الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المانيا: سقوط النيوليبرالية شعبيا وصعود اليسار

نبيل يعقوب

2007 / 10 / 16
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


سجلت عدة استطلاعات رأي متتالية في الاشهر الاخيرة صعود التأييد الشعبي لحزب اليسار في المانيا منذ توحده في يونيو الماضي. كما بينت تبني اكثرية ناخبي الاحزاب الاخرى من الوسط الي اليمين المحافظ لمواقف حزب اليسار من السياسات الاجتماعية ومنها رفض السياسات النيوليبرالية مثل خصخصة المؤسسات الكبرى مثل السكك الحديدية، وتقليص الدعم للرعاية الصحية وتطبيق سياسات تحرم العاطلين والمتقاعدين من حقوقهم.

اثارت نتائج الاستطلاعات قلقا ملحوظا لدى وسائل الاعلام الكبرى ودفعتها لان تحذر من اندفاع المانيا نحو اليسار. ومثار القلق عبرت عنه احدى الصحف بالقول ان حزب اليسار قد نفذ الي وسط المجتمع بنجاحه في استقطاب جماهير من ناخبي الاحزاب التقليدية الي موقفه من السياسات الاجتماعية. وقد ادى هذا التطور الي حركة ملحوظة في النقاشات الجارية داخل هذه الاحزاب والتي تسعى الي اعادة اجتذاب الناخبين بهذا التعديل او ذاك على سياساتها النيوليبرالية. واصاب المزاج الشعبي المتبرم اساسا الحزب الديمقراطي الاجتماعي والذي بنى مكانته التاريخه بوصفه المدافع عن المصالح الاجتماعية للشعب. نظرا لمسؤوليته عن السياسات النيوليبرالية اثناء حكم المستشار شرودر ومواصلة هذا النهج في الحكومة الائتلافية مع المحافظين انخفضت نسبة التأييد الشعبي للحزب لاقل من 30 بالمائة في الوقت الذي ارتفعت نسبة التأييد لحزب اليسار لنحو 11 بالمائة واكثر. بهذا يصبح حزب اليسار القوة السياسية الثالثة في المانيا بعد الحزبين الحاكمين. وتؤشر النتائج الي أن حزب اليسار، والذي لا زالت صحافة الغرب تسمه بانه خليفة الحزب الشيوعي الذي حكم المانيا الشرقية، سينجح في دخول عدد من برلمانات مقاطعات غرب المانيا التي لم يكن ممثلا فيها مما يعني تمدده نحو الغرب والذي اقتصر التمثيل السياسي الحزبي فيه على الاحزاب الالمانية الغربية.

هزيمة الاشتراكية في الشرق اتت بنهاية دولة الرفاهية في الغرب

الانقلاب في السياسات الاجتماعية الذي نفذته الحكومة الائتلافية السابقة التي شكلها الديمقراطيون الاجتماعيون والخضر من 1998 الي 2005، والذي كان السبب الاهم لسقوطها في الانتخابات المبكرة التي عقدت سنة 2005 غير وجه المانيا اذ اذن بنهاية ما كان يطلق عليه الدولة الاجتماعية وفتح الباب واسعا للتطور المنفلت للرأسمالية.

خطة المستشار السابق شرودر المسماة "اجندة 2010 " التي يواصلها الائتلاف الحكومي القائم من الاتحاد المسيحي والحزب الديمقراطي الاجتماعي مثلت اخطر الهجمات على سياسة الدولة الاجتماعية والتي استقرت عقودا عديدة وكانت اساسا لما سمي "دولة الرفاهية". وبمقتضى النهج النيوليبرالي تدهورت الاحوال الاجتماعية لملايين المواطنين في واحد من اغنى بلاد العالم. ويلحق التدهور الاجتماعي بالدرجة الاولى المسنين، والذين يعانون من البطالة او الذين يتلقون معونة اجتماعية. كما عم الخوف من فقدان العمل الذي اصبح يعني السقوط في هاوية الفقر. نوربرت بلوم، وزير الشئون الاجتماعية في عهد المستشار كول، علق على سياسة النيوليبرالية بأن الرأسماليين يستعيدون الآن كل ما اضطروا للتنازل عنه للعاملين في زمن التنافس بين الاشتراكية والراسمالية.
ازمة الديمقراطيين الاجتماعيين

وفي مواجهة كارثة انتخابية محيقة في الانتخابات القادمة احتدم الصراع في الحزب الديمقراطي الاجتماعي حول الموقف من خطة شرودر وسياسات حكومة المستشارة ميركل. في سعيه لاضفاء مسحة اجتماعية يسارية على وجه حزبه اعاد رئيس الحزب كورت بيك صياغة برنامج الحزب بما يتضمن التخلي جزئيا عن السياسات التي سببت انصراف الناخبين عن الحزب. ولكن فرانتز مينتيفيرينج وزير العمل ونائب المستشارة الذي يقود فريق وزراء الحزب الديمقراطي الاجتماعي في الحكومة عارض رئيس حزبه علنا. مشروع البرنامج الجديد للديمقراطيين الاجتماعيين يأتي بالكثير من الحديث عن العدالة الاجتماعية والذي سبق ان قرأناه في البرنامج الانتخابي في زمن شرودر، ولكنه ذهب ادراج الرياح بمجرد حصوله على كرسي الحكم في عام 1998.

كتبت الاسبوعية "فرايتاج" تحليلها لرود فعل الاعلام السائد على صعود التاييد الشعبي لحزب اليسار عن ازمة تعيشها الاحزاب القديمة وعن بداية تحول حقيقي في الحياة السياسية في المانيا يتمثل في نمو نفوذ احزاب جديدة ذات وجود راسخ في البرلمان الاتحادي وبرلمانات المقاطعات، ويؤثر طرحها السياسي على توجهات الناخبين من انصار الاحزاب القديمة.


باسم الديمقراطية ٌتخضّع مصالح الاغلبية لارادة الاقلية

يرى 67 بالمائة من المواطنين ان العولمة تعني بالدرجة الاولي اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء. كما يرون ان حكومة ميركل لا تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية وترى نسبة 78 بالمائة منهم أن النهوض الاقتصادي وزيادة معدلات النمو التي يسجلها الاقتصاد الالماني حاليا لم يؤديا الي تحسن في احوالهم المعيشية.

ان اقرار التحالف الحاكم رفع سن المعاش من 65 الي 67 سنة ضد ارادة اكثرية السكان يعد مناورة مفضوحة لسلب المتقاعدين من معاشاتهم لعامين كاملين لان فرصة الحصول على وظائف للمسنين شبه معدومة في ظل البطالة المستفحلة.

وبينما يرفض ثلثا الناخبين الوجود العسكري الالماني في افغانستان صوت اغلبية النواب في البوندستاج على تمديد البقاء العسكري في افغانستان. وحدهم نواب حزب اليسار صوتوا بشكل متحد والي جانبهم افراد من احزاب اخرى ضد قرار التمديد. ويستند موقف حزب اليسار الي الدستور الالماني الذي ينص على ان القوات المسلحة الالمانية تنحصر مهمتها في الدفاع عن البلاد.

ما يحدث في المانيا الآن يذكر بما شهدته فرنسا وهولندا عند الاستفتاء على الدستور الاوروبي منذ بضعة سنوات. فبينما كانت حكومتا البلدين بمساندة التيار السائد في الاعلام تدفعان لقبول الدستور الاوروبي صوت الشعبان بلا. والآن تنفذ حكومة المانيا سياسات اقتصادية واجتماعية ترفضها اغلبية السكان. وتؤشر ظاهرة تعمق الهوة بين مصالح اكثرية الناخبين والسياسات المطبقة الي خلل في تطبيق الديمقراطية يتزايد بشكل مضطرد مع تعمق النهج النيوليبرالي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة