الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديك في مملكة الثعالب

جمعة كنجي

2007 / 10 / 28
الادب والفن


إستيقظت سيدة المنزل من نومها على صوت ضجّة في قن الدجاج ، خرجت مسرعة لتتبين الأمر .
على ضوء فانوس تحمله في يدها ، شاهدت ثعلبا ً في مكان غير بعيد من المنزل .
صرخت سيدة المنزل ، فولّى الثعلبُ هاربا ً . وعندما بحثت عن الكلب لم تعثر عليه . غضبت سيدة المنزل . ظنت بأن الكلب قد أهمل واجبه وذهب يلهو مع أصدقائه . لذلك قررت أن تعاقبه عقابا ً شديدا ً .

في صباح اليوم التالي ، عندما شرعت سيدة المنزل تطعم حيواناتها ، إقترب الكلب مطالبا ً بحصته من الطعام ، لكن سيدة المنزل صرخت في وجهه غاضبة :
- أنت تُهمل واجبك ، لذلك لن أطعمك .. أين كنت تلعب طوال الليل ؟ .
قال الكلب وهو يتوسل إلى سيدته :
- يا سيدتي ! ثعالب كثيرة هاجمت البيت ، فخرجت ُ أطاردها حتى إختفت في الغابة .


لم تصدق سيدة المنزل كلام الكلب ، فضربته وطردته من المنزل . ذهب الكلب إلى الغابة فحفر وجرا ً تحت صخرة ، وعاش هناك وحيدا ً .
بعد أيام قليلة هاجمت الثعالب المنزل مرة أخرى . إستيقظت سيدة المنزل ، وطلبت من القط أن يطارد الثعالب ، لكن القط إنكمش على نفسه ، وهو يرتجف من شدة الخوف . غضبت سيدة المنزل ،وبخت القط ، وإتهمته بالجبن ، وفي الصباح لم تقدم له إستحقاقه من الطعام ، اقترب القط منها وقال متوسلا ً :
- سيدتي ! مطاردة الثعالب هي من واجبات الكلب ، وواجبي هو مطاردة الفئران .
ركلت سيدةُ المنزل ِ القطَّ بقدمها ، وطلبت منه أن يغادر المنزل فورا ً .

ذهب القط و إختفى في الغابة أيضا ً .
وسرعان ما إغتنمت الفئران فرصة غياب القط ، فغادرت جحورها و إنتشرت في أنحاء المنزل . وأخذت الفئران تعبث في كل ما يصادفها :
قضمت الأغطية والملابس ،أكلت الدهن والسكر ، حفرت الثقوب في الجدران ، تسللت إلى قن الدجاج ، والتهمت كل ما فيه من حبوب . بل أن فأرا ً وقحا ً إندس في الليل تحت ثياب سيدة المنزل ، فأستيقضت مذعورة وهي تصرخ .. في الصباح حرمت ِ الديك من الطعام ، قالت له ساخطة :
- يا لك من ديك جبان !! الفئران تلتهم طعام الدجاج ، وأنتَ لا تعرف كيف تطاردها ؟!
أجاب الديك قائلا ً :
- مطاردة الفئران هي من واجب القط يا سيدتي !
غضبت سيدة المنزل ، فطردت الديك أيضا ً ، ذهب وأقام هو الآخر في الغابة .

لم يمضي وقت طويل حتى شاهد ثعلب عجوز الكلب مختفيا ً في وجره ، عاد وأخبر أصحابه بما رأى .

كان القط يختبيء ُ بين الأغصان ، جاءت الثعالب إجتمعت في مكان قريب منه . حضر الأجتماع ملك الثعالب بنفسه . جلس مزهوا ً في صدر المجلس . تداولت الثعالب في الأمر : لابدّ وأن سيدة المنزل قد طردت الكلب ، فجاء يعيش في الغابة . لِم َ لا يستغلون هذه الفرصة ويهاجمون المنزل ؟؟ في مقدورهم أن يخنقوا سيدة المنزل ، وينهبوا كل ما في البيت من دجاجات ..! هكذا قررت الثعالب أن يبدأ الهجوم في المساء ، اتفقوا جميعا ً على أن الحظ سيحالفهم في هذه المرة ..!

حين تفرقت الثعالب . قفز القط راكضا ً نحو المنزل ، أخبر سيدته بما سمع ورأى .
لكن سيدة المنزل لم تصدقه ، قالت وهي تدير وجهها عنه : " إغرب عن وجهي ! أنا لا أصدقك . أنت تفتعل الأعذار لكي ترجع إلى المنزل " .

هكذا عاد القط خائبا ًإلى الغابة في أشد حالات الحزن والقلق . ظلّ المسكين يتجول في أنحاء الغابة ، يردد بصوت حزين : ميو ! ميو ! " في طرف الغابة ، حينما أراد القط أن يعبر جدول ماء ، سمع صوتا ً يناديه :
- يا صديقي القط .. يا صديقي القط ..
نظر القط إلى الأعلى ، رأى الديك واقفا ً فوق شجرة .. صاح القط بفرح :
- أهلا ً بك يا صديقي الديك .. متى جئت إلى الغابة ؟ ألا تخاف من العقاب ؟؟ .
قال الديك بصوت حزين :
- سيدة المنزل طردتني مثلما طردتك ، لأني لا اعرف كيف أطارد الفئران .

قفز القط إلى أعلى الشجرة ، جلس بجانب الديك ، وقص َّ عليه كل ما حدث . أرخى الديك جناحيه ، وأطرق يفكر بحزن : " ماذا يستطيع أن يفعل ديك صغير مثله إزاء عدد كبير من الثعالب ؟ !. فجأة ً طفرت إلى ذهن الديك فكرة ً غريبة ، قال للقط : " سأقوم أنا بمشاغلة الثعالب ، أما أنت فاذهب وابحث عن صديقنا الكلب ، فهو يستطيع أن يساعدنا " . صفق الديك بجناحيه ، وقف بأعلى الشجرة ثم صاح بصوت عال ٍ : " كيكي !! .. كيكي !! " . أجفل القط ، وهمس خائفا ً : " صه ! أمجنون أنت ؟ ستأتي الثعالب فتفترسنا ! " .. ظلَّ الديك يصيح ويصيح بلا إنقطاع ..
وانطلق القط مسرعا ً ، يقفز من شجرة إلى أخرى ، لا بدّ أن يعثر على الكلب .

سمع أحد الثعالب صياح الديك ، هرول نحو الشجرة مكشرا ً عن أنياب حادة ، قال له الديك بهدوء :
- أيها الثعلب .. أين الملك ؟ لقد جئت إلى الغابة لكي أحدثه في أمر مهم جدا ً .
فرح الثعلب ، انطلق يستدعي الملك ،عندما حضر الملك مع أفراد حاشيته ، خاطبه الديك :
- يا صاحب الجلالة. أنظر . أنا ديك جميل ، ولحمي يليق بملك عظيم مثلك !
رفع الملك رأسه ، نظر إلى الديك بفرح، ثم قال بلهفة :
حسنا ً .. أيها الديك ، انزل إلينا إذن .
فأجاب الديك :
- لا يا صاحب الجلالة .. ينبغي أن أذهب إلى النهر فأستحم كي تأكل لحمي وهو نظيف .
التفت الملك نحو حاشيته يقول :
- يا له من ديك عاقل !!
عندما بدأ الديك يطير من شجرة إلى أخرى ، أخذت الثعالب تلاحقه .
إجتمعت الثعالب على شاطيء النهر ، قفز الديك وحط َّ فوق صخرة بين المياه . همس الملك : " دعوه .. إذا حاول الهرب سيغرق حتما ً " . طار الديك ضاربا ً صفحة المياه بجناحيه ، أثار حول نفسه عاصة من الرذاذ ، بسرعة فائقة طار عاليا ً ، إستقر فوق غصن الشجرة .
بعدما تلاشت موجات المياه ، إنعكست صورة الديك واضحة فوق سطح النهر .
هنا صاح الديك يقول بسخرية : " يا صاحب الجلالة .. لقد سبحتُ وتستطيع الآن أن تأكلني !" .
إلتفت الملك نحو أصحابه وقال لهم بزهو : " من منكم يأتيني بهذا الديك الجميل ؟" .
إندفع ثعلب مغرور قائلا ً : " أنا" . وسرعان ما قفز إلى النهر .
أضطربت صفحة المياه ، و إختفت صورة الديك ، وفي أقل من غمضة عين غاص الثعلب نحو الأعماق .
تعجبت الثعالب مما حدث ، قال احدهم بأستغراب : " أين الديك ؟ بل أين الثعلب ؟ !" .
همس ثعلب آخر في أذن الملك بتملق : " يا صاحب الجلالة .. ذلك الملعون هرب بالديك لنفسه ! " .
غضب الملك ، هزّ ذيله ساخطا ً ، وقال بأستياء : " يا له من ثعلب جاحد! " .
عندما تلاشت الموجات ، وظهرت صورة الديك فوق رقعة المياه ، هتفت الثعالب بفرح : " عاد الديك يا صاحب الجلالة .. لعله هرب من ذلك الثعلب الملعون " . عقب الملك يقول لهم باطمئنان : . ألم أقل لكم بأنه ديك عاقل ؟ ! " . ووقف الملك بين أصحابه بكبرياء وهو يمني نفسه بوجبة غذاء لذيذة . نظر إلى الديك الجميل باعجاب ، مكشرا ً عن أنيابه الحادة ، ثم قال لجماعته بصوت آمر :
- أريد أن تأتوني بالديك .. إقفزوا جميعكم .. حالا ً .. جميعكم وبدون تأخير !
قفزت الثعالب إلى النهر . إضطربت المياه ، وتطاير الرذاذ في كل إتجاه. إختفت صورة الديك . فطن الملك بأن ثعلبا ً ربما إختطفه لنفسه. في لحظات إبتلعت المياه جميع الثعالب ، هوت نحو قاع النهر غارقة . وعندئذ نظر الملك حواليه وهو يتمتم : " أين الديك ؟ أين الثعالب ؟؟ " . طار الديك . حط فوق صخرة بين المياه ، وخاطب الملك بسخرية :
- يا صاحب الجلالة ! رأيت ، وأنا فوق الشجرة ، الكلب والقط قادمين

أراد ملك الثعالب أن يهرب ، لكن الكلب صرخ من ورائه بصوت مخيف : " عاو ! عو ! ".
قفز الملك إلى النهر وغرق .
في صباح اليوم التالي ، عندما خرجت سيدة المنزل لتجلب الماء من النهر ، رأت جثث الثعالب تطفوا على سطح الماء ، إستغربت من ذلك . وتساءلت مع نفسها : " كيف غرقت الثعالب ؟ ! " . وتمنت سيدة المنزل أن تعرف الحقيقة ، لكن .. كيف ؟ لا أحد يعرف إلا من يعيش في الغابة . الكلب والقط والديك هم الآن هناك . لعلهم يعرفون كيف غرقت الثعالب .
.. ونظرت سيدة المنزل بعيدا ً، ثم إنطلقت تهرول نحو الغابة باحثة ً عن أصدقائها .



الموصل14/3/1986








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة