الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور النضال المطلبي السياسي في التغيير

بدر الدين شنن

2007 / 10 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة إضافة اقتصادية ـ سياسية هامة في المشهد السوري ، أفرزتها مفاعيل الحقل الاقتصادي في الأشهر الأخيرة ، إبان محاولات تكريس توحش اقتصاد السوق وا ستحقاقاته وشروطه الدولية الأكثر توحشاً ، التي تمثلت بالتوجه الحكومي الجاد لرفع الدعم عن المحروقات وبعض المواد التموينية ، وخصخصة مؤسسات الدولة الإ نتاجية والخدماتية ، قد تفتح قراءتها جيداً مساحة أوسع للحراك السياسي ، وتقرب مسافة آفاق التطلعات نحو التغيير ، وهي , رد الاعتبار للنضال المطلبي ، وبروز إمكانية أن يكون أحد مفاتيح الأزمة الشاملة ، التي تزداد ا ستعصاء على مدى أربعين عاماً ونيف .

ولاغلو بالقول ، أن خلفية هذه الإضافة قد تشكلت من طغيان الجانب الاقتصادي على الجانب السياسي ، الذي كاد ، لولا التصعيد العدائي الأميركي ـ الإسرائيلي ضمن استراتيجية بناء الشرق الأوسط الجديد ، أن ينقل الصراع الداخلي من الحقل السياسي " التغيير الديمقراطي " إلى الحقل الاقتصادي " الدفاع عن حقوق ومطالب الجماهير الشعبية " أي إلى النضال المطلبي ، دون أن تكون هناك أية قوى نقابية أو سياسية فاعلة جاهزة للتصدي لتلك الكارثة . وإذا كان قد تم تحجيم قوى هذا الطغيان تحت ضغط انعكاساته السلبية المدمرة في ظروف التصعيد العدائي الخارجي ، وتحت ضغط أنشطة داخلية متخصصة متواضعة ، فإن هذه القوى مازالت متمتعة بكامل قدراتها لتضرب ضرباتها الموجعة عند أول فرصة متاحة ، ذلك أن جملة الاستحقاقات المترتبة على خيارها اقتصاد السوق وتبعاته الدولية تلزمها بمتابعة ما بدأته في هذا الصدد . ما يتعين على قوى المعارضة ، التي تمحور التغيير على العملية السياسية فحسب ، أن تعيد النظر في حساباتها ، وتعيد قراءة حركة الحاضر ، التي تغتني بمضامين جديدة باستمرار ، على ضوء ا ستحقاقات المستقبل ذات المضامين الأكثر تنوعاً وتعقيداً ، وأن تنظر بجدية إلى أ شكال ودروس التحرك المطلبي وعلاقته بالسياسي في أكثر من بلد .. في ماينمار ومصر واليمن .

قد لايعترف البعض ، بدافع " النقاء الثوري " بهذه الإضافة ، ويعتبرها غير ذات جدوى ، سيما وأن " التجارب التاريخية " قد برهنت ، أن النضال المطلبي لم يحقق أي تغيير جذري في المجتمعات الأخرى ، وما أثبت جدواه هو الخيار الثوري ، الذي يستخدم السياسة الجذرية أو المسلحة في عمليات التغيير ، فكيف في بلد لايسمح بأي حراك مستقل ، وخاصة إذا كان سيؤدي هذا النضال إلى نتائج تصب في سياق العداء له بغية تدميره . وقد لايعترف آخرون أيضاً بدافع موازين القوى بهذه الإضافة ، وبعدم فائدة تحقيق بعض المكاسب الشحيحة ، بينما أهل النظام يتربعون على قمم السلطة وبيادر الثروة .

وعلى افتراض أن الحقيقة تتضمن بعضاً من هذه أو تلك من وجهات النظر ، غير أن الوقائع التاريخية ، التي هي أصدق ما في جعبة التاريخ تؤكد ، أن ليس للنضال المطلبي بعداً واحداً يتمثل برفع الغبن النسبي عن المحرومين ، وليس له دور واحد محدد في كافة الأزمنة والبلدان . فهو في البلدان الصناعية الديمقراطية المتطورة مختلف بآلياته ومطالبه ونتائجه الاجتماعية ـ السياسية عما هو في بلدان العالم الثالث ، سيما البلدان الديكتاتورية المفوتة ، إلاّ أنه مع تعدد أ شكاله وآلياته يبقى حركة نضالية عريقة ثابتة منذ ا نقسام الناس إلى مالكين وغير مالكين لوسائل المعيشة .. ووسائل الانتاج .. والثروة والسلطة . وسيظل قائماً بأشكال أخر حتى عندما يختار الناس بقناعاتهم الناتجة عن التجارب الاجتماعية المعاشة أنماط معيشة وإنتاج تكون فيها تلك الوسائل والأشياء ملكية عامة ، ذلك أن النضال المطلبي مرتبط بالحاجات الجمعية المتنامية باضطراد ، وبالمطامح الإنسانية المشروعة المشرعة على آفاق التجديد والتغيير نحو الأفضل .

