الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يلجم التهديد بالأجتياح حقوق القوميات والأقليات في تركيا ؟

زهير كاظم عبود

2007 / 10 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ثمة من يعتقد أن الموقف السياسي التركي المقترن بالموقف العسكري من أجل حماية الوطن التركي من التقسيم أو الإرهاب ، وثمة من يعتقد أن الدولة التركية يجب إن تقوم بتثبيت هيبتها وسيطرتها الكاملة على كل أجزاء تركيا ، وان لاتعطي مجالا لأية جهة أن تلوي ذراعها .
وثمة من يعتقد أن من حق المؤسسة العسكرية التركية أن تتصدى لكل التنظيمات المسلحة (( الإرهابية منها وغير الإرهابية )) ، حيث لاسيادة لغير الجيش التركي فوق الأراضي التركية ، ولا مجال لحمل السلاح الا بموافقة القانون والجيش التركي .
ويغيب عن بال جميع هؤلاء حقوق القوميات والأقليات التي تتشكل منها الأمة التركية ، وفي زمن صار فيه الأقرار بتلك الحقوق الفيصل الأرأس بين من يعتقد بحقوق الإنسان ، وبين من يستخف بتلك الحقوق ، وبين من يعتقد بوجود تلك الأقليات والقوميات وبين من يعتقد أنها انصهرت ضمن المجتمع القومي .
وإذا كانت الشرائع السماوية والقوانين والمعاهدات الدولية ولوائح حقوق الإنسان تمنح الحق لتلك القوميات والأقليات ، ضمن الأطر التي يصار الى الاتفاق عليها ، بل وتساند تلك الحقوق وتسعى في سبيل أقرارها والتوصل الى تجسيد أطار دستوري وقانوني لتلك الحقوق ، فأن عصرا حديثا يوجب الأقرار بتلك الحقوق ومعالجة ترسيمها دستوريا وقانونيا بالطرق السلمية والإنسانية .
ويمكن أن تكون المشكلة الكردية في تركيا من المشاكل العصية على القيادة التركية ، التي لم تستوعب مطلقا حقوق القوميات والأقليات ولا تعترف بها ، ولكن لماذا لاتسأل هذه القيادة نفسها عن الأسباب العميقة التي تدفع بالمواطن الكردي في تركيا للقتال حتى الموت ؟ وماهي أسباب هذا الإصرار على المواجهة التي بدأت مسلحة ومن ثم جنح حزب العمال الى طرح مسألة الحوار والمداولة والتباحث من أجل التوصل الى حلول مشتركة تفيد الطرفين ، ووجد إن تلك الطريق تحقن دماء الطرفين ، وتوصل حتما الى القواسم المشتركة لإنهاء حالة النزاع والاختلاف في مسألة الحقوق بطرق لايخسر فيها الإنسان حياته .
أن إضفاء توصيف الإرهاب على الجهات التي تقاتل من أجل حقوقها المشروعة ، أصبحت مسألة تتعلق بالمصالح الدولية والمزاج السياسي ، وحري بالقيادة التركية أن تجنح للسلام وتسعى لتبادل الثقة مع تلك المجموعة البشرية التي لاتقل عن 20 مليون أنسان ، يتم تهمشيهم والاستخفاف بحقوقهم تحت مرأى ومسمع العالم ، وحري بالقيادة التركية أن تحقن دماء أبنائها سواء من الأتراك أو من الأكراد ، وأن تعمل على وقف العمليات المسلحة التي يقابلها موقف ساع الى تهدئة الحال من الجانب الأخر ، وان يتم استغلال هذا الجنوح الى السلام وتوظيفه من اجل إنهاء حزمة من المشاكل التي تعصف بحياة تركيا .
ويقينا أن استعراض العضلات واستغلال الزمن الرخو للدخول في الحدود العراقية وانتهاك السيادة العراقية لن يجدي نفعا ، ولن يحل مشكلة الحقوق التركية ، ولن يدفع الكرد الى موقف المتنازل عن الحقوق أو المتخلي عنها ، كما أن قصف القرى الكردية المدنية في أقليم كردستان في العراق انتهاكا صارخا واعتداءا كبيرا على تلك المجموعات البشرية التي تسكن تلك القرى الفقيرة والبائسة والآمنة ، ويؤشر علامة سلبية في سجل تركيا الذي بدأ يمتلأ بمثل هذه الحماقات .
أن حماية الوطن التركي من التجزئة لاتتعارض مع مسألة الإقرار بالحقوق ، كما أن هيبة الدولة التركية تكون بالتطبيق المتساوي للدستور والقوانين على كل المواطنين ، دون أن تتعكز الدولة على تقسيم الناس الى درجات ، فقد مضى زمن الدرجات وحل زمان حقوق الإنسان ، كما أن لي الأذرع لايكون بمحاصرة صاحب الحق أو من يعتقد إن له الحق ، إنما يكون بمناقشته والتوصل معه الى مفاهيم تخدم المستقبل والإنسان .
أن تلك التوصيفات التي يتم أطلاقها على تلك المجموعة البشرية ونعتها بالإرهاب لايحل القضية ولايوقف سبل المطالبة بحقوق الأكراد في تركيا ، كما أن الساسة الأتراك يدركون قبل غيرهم أن جميع تلك الأساليب المتبعة في الفصل بين الأكراد لن تنتج مطلقا فصلا حقيقيا ، لأنهم متأكدين تماما أن شعب كردستان شعب واحد جزأته الظروف والمعاهدات والأحلاف الدولية ، وهذا التوحد يتشابه مع سعي جميع الشعوب والقوميات في الأرض أن تتوحد وتلم شظاياها المتناثرة ، ويمكن أن يكون العراق عبرة وصورة لما حدث في التأريخ الحديث عن مسألة حقوق الأكراد .
فقد سبقتهم الحكومات العربية الشوفينية التي تعاقبت على حكم العراق ، فوصفت الأكراد بالعملاء والانفصاليين والجيب العميل والخونة والإرهابيين وسلسلة طويلة من الألفاظ التي يطلقها الحكام والتي لاتمت للحقيقة والمنطق بصلة ، فقد كان شعب كردستان في العراق يقاتل من أجل حقه المشروع وحقوقه المستلبة ، وكان يقدم التضحيات والخسائر الكبيرة في سبيل تلك الأهداف السامية ، ولم يتوقف بالرغم من كل تلك المعارك التي خاضها ضد اكبر ترسانة عسكرية في المنطقة ، متحملا كل أساليب العقل الشوفيني وكوارث الأسلحة الكيمياوية والبايلوجية ، بالإضافة الى عمليات تخريب القرى وحرق المزارع وإتلاف الغابات والطبيعة وعيون المياه ، وعلينا اليوم أن نسأل عما صار اليه حال تلك الحكومات ؟ وأين انتهى هؤلاء الحكام ؟ وهل لم يزل هناك شعب كردستان ؟
وإذ يعيد التأريخ نفسه مع الدولة التركية ، وإذ تعود عقارب الزمن حيث يعتقد الساسة الأتراك أن سياسة رد الفعل ستنتج أثرا يحمي المستقبل التركي ، وهي بهذه السياسة الهوجاء لن تستطيع تحقيق الحاجز العازل بين الكرد ، كما لن تستطيع أن تلجم الأفواه المطالبة بالحقوق ، لأن المسألة لاتتعلق بحزب العمال أو قيادته السياسية ولا بشخص عبد الله أوجلان المحتجز في جزيرة أومرلي ، حيث أن الأمر يتعلق بقضية شعب ينبغي أن يتم النظر لها بمنظار عاقل وحكيم .
