الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيءٌ عن السّيّاب : صِلَةُ قُربى..

كمال سبتي

2003 / 10 / 30
الادب والفن


                         
                
كلّما فكّرتُ في الكتابة عن بدر أشعرُ بالسّعادة..
فبيني وبينه ، وهذا إدّعاءٌ ، صلةُ قُربى..
كان الناّس في مدينة النّاصريّة يسمّونني السيّابَ ، عندما كنت شابّاً يافعاً..
كنتُ أمتلك مجموعات بدر الشّعريّة منفردَةً ..
وعندما وصلتْ إحدى مكتبات المدينة نسخٌ قليلة من الأعمال الكاملة
فكرّتُ في شرائها فوراً.. لكنّ ثمنها كان باهظاً على شابٍ في مقتبل العمر يأخذُ مصروفَهُ اليوميَّ من والده..
فقرّرتُ السرقة..
كان أبي يقضي قيلولته وقتَ الظّهر نائماً بعد عودته من العمل..
دسستُ يدي في جيبِ سترتهِ أو قميصِهِ وأخذتُ مبلغاً كان كافياً لشراء الأعمال الكاملة..
واشتريتُها..
ومشيتُ بها في شارع سوق المدينة فرحاً ، فرآني الشّاعر كاظم جهاد أحملها ..
قال : كيف اشتريتُها ؟
قلت : سرقتُ أبي..
فاحتجّ عليَّ..
بعد سنواتٍ طويلة ، و في بغداد ، أخذ السّارقُ يدعو- مع آخرينَ - إلى كتابة شعريّة أخرى ، سُمّيَت : الكتابة الجديدة ، أو الحداثة الشعرية العراقيّة..
 لكنّني كنت أكتبُ كلّ عام، منذ أواخرالسبعينيّات، في ذكرى موت
 ا لسّيّاب مقالاً.. وفي الوقت نفسه أنشر كتاباتي الأخرى عن حداثتنا
العراقيّة في الشّعر..
بل انّني أكاد أكونُ أوّلَ من كتبَ عن أهميّة قصيدتِهِ الرّائعة : في اللّيل.. وأقول ،أكاد ، لأنني في ذلك الوقت : أواخر السبعينيّات لم أكن قد قرأتُ مقالاً واحداً عنها بلْ ربّما لم أقراْ إشارة واحدة..
وعدت إلى الكتابة عنها ثانيةً في عام 1981 كما أذكر.. حين تناقشنا حول ما كتبتُ ، أنا وصديقي اليوميُّ ، حسب الشّيخ جعفر ، قبل أن تفصلنا دعاوى الحداثة وأشياء أخرى ، في بار القصر الفضيّ ، في شارع أبي نؤاس في بغداد ، وكنّا نذهب إليه بعد أنْ اُغلِقَ اتّحاد الأدباء بقرار من منظّمة الجيش الشّعبيّ  في المنطقة، لضياع  رشّاشة نادل بارِ النّادي في الإتّحاد..
وحين كنتُ طالباً في كلّية الفلسفة والآداب في جامعة مدريد المستقلّة كتبتُ بحثاً عن القصيدة ذاتها ، كما قمتُ بترجمتها إلى اللّغة الإسبانيّة وأرفقتُ التّرجمة مع البحث ، وهو موجودٌ ، حسبَ ما أعلم ، في مكتبة الكلّيّة ..
لكنّني حين انتبهتُ  ، في بغداد ، إلى أنّ بعضاً من الشّعراءِ أخذَ ينحو منحىً لغويّاً لا بلْ تجريديّاً في الشّعر ، ندمَ عليه في ما بعد، وانتبهتُ إلى تأثّرِعددٍ من شبّان الجيل الّلاحقِ به ، خفتُ على إرثي الشّعريّ ..
كنتُ أجلسُ مع الشّاعرِ المتاثّرِ بالمنحى التجريديّ حزيناً فأسأله عن قراءاتهِ ، وحين لا يقول شيئاً عن بدر.. أحزن أكثر..
