الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إذا فشل انابوليس..هل نملك خيارا آخر؟

مهند عبد الحميد

2007 / 10 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



تتفنن الحكومة الاسرائيلية والمعارضة على حد سواء، في إغلاق كل منفذ يتبدى امام العالم لإيجاد حل سياسي للصراع الفلسطيني ــ الاسرائيلي. فقد استأنفت الحكومة الاسرائيلية الحفريات في باب المغاربة (إحدى بوابات المسجد الاقصى) مع بدء زيارة رايس. وصادرت قبل اسبوع 1130 دونماً حول مدينة القدس، وأعلنت عن اضافة آلاف من الوحدات السكنية داخل المستعمرات، وكان المستوطنون دشنوا بؤراً جديدة اعتراضاً على الحل. بدوره أكد ايلي يشاي نائب رئيس الحكومة "رفضه المطلق لمفاوضات حول القدس الشرقية"، في الوقت الذي قدم فيه وزير "الدفاع" باراك قضية الامن كأولوية كفيلة بتعطيل كل محاولة او مسعى من خلال تصعيد الاجتياحات والقتل والاعتقال والحجز المنهجي لحركة المواطنين عبر الحواجز التي بدأت تنتقل الى شركات حراسة ذات طابع فاشي. وأجمل أولمرت رئيس الحكومة الموقف الاسرائيلي بالقول: إن صدور بيان مشترك ليس شرطاً لعقد الاجتماع، وتجاهل الدعوة لتحديد جدول زمني، علماً انه سبق وتحدث عن استمرار المفاوضات 20 ــ الى 30 عاماً!.
إذن، طريق المفاوضات الاسرائيلية ــ الفلسطينية موصد بأقفال غليظة من داخل الحكومة ومن المعارضة، ومغلق بمتطلبات المؤسسة الامنية وشركات الحراسة الخاصة. وهنا يمكن القول ان حكومة اسرائيل منسجمة مع استراتيجية فرض الحل من طرف واحد، يلاحظ هذا عبر الاجراءات المكثفة منذ إطلاق فكرة المؤتمر الدولي، وكان هدف مصادرة أراض حول القدس هو إتمام فصل بنتوستان الجنوب عن الوسط، وهدف قرار إعلان قطاع غزة كياناً معادياً هو فصل القطاع كبنتوستان داخل قبضة محكمة. هكذا فإن حكومة أولمرت تصنع الحل على الارض من خلال القوة وضمن شريعة غاب فريدة من نوعها. إسرائيل تتفاوض شكلاً مع الجانب الفلسطيني، وعملياً يتفاوض الجنرالات مع المستوطنين والمؤسسة الدينية، وتتفاوض الحكومة مع نفسها ومع المعارضة. موضوع التفاوض هو حدود المستوطنات ومراكز السيطرة الامنية وآلية قضم أكبر مساحة ممكنة من الارض، وكيفية التخلص من العدد الاكبر من الفلسطينيين.
كانت اسرائيل بقيادة شارون لا تريد شراكة فلسطينية بالمطلق، لكن اسرائيل بقيادة أولمرت مضطرة الآن ونظرا للحاجة الاميركية للتعامل مع شريك فلسطيني، ولكن بمواصفات شريك يقبل ما تعرضه دولة الاحتلال، شريك ضعيف لا يملك القدرة على ممارسة الضغط، ولا القدرة على تحريك قوى عربية ودولية لمواجهة الاستفراد والتحكم الاسرائيلي في تفاصيل العملية. لهذا السبب ليس من مصلحة إسرائيل عمل كل ما من شأنه تقوية العامل الفلسطيني، بل انها تعمل بشكل منهجي على تفكيك بنية المجتمع والمؤسسة واضعافه لتضعه أمام خيارين الأول: القبول بحل مفروض وهو "دولة الابارتهايد" (البنتوستونات) المترافق مع تصفية قضية اللاجئين. الخيار الثاني ايصال عملية التفكيك الى نهاياتها بشطب الكيانية الفلسطينية وحق تقرير المصير وفرض أشكال جديدة من الوصاية على تجمعات سكانية مبعثرة، وممارسة الوان من الترانسفير مع بعضها.
في مقابلته مع رئيس الحكومة السابق ابو علاء وصف الصحافي الاسرائيلي "روني شكيد" واقع المجتمع الفلسطيني بالقول: "المجتمع الفلسطيني يعاني من تفكك، غزة منفصلة عن الضفة جغرافيا وديمغرافيا وايديولوجيا، والاقتصاد في أدنى مستوياته، السكان في غزة جوعى، السلطة انهارت وكذلك المجتمع المدني انهار، عباس وفياض انقطعا عن الشعب واصبحت وظيفتهما الوحيدة دفع رواتب الموظفين، ابو مازن لا يسيطر إلا على المقاطعة وأريحا، وإذا انسحبت اسرائيل من الضفة ستسقط في أيدي "حماس". ما قاله شاكيد يؤكد العمل الاسرائيلي الحثيث لانجاح احد الخيارين السابقين او كلاهما.