في كل الأحوال ، لايغيبن عن المعنيين بالاجتماع والسياسة ، أن النضال المطلبي مهما اتخذ من أشكال .. نقابية .. اقتصادية .. معاشية .. فإنه يستبطن بعداً سياسياً مشحوناً باحتمال ، إذا تفاقمت الأزمة الدائرة ، أن يتقدم على ما عداه من احتمالات ، ليحسم الصراع بوسائل غير متداولة في البدايات في المرحلة المطلبية المألوفة .. الإضرابات .. الاعتصامات .. المظاهرات . وهنا قد تكون الخواتم سقوط حكومات أو عهود .. أو ما قد تبدعه القوى غير المالكة في خضم نضالها من بدائل ثورية . بمعنى أن ما بين النضال المطلبي والنضال الثوري صلة قربى حميمة وحركة تماه فيما بينهما ، لايفرق بينهما سوى أداة الصراع ونهاية الحدث . وبالملموس ، فإن النضال المطلبي يشكل أيضاً ، بدوافع مضاعفة ، جزءاً هاماً من نضال المجتمع المقهور ضد الاستبداد وفساد الدولة من أجل الديمقراطية والشفافية وبناء دولة يسود فيها قدر غير محدود من القانون والحريات والمساواة والعدالة .

وفي ظروف سوريا بالذات ، حيث أعيد تشكيل الدولة بالانقلاب العسكري .. بالقوة .. حسب مصالح الطبقة السياسية الحاكمة ، ما أدى إلى شخصنة الدولة ، وإلى اندماج السياسي بالاقتصادي بالأمني ، بحيث غدا أهل النظام يحملون هذه الأبعاد مجتمعة في كافة مستوياتهم في السلطة والمجتمع ، فإن ما يستبطنه النضال المطلبي من السياسة هو أكبر مما لوكان يجري في بلد آخر تحكمه دولة مؤسسات وتسوده علاقات ديمقراطية عريقة . وهذا الاستبطان يعطيه أهمية كبيرة ودوراً أكبر في عملية التغيير الديمقراطي في البلاد . ما معناه بكلام آخر ، أن النضال المطلبي في اللحظة السورية الراهنة لايستبطن السياسة فحسب ، وإنما يشكل رافعتها أيضاً .

وقد أدرك أهل النظام ذلك منذ أكثر من ثلاثين عاماً ، عندما فرضوا ما يسمى ب " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي " على الحركة النقابية العمالية وكافة المنظمات والهيئات التمثيلية الأخرى ذات الصلة بالجماهير العريضة ، وذلك انسجاماً مع اندماج الاقتصادي والسياسي والأمني في مكونات نظامهم الجديد .. ودولتهم الجديدة ، حيث شكلت آلياتهم مجتمعة في الدولة والأجهزة الأمنية والطبقة الرأ سمالية الحاكمة والإدارات في المؤسسات العامة الإنتاجية والخدماتية والنقابات العمالية فريقاً واحداً بمواجهة المجتمع عامة والجماهير الشعبية خاصة .

وإذ جمد هذا الاندماج النضال المطلبي ، وقلب معاييره ، وحول آلياته السياسية والنقابية إلى أداة متواطئة في خلق التمايزات السياسية ـ الاجتماعية ، المؤدية إلى سيطرة أهل النظام السياسية والاقتصادية والأمنية الكاملة على المجتمع ، ما شكل أحد عوامل الأزمة الأساسية الشاملة في البلاد ، وخاصة في بعديها الاجتماعي والاقتصادي ، الأمر الذي أدى إلى تعميم الفساد والفقر والأزمات المعاشية التي لاحصر لها ، وكرس ثنائية القطبية الطبقية اجتماعياً ، وإلى تمركز الثروة والسلطة في قمة هرم النظام ، فإنه قد خلق في الآن ذاته مقومات أكثر موضوعية لنهوض النضال المطلبي ، وشدد على أهمية ظهوره ، وأداء دوره بأبعاد متعددة تغطي شمولية الاندماج الحاصل في بنية النظام ـ الدولة .

وعود على بدء ، إن النضال المطلبي الذي جدد الحاجة الموضوعية إليه وحدد سماته ومضامينه الحراك الاقتصادي ـ السياسي في الأشهر الأخيرة ، لم يعد محض نضال اقتصادي ـ معاشي ، وإنما هو بسبب الاندماج الشمولي في بنية النظام وأهل النظام ، هو نضال سياسي أيضاً بامتياز . وهذا لايسمح بترف التعاطي معه كفعل دفاعي عن مصالح الجماهير الشعبية المعاشية ، دون أن يؤخذ بعده السياسي ـ الاجتماعي كأحد مكونات التصدي للمسيطرين بقوة القمع على الدولة والاقتصاد والسياسة ، ضمن برنامج التغيير الوطني الديمقراطي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ثلاثة قتلى إثر أعمال شغب في جنوب موريتانيا • فرانس 24


.. الجزائر: مرشحون للرئاسة يشكون من عراقيل لجمع التوقيعات




.. إيطاليا تصادر طائرتين مسيرتين صنعتهما الصين في الطريق إلى لي


.. تعازي الرئيس تبون لملك المغرب: هل تعيد الدفء إلى العلاقات بي




.. إيران .. العين على إسرائيل من جبهة لبنان.|#غرفة_الأخبار