الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيت لا تفتح نوافذه لهشام بن الشاوي

مصطفى لغتيري

2007 / 10 / 17
الادب والفن


تتمتع القصة القصيرة بخاصية تميزها عن باقي الأجناس الأدبية ،وتتمثل في قابليتها المبهرة لاحتضان تعدد التجارب الإبداعية ، مهما اختلفت وتنوعت .. فهذا الجنس الأدبي المخاتل مستعد لهضم كل الأفكار و التيمات و الرؤى و طرائق الكتابة .. فبين تلابيبه تتجاور دون شنآن الأطروحة و نقيضها:الحزن والفرح ..الحب العذري والشبق .. البوح والخلق.. المذكرات والرسائل.. هموم الذات وأشجان الواقع ...
ولعل المتلقي لنصوص "بيت لا تفتح نوافذه" للقاص هشام بن الشاوي، التي تتكون من واحد وتسعين صفحة من الحجم المتوسط ، وتضم بين دفتيها اثنتي عشرة قصة ، يتأكد بما لا يدع مجالا للشك من هذه الخصيصة المميزة لفن القصة القصيرة ، إذ يجد نفسه أمام نصوص قصصية حاولت المزج بين معطيات عدة، لا يمكن أن تأتلف إلا ضمن هذا الجنس الأدبي العجيب...
فمنذ الإطلالة الأولى على نصوص المجموعة يستوقف القارئ هذا الغنى في التيمات وطرائق الكتابة..
فعلى مستوى التيمات تطفر من ثنايا النصوص موضوعات عدة ، أكثرها حضورا وتميزا تيمة المرأة ، التي تتخذ في القصص أشكالا و وظائف كثيرة ، فهناك المرأة الحبيبة و المرأة العاهرة ، والمرأة الأم و المرأة الأخت .. والمرأة الواقعية ،تلك التي من لحم ودم، فترصدها عين السارد وهي تعاني وتكابد من شظف العيش ، و تسلك جميع السبل المشروعة وغيرالمشروعة للحصول على ما يسد الرمق ، وهناك المرأة الرمز، المرأة الحلم ، التي هي بالتأكيد في مستوى من مستويات التأويل المعادل الموضوعي للكتابة عند بن الشاوي ، خاصة وأن القاص غالبا ما يربط بين الاثنين ،أعني المرأة والكتابة ،في نوع من الحضور البهي، المحرض على اقتراف جريرة التأويل، و الغوص بها عميقا في بحور الدلالة المتمنعة ، فالمرأة في النصوص كثيرا ما يستهويها المكتوب ـ أقصد مكتوب السارد- سواء كان أشعارا أو حكما أو "خربشات على جدار البوح" على حد تعبير القاص ،أو حتى أشعار لغيره ،زين بها غرفته حبا أو تنفيسا عن ذات مهمومة ، قد تصل بالسارد إلى درجة قصوى من الغضب فيكرهها ، يقول السارد " و أقول في سري لهذا ال"أنا" الذي كرهته كما لم أكرهه من قبل".
ويسجل القارئ أن حضور المرأة في القصص كثيرا ما يقتضيه سياق المكتوب ليعمق الدلالة تارة ، أو يطور الحكي تارة أخرى،و لكنه في بعض الأحيان يكتفي بوظيفته التزيينية الخارجية يقول السارد:
تخترق المشهد امرأة ..
بملابس ديمقراطية "ضيقة جدااااا"
تضمن حرية التعبير لكل مفاتنها.

وتكبس الذات على مجريات الحكي ، إذ غالبا ما تجد وسيلة لتتسرب إلى متن النصوص، فالسارد في نصوص المجموعة كثيرا ما يتوسل بضمير المتكلم في ممارسته لعملية الحكي .. وإن كان هذا الضمير حداثيا في عمقه وفلسفته ، يمنح حضوره للقصص بعدا عصريا وحداثيا إلا أنه في بعض الأحيان يميل بالنصوص نحو البوح ، الذي- لا ريب- يحد من توهج النصوص و دراميتها.
وبالإضافة إلى طغيان السارد بضمير المتكلم في قصص "بيت لا تفتح نوافذه" لهشام بن الشاوي ، فإن القارئ يحس بدفقة حزن شفيفة تغلف أجواء النصوص، إذ لا يكاد نص ينفلت من هذا الميسم، يقول السارد في قصة " أسعدت حزنا أيها القلب" مؤكدا هذه الصفة التي تلزم النصوص " الحزن معسكر أمام بوابة الحديقة الغناء".. والحزن هنا ليس وليد فراغ، بل هو نتيجة حتمية ومنطقية للواقع العدواني العنيف الذي يحاصر السارد، خلال تقلبه في فضاءات القصص وأزمنتها ، فلا يملك – حينها – سوى الانسحاب نحو الذات باحثا بين أحضانها عن السلوى والسلوان، يقول السارد في قصة "نصوص ليست للنشر":" أحتمي بهدوء الاشتعالات الجوانية وخيبات القلب التي لا تنسى".
و بالإضافة إلى تنوع التيمات تحبل المجموعة القصصية "بيت لا تفتح نوافذه " بتنوع ملفت في طرائق الكتابة ، هكذا نجد حضورا قويا لأنواع من السرد الجواني والموضوعي، استفاد القاص في توظيفه من تنوع المناظير السردية .. وتخترق النصوص الرسائل و الأشعار و الحكم و الأمثال المضمرة ، التي نشتم رائحتها من سياق القول ، والحوار بنوعيه الداخلي و الموضوعي أعني به الذي يدور بين طرفين منفصلين.
ولعل السمة الطاغية في هذا المجال هي صفة التشظي.. إذ لاتسلم قصة من قصص المجموعة من هذا الطابع المهيمن.. فالقاص عمد – عن سبق إصرار و ترصد – إلى تشذير نصوصه ، من خلال فقرات مرقمة حينا و غفلا من الترقيم والعنونة أحيانا أخرى ، ولعل هذا مايسر للقاص التلاعب بالزمان ، فجاء هو الأخر – في غالب النصوص- متشظيا ، لا يخضع لسلط الزمان الكرونولوجي المتتابع.، إذ هناك قصص بعينها تبدأ من نهاية الحكي كما هو حال قصة " الشياطين تخدع أحيانا". وهذا لعمري قد وسم القصص بطابع تجريبي لا يخفى على القارئ.
و إذا كانت اللغة في نصوص المجموعة سادرة في فصاحتها ، مقدمة نفسها أنيقة و راقية ، بعد أن نقعها القاص في بحيرة الشعر و المجاز ، فإن النصوص تحفل بتعدد لغوي ملفت ، حيث يتجاور الفصيح مع الدارج وتتلاقح اللغة العالمة المثقفة مع لغة العامة، التي تغترف من معين خاص ، شعبي في عمومه ، بل ومن عمق الخطاب المهمش ، الذي يروج سوقه في أحياء الهامش ،التي بلا شك تشكل لاوعي خطابنا المنمق.. لهذا لا غرابة أن تتجاور في المجموعة جملة من قبيل " ألفيتني أغادر النادي مبتلعا مرارتي" مع جملة من قبيل" الله يا حنيني الله.. سالت من بويا عمر.."
و إن كان هذا التنوع محبذا يمنح النصوص غنى هي في أمس الحاجة إليه ،ويساهم – علاوة على ذلك – في تحقيق الصدق الفني للحكي ، خاصة حينما تتحدث الشخوص بألسنتها الخاصة ، فإن ذلك قد يؤدي في بعض الأحيان – خاصة إن لم يحسن القاص التعامل معه – إلى نوع من الشيزوفرينا على مستوى الكتابة..
وتبقى أخيرا مجموعة بن الشاوي القصصية " بيت لا تفتح نوافذه " مجموعة تستحق القرءة ،وجديرة بالاهتمام للأسباب التي ورد ذكرها في هذه القراءة العاشقة، و لدواع أخرى أترك للقارئ فرصة اكتشافها.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?