامريكية تؤسس لعدو بديل. لهذا بدأت تتحدثث عن إرهاب أصولي ضد مصالحها قبل أن يكون هناك أي إرهاب أصولي ضد مصالحها، وبدأت ترفع من خطر الارهاب الاصولي في أجندتها السنوية التي تناقش الاخبار التي تهدد الولايات المتحدة من المرتبة الاخيرة بداية التسعينات الى المرتبة الاولى نهاية التسعينات. هذه الصياغة الاعلامية كانت تهدف الى بلورة عدو، وطبعاً هذا يطرح سؤالاً: هل الحركة الاصولية انقلبت على الولايات المتحدة بعد أن كانت متحالفة معها؟ هذه المسألة بحاجة الى تدقيق، وهناك احتمالين:
الأول: انها انقلبت بعد أن تضررت، والثاني أن الولايات المتحدة قصدت دفع هذه الحركة لأن تكون انقلبت. أنا أرجح الاحتمال الثاني ، لأن الولايات المتحدة هي التي دفعت الحركة الاصولية التي كانت متحالفة معها لأن تكون خصمها لانها تعتقد وهذا ما بدأ يتبلور أصلاً مع رؤية بعض المثقفين الامريكيين في بلورة "صراع الحضارات" مع هنتنغتون ، وبالتالي كانت الولايات المتحدة تحل محل الصراع مع الشيوعية صراع الحضارات ، لانها كانت تسعى لإغراق العالم بحروب طائفية وإثنية وقومية بهدف خلق فوضى عالمية تدمر بنى تشكلت خلال قرن وكانت لا تتكيف كلها مع الهيمنة الامبريالية أو لم يعد من الممكن تكيفها مع الهيمنة الامبريالية ، تحولت هذه القوى وكأنها قوى مواجهة للولايات المتحدة الامريكية وكانت هي القوى الرئيسية في الصراع، ولأن هناك قوى مقهورة ، وعلى الصعيد القومي من خلال الهيمنة الامريكية ودور السيطرة وخصوصاً بعد ضرب العراق في العام 1991 والتدخل الامريكي الفظ ولأن ليس هناك قوى قومية أو يسارية، جدية ومعنيّة بهذا الصراع، أصبحت الفئات المهمّشة تعبّر عن ذاتها بشكل أصولي وأصبحت ترتبط بهذه الرمزية التي خُلِقت لما أسمي فيما بعد "بتنظيم القاعدة".
* أين استفادت الولايات المتحدة من هذه الظاهرة؟
- حين نطلع على هذه الحركات الاصولية ورؤيتها الفكرية السياسية، سنلمس أنها تقوم على تخلف المجتمع، وتدمير ما هو حداثي فيه، وفرض نظام أصولي بدائي يعيش حياة الكفاف بمعنى من المعاني. هذه المسألة مهمة وأساسية في المشروع الامبريالي للسيطرة ، لأنها تريد هذه المجتمعات أن تتدمر، أن تعود الى بدائيتها. ويمكن أن يكون تعبير وزير الخارجية الامريكي جيمس بيكر عام 1990 حينما التقى طارق عزيز في جنيف وحينما تحدث عن العراق وقال سيعيد العراق الى دولة بدائية أو دولة ما قبل صناعية . كانت هذه الفكرة التي تراود الرأسمال الأمريكي أو الامبريالية الامريكية، علاقتها مع كثير من شعوب الجنوب والأمم التي حاولت أن تتمرد في مراحل وحاولت أن تحقق تطورا صناعيا واقتصاديا وعلميا. من هذا المنطلق، الحركة الاصولية " الجهادية " أساسية في هذا الموضوع
والحركات الأصولية خدمت تكتيكياً تنفيذ استراتيجية أمريكية كانت معدة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وكان بدأها بوش الأب في الحرب على العراق، ومن ثم أكملها كلينتون في البوسنة وفي كوسوفو.
كما أن ما تطرحه هذه الحركات الاصولية والذي يعتمد بشكل واضح ومباشر على فتاوى إبن تيميّة يستثير الصراعات الطائفية لأنه يعبّر عن موقف سني (أصولي) مغرق في حديثه ضد الطوائف الاخرى وضد الاديان الاخرى. وبالتالي، هو ينطلق من انه هو الاسلام وما غيره فهو الكفر. من هذا المنطلق فنشاط هذه الحركة يؤدي الى حروب طائفية. ونحن نقول منذ سنوات طويلة أن الولايات المتحدة تسعى لاشعال الحروب الطائفية. وبالتالي، فهي ومن هذه الزاوية تخدم أيضاً المشروع الامريكي، وما نلاحظه في العراق واضح في هذا المجال لأن أبو مصعب الزرقاوي بدأ معاركه ضد الشيعة وقام بالعديد من عمليات القتل الطائفي ضد شيعة بسطاء عبر وضع متفجرات وانتحاريين في الاسواق وفي الحسينيات. وبالتالي، بدأ بإعطاء مبرر لدور القوى الشيعية الاصولية لكي تلعب دور طائفي ، رغم أن هذه القوى الشيعية هي أساساً طائفية أيضاً. ولكن دور أبو مصعب الزرقاوي كان المحرض والآن تنظيم القاعدة في العراق قام بمسألة خطيرة هي إعلان دولة العراق الاسلامية في حدود المنطقة السنية يعني أنه قسم العراق . وبالتالي يعطي المبرر للشيعة لكي يقيموا دولتهم في الجنوب. ويعطي الأكراد كل المبررات أن ينفصلوا. وهذا هو المشروع الامريكي حتى لو قلنا أن هذه الممارسة ليست مرتبطة بالمخابرات الامريكية، ولكنها في الواقع أكثر من يخدم السياسة الامريكية في العراق.