تذكّرتُ سرقتي لأبي واحتجاجَ كاظم جهاد.. وبكيتُ..
وكتبتُ : السّيّابُ أبي..
ودفعتُ المقالَ إلى النَّشرِ في ذكرى لموته..
لم أشرْ في المقال إلى السّرقة .. فأخلاقُ الكتابة في جريدة تملكها دولةٌ ، كما تلك الدّولة، هي غيرُها في جريدةٍ أخرى.. وقد احتجّ عليّ بعد نشرهِ عددٌ من المتأثرينَ بالمنحى التّجريديّ في الشّعر، أحدهم صرخَ: أحقّاً كمال سبتي أنتَ ؟ قلتُ نعم ، وسوف ترى في المستقبل أكثرَ من هذا..
وأخذنا ، كلّنا بعد ذلك ، نخوضُ سجالاتٍ بيننا، أوبيننا وبين آخرين،  لتوضيحِ حداثتنا الشّعريّة العراقيّة ، حتّى لاتُؤخَذُ بجريرةِ أفكارٍ لا تتبنّاها فعلاً..
وبدأنا في مقهى حسن عجمي ، نسأل القادم الشاّبّ من الكلّيّة وقتَ الظّهرِ ، ماذا قرأتَ البارحةَ ، وماذا تحملُ اليومَ من كتبٍ ، أينَ بدر؟
بلْ انّ بعضَنا سمّى السّؤالَ الأخيرَ : سؤالَ اليوم.. والشّيء نفسُه كنّا نفعلُهُ في اتّحاد الأدباءِ..
في ما بعد ، عثرتُ في شارع السّراي على ترجمةٍ قديمةٍ  لكتابٍ لأراغون عن فيكتور هوغو..
يقول أراغون فيه انّ الشّعراء السّرياليّين اجتمعوا ذات مرة في ذكرى لهوغو.. وانه هو وبريتون وزّعا قصاصاتِ ورقٍ على الحاضرينَ طالبيْن من كلّ واحدٍ منهم : اعطاءَ درجةٍ مّا لهوغو..
وكانت المفاجأة : الجميع كتبَ : درجة َ صفر..
ويقول أراغون انه هو وبريتون لم تعجبهما النّتيجة فقرّرا قراءة كلّ هوغو حتّى الصّبح ، ليعطياه في النّهاية درجة مائة..
حين قرأتُ هذا في كتاب أراغون ضحكتُ..
 الآن ، أعني قبل أن أكتبَ الكلمة الأولى من هذه الكتابة سمعتُ الأغنية الشّهيرة من التلفزيون الهولندي :
Walk in the rain.. 
فتذكّرت نفسي عندما كنتُ بين الرابعة عشرة والخامسة عشرة من عمري ، أمشي ذات مرة تحـتَ المطر في سوق مدينتي ذاهباً إلى المقهى ..فرآني بعضهم .. فاعتقدَ بأنني أحبُّ المشيَ تحت المطر ..
فسمّاني السّيّابَ ، لإعتقاده بأنّ السّيّابَ كان يُحبّ المشيَ تحتَ المطر.. بسبب شهرةِ قصيدتِهِ أُ نشودة المطر.. فاشتهرت التّسمية..
ووفاءً لما كنتُهُ وما أنا عليه الآن ، وفاءً لتلك الأيّامِ في مدينتي ، وفاءً لأبي الفعليّ سبتي وأبي الشّعريّ بدر.. أكتب هذه الكلمات..

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير!!!!!! التبعية من اخطر تركات امتحان اللغة الفرنسية الثا


.. خد بالك تركات في امتحان اللغة الفرنسية #الوفد_التعليمي #ثانو




.. اوعى تختار المصدر في سؤال الازمنة في امتحان اللغة الفرنسية #


.. أحمد حلمى أفلام دريد لحام أثرت عليا في طريقة شغلى وعرض الفن




.. كلمة أخيرة - تفاصيل أول معسكر يجمع محمد صلاح وحسام وإبراهيم