ومهما كان توصيف السيد عبد الله اوردغان الذي نتوسم فيه أن لاينزلق الى مهاوي الشوفينية المقيتة للأحزاب المعارضة من الكرد ، فانه لن يستطيع مطلقا أن يلغي هذه المطالبة من قاموس الشعوب ، وسيخسر التاريخ الأنساني حين يكسب إطراء الساسة والعسكر ، فلا الهجوم المسلح ينهي المشكلة ، ولا أختراق حدود الجار الجنوبي يضع لها حدا ، وإذا لم تتمكن الدولة العراقية في ظل ظروف الاحتلال أن تحمي حدودها ، فأن الاستهجان الدولي المقترن بسخط الشعوب والمنظمات الإنسانية سيكون من حصة تركيا وساستها .
ويعرف السيد اوردغان ومعه كل الساسة الأتراك عدم صحة المزاعم التي تقول أن عناصر حزب العمال يتخذون من أراضي إقليم كردستان العراق نقاط تجمع وقواعد لشن الهجمات ، لأن الجبال المنتشرة في المنطقة لايمكن ضبطها أو تحديد من يتجاوزها ، كما أن الأقليم صرح وبشكل علني عدم دقة تلك المعلومات ، مما يسقط تلك الحجج والذرائع .
أن حالة الاستنفار وتجييش العسكر لن يدوم الى الأبد ، ولن تستطيع تركيا أن تؤجل سعيها لمستقبل تركي يليق بموقعها واقتصادها في سبيل قمع تلك الأصوات المطالبة بالحقوق ، ولن تكون تركية قوية الا بتوفير تلك الحقوق لأبناء شعبها ، ومن لايقر بحقوق القوميات والأقليات يكون ضعيفا وغير صادق مع نفسه ، ومن يريد تغليب قومية على أخرى بسعي شوفيني تحت شعارات الوطن ووحدة الأمة سيكتب له الفشل ، وسينتج أضرارا كبيرة على المستقبل التركي .
وعلى الساسة الأتراك أن لايستخفون بالمجتمع الدولي والانتقادات التي يوجهها هذا المجتمع ، ويتم بناء العلاقات السياسية مع تركيا على أساسها .
وعلى أوردغان أن يحصل على تفويض من شعبه في حل إشكاليات العلاقة بين السلطة وبين تلك القوميات ، قبل أن يستحصل على تفويض من البرلمان التركي باجتياح الحدود العراقية من إقليم كردستان العراق ، وأن لاتخسر تركيا العراق وعلاقات تركيا بأقليم كردستان ، لأن أعمال العقل والتطبيق الحكيم في قضية حقوق الأقليات والقوميات ما يتناقض مع تلك الأساليب ، كما عليها أن تسعى الى تهدئة الحال وإيجاد سبل وطرق أكثر عقلانية وإنسانية من قضية الاجتياح ، وأن لاتعتمد على الاتفاقيات الثنائية بينها وبين الحكومات في سبيل القضاء على تلك الحقوق ، وأمامها ستجد أن اتفاقيتها مع الدكتاتور العراقي المشنوق صدام في حقها باجتياح الحدود العراقية لملاحقة الأكراد لم تقضي على الحق ولا المطالبة به .
وبعيدا عن الانفعال والمواقف المتشنجة سيجد السيد أوردغان أن مستقبل الإنسان في تركيا يتشكل من خلال المحافظة على الدماء وحقنها ، ويكون من خلال احترام آدمية الإنسان بصرف النظر عن قوميته ، و من خلال الأقرار بحقوق القوميات ، وأن منطق العنف ورد الفعل والقسوة واستغلال الظروف لن يحل المشكلة التركية المزمنة مالم تلوح أشارات العقل في المواقف من أجل مستقبل الإنسان في تركيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ولي العهد السعودي بحث مع سوليفان الصيغة شبه النهائية لمشروعا


.. سوليفان يبحث في تل أبيب تطورات الحرب في غزة ومواقف حكومة نتن




.. تسيير سفن مساعدات من لارنكا إلى غزة بعد تدشين الرصيف الأميرك


.. تقدم- و -حركة تحرير السودان- توقعان إعلاناً يدعو لوقف الحرب




.. حدة الخلافات تتصاعد داخل حكومة الحرب الإسرائيلية وغانتس يهدد