* كيف يمكن المقاربة مع حزب الله اللبناني في هذه المسألة؟
- تشكل حزب الله بعد انتصار الثورة الاسلامية في إيران والذي أعطى الانطباع بأن هناك قوة شيعية تنهض وتسيطر على العالم، وبدأ الحديث حينها عن دور الشيعة في السيطرة على العالم والتحول الى مركز قوة أساسي. طبعاً هذا استنهض بعض الميول الشيعية في العديد من المناطق. في لبنان، كان هناك قبل ذلك حركة المحرومين التي سميت فيما بعد بحركة أمل والتي نشأت بنفس المرحلة التي بدأ يعاد إنشاء الحركات السنية الاصولية، تقريباً نهاية الستينات وبداية السبعينات. ولكن حزب الله بدأ من مسألة وطنية بمعنى أن الحديث عن مواجهة الاستكبار في العالم جعله يبدأ من طرح مسألة التحرير في لبنان من الوجود الاسرائيلي، ففرض بنيته الاساسية منذ البدء على أساس أنه أولاً حزب شيعي، ثانياً أن هدفه الوحيد تقريباً هو مواجهة العدو الصهيوني وتحرير الاراضي اللبنانية. هذا الوضع جعله يتحول الى قوة ويتطور في حجمه من زاوية المفاهيم الايديولوجية، لانه في البداية طرح قيام دولة إسلامية في لبنان (ومن ثم تخلى عنها) ومن هذا المنطلق خاض صراع ضد الحزب الشيوعي. ولكن صراعه مع العدو الصهيوني جعله يتطور الى حجمه ويصبح أكثر انفتاحاً واكثر مرونة في التعامل مع القوى الاخرى دون أن يتجاوز شيعيته. هذا الوضع هو الذي جعله في النهاية يتحول الى قوة مقاومة حقيقية تستطيع طرد الاحتلال الصهيوني. ولكن حزب الله لم يستطع حزب استيعاب المناضلين من الطوائف الاخرى في بنيته، لانه تأسس على أساس أنه حزب شيعي. وحاول تأسيس سرايا المقاومة اللبنانية ، لكنه فشل ، لأنه كان حزبا شيعيا ، وهذا جزء أساسي من سبب انغلاقه. والآن بعد ان انتهى الاحتلال، مع بقاء مزارع شبعا، حاول الحزب أن يبقي مسألة مزارع شبعا عنصر محفز لطابعه الوطني، للحفاظ على بنيته وعلى تكوينه لأن هذه المسألة تعطي لوجوده قيمة.
* إلى أين يتجه هذا الصراع مع التيارات الأصولية ؟ وهل تعتقد أن صراع التيارات الأصولية مع الولايات المتحدة هو صراع حقيقي ؟
- كلا، صراع الولايات المتحدة مع القوى الاصولية هو صراع يعزز دور القوى الاصولية ويجعلها قوة تخريب داخلي بفعل مفاهيمها وتصوراتها وأفكارها، لأنها كما شرحت تحاول أن تكرّس شكل قروسطي، وبالتالي تفرغ المجتمع من كل مضمونه الحداثي والحديث ومن كل مضمونه الانتاجي الصناعي الزراعي، وتلحقه بالنمط الرأسمالي من موقع أكثر تخلفاً. وهي بذلك ترجعنا قروناً الى الوراء ولا تستطيع أن تقدمنا خطوة الى الأمام، ولا تستطيع أن تحل مشكلات الناس، ولا تستطيع أن تجعل إمكانات التطور قائمة، بالعكس تمنع إمكانات التطور.
* وهل هي بذلك شكل من أشكال تدمير الوطن؟
- شكل من أشكال التدمير الذاتي عبر شعار كبير هو مواجهة الامبريالية رغم أن المدقق في كل ممارسات هذه القوى يكتشف أنها لم تقاتل الولايات المتحدة بشكل جدي ولا في أي موقع، حتى في العراق حيث القوى العسكرية الامريكية كبيرة، لم تلحظ عملية عسكرية لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ضد الجيش الامريكي الا يُعلن عن ذلك فيما يقوم تنظيم القاعدة بعمل تخريبي ما وتصبح هناك ضجة ضده فيعلن انه قام بعملية ضد الامريكان.
خارج هذا السياق، هو يلعب دور ضد الشيعة، وضد القوى السنية المقاومة في المنطقة السنية من أجل فرض هيمنته على المنطقة السنية وإنهاء المقاومة فيها. وهو في الواقع لا يهاجم الجيش الامريكي.
من هذا المنطلق، تلعب هذه القوى دورا تخريبيا على الصعيد الداخلي، وهناك قطاعات شعبية بسيطة تنجرف في هذا السياق لأنها تعتقد أن هذه القوى تقاتل أميركا وهذا الانجراف ناتج عن غياب القوى السياسية الجدية التي تستطيع أن توظف هذه الطاقات في سياق صراع حقيقي ضد المشروع الامبريالي الامريكي في المنطقة.















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل