الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عم زيزو.. العسلية كعرض مسرحي

نائل الطوخي

2007 / 10 / 18
الادب والفن


عجوز يحمل كيسا أسود يصعد الأوتوبيس. لا أحد ينتبه إليه. الرجل يشبه مصريين كثيرين. لا شيء يجذبك فيه في البداية، بعد دقيقة واحدة من المتابعة قد تلاحظ تناقضاته. أسنانه متكسرة جميعا، ولا تفارقه مع ذلك ابتسامة ساحرة. يبدو السن على ملامحه برغم عدم وجود شعرة بيضاء واحدة. ضئيل الحجم جدا ولكنه سيملأ الأوتوبيس كاملا بحضوره بعد دقائق. شيئا فشيئا يبدأ الركاب في الانتباه إلى ذلك الرجل الذي يبدأ كلامه ب" my dears gentlemen and ladies and young people” . ثم يترجمها للعربية لمن لم يفهم. الجميع الآن في حالة "مسرحة" تامة أمام "الشو" الذي يقدمه الساحر العجوز. هذا هو سر الدقائق التي يقدم فيها عبد العزيز قطب عرضه الفني بجوار كابينة السائق.
يبيع عم زيزو ، وهو اسم شهرته، في الأوتوبيس منذ 12 عاما باستخدام صيغة واحدة، وقد تختلف أحيانا. يقدم نفسه للركاب بالإنجليزية. جملة إنجليزية، قد يصفها المتحذلقون بالركيكة، تليها ترجمتها بالعربية، مع الحرص على الدرجة المناسبة من التشويق: " my dears gentlemen and ladies” أعزائي سادتي و سيداتي . I am zizoأنا زيزو. And I have very beautiful surprise وأنا عندي مفاجأة جميلة جدا. And what is it إيه هي المفاجأة دي. And what is it إيه هي المفاجأة دي؟". يضع يده داخل الكيس البلاستيكي الرث الذي يحمله. يترك يده بالداخل لثوان وهو يتابع بخبث عيون الركاب المعلقة بكفه داخل الكيس. يخرج يده بحركة درامية: "عسلية بربع جنيه". تنفجر ضحكات الركاب. البعض كذلك لا يفهم المقصود بالضبط. خافت إحدى الفتيات وهي تشاهد هذا العرض أن ينفجر الأوتوبيس، لأن الأمر، من وجهة نظرها، يتعلق برجل مخابرات أمريكي يتحدث الإنجليزية وليس مجرد بائع عجوز، ولكن الغالبية المطلقة تضحك. يدفعها مرح البائع إلى الشراء منه. ويبتسم هو بتعاطف مطلق مع من اشترى ومن لم يشتر.
على خط 35 التقيت به. كنت قد رأيته من قبل ثلاث مرات تقريبا فصل بين كل مرة والأخرى سنوات. كلمته عن حوار أريد أن أجريه معه. ابتسم وقال لي أنني سأجده على الدوام على قهوة الشيشة بجوار موقف أوتوبيس العباسية. في الميعاد المحدد كان جالسا بداخل القهوة. بادرني فورما رآني "جبت معاك المصور؟" . قلت له أنه سيأتي بعد قليل. ابتسم وأخرج ورقة من جيبه كان قد كتبها بالأمس تأهبا لهذا اللقاء. يقترح عم زيزو على الحكومة إنشاء مقطورات خلف الأوتوبيسات، بهذا يمكن حل مشكلة الزحام في الأوتوبيسات، وكذلك مشكلة البطالة: "ازاي يا عم زيزو؟ – لإن الشباب ممكن يشتغلوا كمسارية في المقطورات دي." أبتسم وأقول له أن هذا صعب ولكنني أتعهد بنشر هذا الاقتراح.
يميز زيزو نفسه بصرامة عن أي بائع آخر بضاعته الوحيدة هي "اتفرج بقى يا عم". هو متعلم، معه ثانوية عامة. هذه كانت بداية تميزه: "لازم كاركتر أو أسلوب معين. أنا بخجل من نفسي لما أعمل حاجة زي أي بياع. لازم يبقى فيه شيء يميزني." في البداية فكر زيزو في كيفية جذب انتباه الناس: "قلت مافيش غير اللغة اللي تشد الناس. أنا كنت قبل كدا الفيرست في الانجليزي. فكرت في الطريقة ورتبت الجمل. لازم يبقى فيه مقدمة اعرّف الناس بيا. استسهلت اسم زيزو. قلت أفاجئ الناس واطلع بشنطة سمرا مايعرفوش فيها إيه واقولهم في الاخر ان معايا عسلية. في البداية لقيت الريأكشن بتاع الناس جامد جدا. حبيت دا لدرجة إني مابقيتش ابيع حاجة غير العسلية."
في البداية دخل عم زيزو هذه المهنة بخوف: "ماكنتش متصور نفسي في المهنة دي. أنا متعلم واخواتي في مراكز عالية. بس رجعت وقلت ما هو الشغل مش عيب. العيب إني أقول هات يا فلان." وكلامه أيضا لم يكن كما هو الآن: "كنت بقول الأول بصوت واطي: إن شاء الله معايا عسلية. وكنت هايب الموضوع كله. ماهو كل شيء صعب في أوله. أول مرة اقولها بالانجليزي كنت محروج وخايف لكن من أول ما بدأت الكلام حسيت الضحك والابتسامة بين الركاب عالية ودا اللي شجعني. دا كان في موقف العباسية. لقيت الاوتوبيس هيصة. أول ما بدأت الكلام كان فيه صمت رهيب لكن الهيصة شجعتني. الاوتوبيس كان هيتنقل من مطرحه من كتر الضحك فخفت اتراجع."
على مدار سنوات عمله في هذه المهنة، غير زيزو صيغة عرضه العسلية أكثر من مرة. هذا ينبع من مزاجه الشخصي أحيانا: "أنا باغيّر على أساس اني مابحبش اكون اسطمبة واحدة. التغيير دا بييجي من ملل بداخلي."
كانت الصيغة في البداية كالآتي: يبدأ باسم الله. يقدم نفسه ثم يقول أن لديه مفاجأة جميلة جدا، كل هذا يقوله بالانجليزية، مترجما كل جملة بعدها إلى العربية، جمل قد تبدو غير منطقية الترتيب ولكنها كافية للاحتفاظ بأعصاب الناس مشدودة وهي تحاول الإجابة على أسئلته التي تتوالى، مع استشهادات شكسبيرية ضرورية:
"ولكن إيه هي المفاجأة؟ هذا هو السؤال، ولكن مين يقدر يجاوب. لما تكون في أي مكان، وتشوف المفاجأة، هتعرف في اللحظة دي إيه هي." ثم يخرج يده من الكيس البلاستيكي ويهتف بنبرته الدرامية: عسلية بربع جنيه.
وبرغم أنني لم أسأله، يتطوع زيزو بأن يشرح لي لماذا يبدأ نداءه بالرجال قبل النساء. يبدو هنا منتقدا وساخرا: "نظام "لادي إيز فيرست" دا في أوروبا إنما هنا أنا بادئ بالقرآن. هنا الرجال قوامون على النساء" يبتسم ويضيف: "مع الاعتذار طبعا للجنس اللطيف." يشعر زيزو دوما بنجوميته. تلك التي تحتم عليه أن يكون دبلوماسيا. لا يحبذ كتم قناعاته الخاصة ولكنه في نفس الوقت غير مؤهل لخسارة معجباته من الجنس اللطيف.
لماذا تخلى زيزو عن مقدمته الطويلة هذه؟ الإجابة بسيطة: شعر معها أنه يضيع وقته: "لما لقيت الرزق اللي بيجيلي قليل، قلت اختصر شوية علشان الحق انقل لأوتوبيس تاني، وعشان مش هقدر اجيب الصحة اني اقول الكلام دا كله." ومثل أي فنان، يبدو المجد الأدبي والشهرة هما الجائزة الأكثر قيمة له. أصبح الآن شهيرا. يقول: "تسوى إيه لما ابقى ماشي في رمسيس وألاقي تاكسي وناس يرفعوا إيديهم ويقولو عم زيزو أهو. أنا دلوقتي بقيت معروف وفاموس". مع هذه الشهرة، لا يهمه إن لم يبع طالما الناس تضحك: "سواء بعت أو لا برفع إيدي للسما. انا بحب الناس تنبسط وتضحك لإن الناس بتعاني في الظروف والايام دي. وكمان يهمني الناس الغلابة اللي ممكن كمان اديهم عسلية من غير فلوس. ودا اللي محبب فيا الناس."










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب


.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي




.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت


.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري




.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض