الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حكومة حزب الاستقلال ( بالمغرب ) ، هل يعيد التاريخ نفسه ؟
أحمد عصيد
2007 / 10 / 19مواضيع وابحاث سياسية
ها قد وصل حزب الاستقلال أخيرا إلى ما كان يصبو إليه منذ ما يقرب من عقدين ، أي العودة إلى تولّي مناصب الترؤس والتسيير الحكومي ، ولعب دور الخديم الأطوع للعرش ، بعد أن طال عهده بذلك حتى كاد يصيبه اليأس من نفسه ومن حلفائه ، ويستبدّ به الشك في "شرعيته التاريخية" وعبقرية أبنائه من الدوحة الفاسية .
ورغم أن فرحة الحزب لم تكتمل ولم تكن مبرّرة مطلقا بالنظر إلى النسبة الضئيلة من الأصوات التي حصل عليها مقارنة بعدد المغاربة المسجلين في اللوائح أو الذين هم في سن التصويت ، مما يجعل تمثيليته النيابية وموقعه في الحكومة موضع سؤال عريض ، غير أن الحزب حاول أن يعرض ذلك على أنه انتصار تاريخي .
والحقيقة أنه باستثناء أتباع الحزب ومنخرطيه ، والواقعين تحت سيطرة أعيانه ، والذين باعوا أصواتهم له بثمن بخس ، فإن الأغلبية الساحقة من المغاربة تعتبر تولي هذا الحزب لرئاسة الحكومة استخفافا بمشاعرهم وبذكائهم ، وعودة بعجلة التاريخ إلى الوراء ، ذلك أن "المنهج الديمقراطي" يقتضي أولا وقبل كل شيء توفر أغلبية حقيقية ذات شرعية ، وهو ما لم تفرزه الانتخابات الأخيرة.
وإذا كان معظم المغاربة المعنيين اليوم بالشأن السياسي هم من الشباب الذين لا يذكر أكثرهم تاريخ الحزب ، الذي حرص على أن يقدّم نفسه في الكتب المدرسية على أنه " الحزب الذي حرّر البلاد " ، فإنّ الذين عاشوا أحداث بداية الاستقلال والذين جاؤوا بعدهم وسنحت لهم فرصة أن يطّلعوا على الوثائق والمعطيات الصحيحة ، يعرفون اليوم بأن الحزب المذكور هو أحد الأطراف الكبرى التي صنعت أزمة المغرب البنيوية ، وألقت به بين براثن وضعية يصعب الخروج منها بدون صدمات قوية .
هؤلاء لم ينسوا للحزب العتيد بأنه منذ تأسيسه وقبل ذلك بعقد من الزمن ، قد اختزل هوية المغرب في هوية العائلات المكونة لنخبته الأندلسية ، هوية " العروبة و الإسلام" ، جاعلا هوية الشعب المغربي الأصلية والعريقة على الهامش ، بل ومعتبرا إياها مؤامرة أجنبية ، لم ينسوا بأن هذا الحزب قد أصدر في يوم ما والمغرب تحت الوصاية الأجنبية ، والمقاومة المسلحة تسجّل أروع صفحات تاريخها ، والفدائيون يقدّمون أرواحهم على مذبح الحرية ، قد أصدر بيانات إدانة " للإرهاب المسلح" ، ودخل مفاوضات إكس ليبان بحسابات لا تتعدّى فكر الغنيمة ، ونظّم عصابات الاغتيال والتعذيب في فجر الاستقلال لتصفية الخصوم السياسيين بطرق وحشية ، وسعى بكل الطرق الغير الشريفة إلى إبعاد أبناء الطبقات الفقيرة والمنحدرين من البوادي المهمشة من المناصب الحساسة وإن كانوا الأكثر كفاءة ، واعتبر إقامة نظام الحزب الوحيد حقا له ومكافأة على " جهوده التحريرية " التي لم تكن تتعدّى قراءة اللطيف في المساجد وإصدار بعض الصحف والمجلات والبيانات والمشاركة في الاجتماعات المغلقة ، وأدّت مساعيه الأنانية إلى اندلاع انتفاضات الريف الدموية والأطلس المتوسط وسوس ، ودشّن عمله الحكومي بفضيحة المركب الكيماوي لآسفي والتي ضخّت في حساب الحزب بسويسرا ما مقداره أربعة ملايير سنتيم ، وهي أكبر سرقة موصوفة عرفها المغرب في فجر استقلاله وهو ما زال يعيش نشوة طرد المستعمر .
