الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو حوار وطني جاد ومسؤول

عبدالهادي مرهون

2003 / 10 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


كعادة هذا المجتمع الصغير بحجمه، ولكن بما اكتسبه من قوة حراك واضحة المعالم خلال الثلاثة أعوام الماضية؛ فقد طفت على السطح في البحرين في الشهرين الماضيين مؤشرات سياسية واجتماعية بارزة بدأت تأخذ مساحة واسعة من الاهتمام، وذكّرت بممارسات إعلامية سابقة على طريقة الحشد، وربما استعداء الآخرين والدفع بهم تجاه اتخاذ مواقف قد تسهم في التسبب في العودة إلى سيادة الرأي والصوت الواحد.  وهو ما أثارته مشاركة أطراف وطنية في ندوة التجنيس التي عقدت في لندن، وتم فيها عرض وجهة النظر حيال بعض المسائل الخلافية، إضافة إلى تداعيات الندوة التي عقدها مركز البحرين لحقوق الإنسان حول التمييز والامتيازات، ومؤخراً الآثار الوخيمة لمظاهر العنف جراء إقامة حفل غنائي.

ما يجب التأكيد عليه، ونحن نقارب هذه الملفات، هو أنه فيما لو توفر مناخ وطني عام، تسوده روح الحوار الوطني وفق الضوابط الديمقراطية الحقيقية، بين مختلف فرقاء العمل السياسي الرسمي والأهلي، وتمكنّا من خلاله فتح النقاش أمام كل نقاط الاختلاف والقضايا العالقة، لكنا استطعنا بذلك حسم معظم قضايانا الداخلية بأنفسنا، لكن المعضلة أن مثل هذا المناخ حول بعض الملفات الساخنة التي تشكل مبعث شك وارتياب وقلق لدى المواطن بقيت مفتوحة دون حل حتى الآن، وهي تسهم يوماً بعد آخر في الإقلال من الثقة بالإصلاح، صحيح أن هناك حرية تعبير، وهناك إصلاح يقوده جلالة الملك ولا يمكن لأحد أن ينكره إلا من يجحد وضوح الشمس، إلا أن أحداً لا يمكن أن ينكر أيضاً أن هناك قضايا ما زالت تحول دون المضي في هذه العملية، كاستمرار مظاهر ونظام الامتيازات الذي يقسم المجتمع طبقياً ويمنح حقوقاً لفآت بعينها ويحرم منها آخرين، والتجنيس السياسي والبطالة والنخب التي مازالت متجمدة في مواقعها كما وصفها مستشار جلالة الملك د. محمد جابر الأنصاري.

إن ما يجب طرحه والإصرار عليه هو توفير بيئة صالحة للحوار، لا يمارس أحد فيها التذاكي على أحد، سواء من الحكم أو المعارضة، تفتح فيها جميع ملفات القضايا العالقة، بوضوح وبلا قيود. إن هذا الحوار يجب أن يقوم على روح ديموقراطية تغلب عليها السمة الوطنية، حوار يحترم الرأي والرأي الآخر، لا يقصي منه أيّ طرف من الأطراف ولا يملي فيه أحد إرادته على غيره. هذا الحوار هو وحده الكفيل بإعادة الناشطين والمتابعين إلى عمل سياسي حقيقي، يقترب فيه كلُ واحد من الآخر ويتم فيه العمل على رفعة الوطن والمواطن. إن هذا الحوار الذي يقوم على تبادل الأفكار والآراء مع كافة النشطاء السياسيين والحقوقيين لهو سلوك حميد وحق مكفول للجميع داخل وخارج البحرين.

إن تقييد حرية التعبير بحجة الإضرار بسمعة البلاد واقتصادها، أصبحت أعذارا لا تتوافق والمعايير الدولية، ولا يقبلها المنطق السائد في الدول والمجتمعات التي تحترم حقوق الإنسان.  ذلك أن إطلاق الحريات العامة وتعزيز الاتجاه نحو الشفافية والإفصاح لهو أمر يحمى أمن البحرين وينمي اقتصادها.  وان المجتمع الذي يعيش مناخا صحيا فيه الإصلاح والديمقراطية والتعددية وتكريس الحريات لا يخشى أن يتم تداول أموره العامة في المحافل ووسائل الإعلام الدولية أو المنتديات الإلكترونية.  وفوق كل ذلك فإن في موضوعات التعديلات الدستورية وتعزيز مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والقضاء على مظاهر القلق مثل التمييز والتجنيس والبطالة وسبل تقوية السلطة التشريعية، ليست أموراً سرية بل هي قضايا عامة ينبغي بلورتها وتوفير معالجات شفافة لها تدفع بالعجلة الإصلاحية ولا تقيدها.