هل يختلف الموقف الاميركي عن الموقف الاسرائيلي؟ في جولتها الرابعة قللت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس من احتمال حدوث اختراق تفاوضي، وبررت موقفها كون النزاع الفلسطيني الاسرائيلي هو الاكثر صعوبة. وأعادت تكرار ما سمعته من الاسرائيليين في إشارة تعكس تفهما للموقف الاسرائيلي عندما قالت: الطريق الذي يربط القدس بمعاليه أدوميم "ليس وشيكاً" ويهدف إلى "تحسين حركة تنقل الفلسطينيين" ! علماً انه يقسم الضفة لشطرين! ويعقد حركة الفلسطينيين ويفصلهم عن بيئتهم. رغم ذلك فالوزيرة "تحاول الاقناع بأنه لن تكون هناك أعمال على الارض تسيء إلى نتيجة المفاوضات"، ودعت إسرائيل الى "الامتناع عن القيام بأعمال تقلص ثقة الفلسطينيين".
ترددت الوزيرة قليلاً بين موقفين، الاول يوحي بتفهم الاجراءات الاسرائيلية. والثاني يناشد اسرائيل باستحياء الاخذ بالاعتبار ثقة الفسطينيين بالعملية السياسية، لكنها سرعان ما أعادت للاسماع موقف الانحياز للرؤية الاسرائيلية عندما قالت: "أعد بألا تكون لاسرائيل أية مفاجآت في المؤتمر". "والمجتمع الدولي لن يكون بديلا لمفاوضات حقيقية" يعني ثنائية.
ولا شك في ان موقف رايس يحيل فكرة المشاركة الدولية لمساعدة المتفاوض الفلسطيني الى لا شيء، ويصبح وجود 36 دولة في المؤتمر شكلياً وصورياً. الوزيرة هنا تشطب الحاجة الملحة والضرورية لوجود طرف ثالث يملك حداً أدنى من النزاهة ويدافع عن الشرعية الدولية والقانون الدولي. وذلك عندما تؤكد على استمرار المعادلة القديمة التي يتم بموجبها الاستفراد بالطرف الفلسطيني ووضعه أمام خيارات أحلاها مر .
يتعزز الاعتقاد بان ما تريده إدارة بوش من "أنابوليس" هو دعاية تستعرض بموجبها القدرة على حشد لفيف من دول العالم للتخفيف من مأزقها الآخذ بالتعمق في العراق. مستخدمة القضية الفلسطينية لجلب الدول وإشراكها في الاجتماع لتعيد على اسماعها كلاماً فارغاً من اي مضمون عن دولتين لشعبين ورؤية بوش ودولة فلسطينية قابلة للحياة.
هل نقبل المساهمة في هذا الاجتماع وضمن المواصفات الاميركية الاسرائيلية؟ الجواب لا بكل تأكيد، وهذه الـ "لا" لا تكون بالمقاطعة، فلو رفضت المنظمة المشاركة منذ الاعلان عن المؤتمر لكان الاتهام الموجه لها جاهزاً وهو: أضاعت فرصة الحل. الموقف المطلوب هو رفض المشاركة ببيان عام والتقدم للمؤتمر بموقف مستقل يستعرض المطالب الوطنية الفلسطينية من جهة، ويستعرض الاجراءات والوقائع الاسرائيلية على الارض من جهة أخرى، ويطالب بنقل الملف الى الامم المتحدة بعد سنوات عجاف من التفاوض الثنائي، يطالب بتدخل دولي من نوع آخر، وسقف زمني لانهاء الاحتلال، ويدعو دول العالم لاعتبار كل ما أحدثته دولة الاحتلال من مصادرة أراض ونقل للسكان وتغيير معالم المكان عملاً غير شرعي وباطل من أساسه.
قد يقول البعض إن هذا الموقف سيخضع الشعب والسلطة لعقوبات ورد فعل انتقامي. ربما نتعرض فعلاً لمثل هذا الموقف على الاقل من قبل الادارة الاميركية وإسرائيل لكن أكثرية دول العالم لن تقبل بذلك، لا بديل أمامنا غير خوض المعركة بموقف عقلاني واقعي، وإذا كان مثل هذا الموقف الواقعي المستمد من الشرعية الدولية والقانون الدولي يعد مغامرة تستوجب العقاب الدولي، فأهلاً بالمغامرة والعقاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا يحدث عند معبر رفح الآن؟


.. غزة اليوم (7 مايو 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غزة




.. غزة: تركيا في بحث عن دور أكبر خلال وما بعد الحرب؟


.. الانتخابات الرئاسية في تشاد: عهد جديد أم تمديد لحكم عائلة دي




.. كيف ستبدو معركة رفح.. وهل تختلف عن المعارك السابقة؟