ومن هذا المنطلق يجب على جميع الأطراف الرسمية في الدولة والمجتمع المدني أن تضع على رأس سلم أولوياتها حماية الحريات وخصوصا حرية التعبير، باعتبارها حقوقا أصيلة لكل إنسان ومكتسباً هاماً يجب عدم التفريط بها تحت أي ظرف ودون أية أعذار ومسميات إلا ما يتعارض منها مع حقوق الإنسان ذاتها والمعايير المتعارف عليها دولياً.

ونعتقد جازمون أن مكتسبات المشروع الإصلاحي وفرت للمواطن والنشطاء السياسيين وجمعيات المجتمع المدني والنقابات الحق في أن تمارس دورها بحرية وأن تطرح كل الملفات دون تحفظات أو مصادرة.  كما أن العمل السياسي يتطلب الكثير من النفس الطويل والصبر والمثابرة لتحقيق الأهداف، ولكن من المهم تقوية وإصلاح أوضاع البلاد بما يؤدي لتحسين معيشة الناس وتعزيز عوامل استقرار الأوضاع وعدم التراجع عن ما تحقق من مكتسبات وطنية، فهناك فرق بين منهجية رفض الواقع الراهن وعدم التعاطي معه وبين منهجية التعاطي مع الواقع ومحاولة تغييره عبر معايشة التجربة والتعاطي معها وكشف مناقبها ومثالبها.  فالمطلوب هو تعزيز ما أنجز والعمل لرفع سقوفه في ظل فهم صحيح لعملية إدارة الصراع بين القديم والجديد وميزان القوى المحلية والإقليمية والدولية وزرع وتعزيز الثقة بين الحكومة ومختلف فرقاء ونشطاء العمل السياسي والمجتمع المدني عبر المشاركة الفاعلة والإيجابية.  فهناك الكثير من الملفات التي تمس مصالح الناس مباشرة، بحاجة ماسة للإسهام في وضع حلول ناجعة لها مثل محاربة الفساد الإداري والمالي، البطالة والتأمين ضدها، الحد الأدنى للأجور، التجنيس، الإسكان، التعليم، البيئة، وتحقيق التنمية المستدامة والملف الاقتصادي، ونعتقد بأن التحرك عليها من خلال البرلمان والضغط لمحاولة التوصل لحلول جدية بشأنها سيتيح رفع الكثير من الأعباء عن كاهل المواطنين وسيؤدي لتحسين المستوى المعيشي لعامة الشعب.  أما الملف السياسي وبصورة محددة الملف الدستوري فهذا يتطلب معالجة صبورة من خلال فتح الملف في البرلمان كما يتطلب أيضاً الدخول في حوار وطني واسع وناضج – لا يقصى منه طرف أو تملى فيه مواقف - عبر مختلف القنوات الرسمية والتشريعية والأهلية تمهيداً للوصول لحلول وأرضية تتلاقى عليها جميع الأطراف.

ولن نصل إلى هذا المستوى من الطرح، مالم يعي أعضاء المؤسسة التشريعية (البرلمان) أهمية هذه القضايا الجوهرية، فيعملوا على إدخالها في مقدمة أجندتهم، والابتعاد عن القضايا الهامشية، التي لاتفيد شيئاً سوى الإساءة للوطن وللتجربة النيابية معاً.

 

عبدا لهادي مـــرهــــون
النائب الأول لرئيس مجلس النواب
Mhadi1122@ hotmail.com

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أكثر من 8 أشهر من الحرب.. حماس تقر بتراجع شعبيتها| #غرفة


.. جحيم الفاشر ينتقل إلى محلية الطويلة ويتسبب في نزوح آلاف السو




.. الحرب الإسرائيلية تحرم سكان قطاع غزة من إحياء سنة ذبح الأضاح


.. نتنياهو: إسرائيل دفعت ثمنا يفطر القلب بفقدان ثمانية جنود في




.. أطفال غزة يقودون عربات خيول وحمير لإعالة أسرهم