لن ينسى هؤلاء أيضا بأنّ " الحزب الذي حرّر البلاد " هو نفسه الذي استغفل مليونين من أنصاره ومنخرطيه البسطاء في بداية الاستقلال ليمرّر مخطّطات نخبته الطفيلية ويضع المغرب خارج سكّة التنمية الحقيقية ، وهو ما أدّى مباشرة إلى يأس الناس منه ومغادرته أفواجا إلى الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ، مما حذا به إلى إزالة القناع دفعة واحدة ومساندة الدستور الممنوح عام 62، وهو الدستور الذي أدّى إلى تأبيد الاستبداد وإجهاض الحلم الديمقراطي حتى اليوم ، ولكنه مكّن الحزب من إشباع نهمه إلى المناصب والثروات وتبذير المال العام في حكومة يرأسها الملك الحسن الثاني نفسه آنذاك .
لم ينس الناس أن وزراء حزب الاستقلال قد استغلوا بشكل شنيع صراع السلطة مع الإتحاد الوطني ليطردوا أعدادا كبيرة من الموظفين بتهمة الانتماء إلى الإتحاد ، وبتهمة الإضراب ساعة واحدة، وعوضوهم بأعضاء من الشبيبة الاستقلالية ، طرد أحمد بلافريج من وزارة الخارجية التي كان يتولاها 96 موظفا ، وطرد امْحمد بوستة من وزارة العدل 17 موظفا ، وفعل نفس الشيء وزراء آخرون ، ليتمكن الحزب بذلك من خلق مافيا إدارية أخطبوطية استمرّت في الاقتيات من دماء المغاربة زمنا غير يسير ، وتحمّس الحزب أيما حماس للاعتقالات التي زجّت بما يقرب من 7000 مواطن في السجون بسبب آرائهم السياسية المعارضة لتوجهات السلطة وحزب الاستقلال ، وشهدت العاصمة إحراق دكاكين المواطنين وسيارات النقابيين والمعارضين للحزب ، دون أن تكون ثمة أية متابعة للمجرمين .
وشهد الناس كيف كان الاستقلاليون ينقلبون ويتلونون بشكل عجيب بين أقوالهم وأفعالهم ، فقد عارض الحزب مثلا وبشدّة تهجير اليهود آنذاك ، وصرّح زعيمه علال الفاسي لجريدة العلم بعدم جواز منح جوازات السفر لليهود لكي لا يذهبوا إلى إسرائيل ويقاتلوا الفلسطينيين ، غير أنه بعد ستة أشهر ، وبعد تولّيه منصب وزير الأوقاف أعلن بأن اليهود المغاربة مواطنون يجري عليهم ما يجري على غيرهم وأن من حقّهم الحصول على جوازات سفرهم ، والحقيقة أن ما وقع هو أنّ وزير الخارجية أحمد بلافريج عاد من الولايات المتحدة حاملا القرار الأمريكي بضرورة تهجير اليهود ومساعدتهم ، وهو ما نفّذته السلطات المغربية بتعاون بين الحزب الحاكم ومدير الأمن أوفقير، وفُرض على 300000 من اليهود المغاربة أداء مبلغ 500 درهم للفرد آنذاك ليسمح لهم بمغادرة المغرب .
لم ينس الناس كذلك الدفاع المستميت لجريدة الحزب عن الاختيارات اللاشعبية والسياسات الخرقاء التي كان يتبعها والتي أدّت إلى إفقار مناطق بكاملها لصالح مثلث : الرباط/فاس/الدار البيضاء ، وجعلت مناطق البلاد تختار بين التهريب والهجرة والدعارة والمدارس العتيقة والأضرحة ، وظهرت بفضل الإيديولوجية التلفيقية للحزب والتي تتماهى فيها مع المخططات المخزنية نزعات التطرّف الديني .
وما زال الناس يذكرون الأضرار الكبيرة التي ألحقها الحزب بالمنظومة التربوية الوطنية بإقدامه على التعريب المطلق للمواد التعليمية وسعيه إلى تعريب الإدارة و الحياة العامة، وهو ما أفقر بشكل كبير المدرسة المغربية ، وانكشفت لعبة الحزب عندما رأى الناس رأي العين كيف يتحدّث زعماؤه عن التعريب واللغة العربية ، وكيف يحرصون على تكوين أبنائهم باللغات الأجنبية في بلاد العم سام ليرثوا مناصب آبائهم .
ويعرف الناس اليوم بأن حزب الاستقلال بأطروحته العنصرية حول الهوية و" الوحدة الوطنية " والتي سعى من خلالها إلى إبادة المكون الأمازيغي للشخصية المغربية قد أحدث تمزقا عميقا في الوعي الوطني وفي حساسية الانتماء إلى المغرب ، وأثار صراعا في قلب المجتمع كان من الممكن تفاديه منذ البداية ، وأجهض الحلّ الديمقراطي الحداثي للمسألة الثقافية بإشاعة ثقافة محافظة ومحنّطة على حساب ثقافة الشعب المغربي الحية والمبدعة .
لن ينسى الناس بأن هذا الحزب قد استغل سلطة الحكومة وهيمنته على قطاع التعليم ليمرر قرارات خطيرة كان منها تلقيح المقررات الدراسية بقدر مروع من التوجهات السلفية التي لازمتها حتى أيامنا هذه ، وإغلاق شعبة الفلسفة و السوسيولوجيا أكثر من مرّة بحجّة أنها تفرخ الماركسيين ، ولن ينسى الناس أنه فتح بدلا عنها شعبة الدراسات الإسلامية التي يعرف الجميع مقدار " التنوير " الذي أشاعته في الجامعة المغربية خلال الربع قرن الأخير ، حيث أصبحت معرضا لبيع المسك والعطور المقرفة الرائحة وأشرطة الهذيان الديني المشرقي .
ولن ينسى الأمازيغيون على وجه الخصوص وقوف الحزب " الوطني " سدّا منيعا ضدّ إحداث مركز للدراسات والأبحاث الأمازيغية الذي كان قد اقترحه حزبا التقدّم والاشتراكية والحركة الشعبية سنة 1979 ، والذي صوت عليه البرلمان بالإجماع ، معتبرا ذلك " وصمة عار في جبين الحزب " الذي تنكّر حتّى لفكرة علال الفاسي الداعية منذ 1968 لإحداث كرسي للحضارة الأمازيغية بالجامعة ، والذي كان وقتذاك اقتراحا للالتفاف على مطلب تعليم الأمازيغية الذي كان قد بدأ يتبلور داخل المجتمع.
وطبعا لن ينسى الناس أن حزب الاستقلال قد مارس المعارضة أيضا أكثر من مرّة ، لكن ما يعرفه الناس أيضا هو أنه لا يختار المعارضة أبدا إلا من أجل الاحتجاج على إقصائه من لعبة توزيع الكراسي الحكومية ، إنه يعارض من أجل الضغط على الحكام للعودة إلى السلطة لا من أجل خدمة البلاد، ويعرف الناس أن الحزب ـ بجانب تاريخه في "المعارضة" ـ قد مرّ بمحن عديدة أيضا، لكنهم يعرفون بأن ذلك كان نتيجة انتقام النخب الجديدة منه حيث عومل بمثل ما عامل به الناس من قبل ، فقد شاء الحظ العاثر للاستقلاليين أن يقود إلى أعلى هرم السلطة رجلا من " العروبيا " لا ينظر إلى أصحاب التعادلية إلا بنظرة شزراء ، وهو الرجل الذي كسر شوكتهم وحكم عليهم بأن يتحمّلوا لعبة المعارضة التي يكرهونها زمنا غير يسير ، الرجل الذي واجه فسادهم بأكثر منه وأفظع ، وصنع نخبا على شاكلتهم وأفدح ، نخب منحرفة تختلف عن نخبة حزب الاستقلال بأنها لا تعرف للوطنية معنى ، في الوقت الذي يمتاز فيه التعادليون بمعرفتهم النظرية لمعنى الوطنية ، وإن كانوا في سلوكاتهم يقدمون لها معنى آخر ، أصبح المغاربة يتندّرون به وهم يتذكّرون شعارا قديما للحزب يقول : " المغرب لنا لا لغيرنا ".
وأكثر من ذلك فقد مارس الحزب معارضته للحكومة حتى وهو بداخلها ، كما فعل أيام بدء حكومة التناوب التوافقي ، حيث آلمه أن يرى الإتحاد الاشتراكي يتزعم الحكومة وأن يرغم هو على قبول الصفوف الخلفية ، فاختار لعبة " المساندة النقدية " التي تعني وضع رجل في الحكومة ورجل خارجها ، مخترعا أسلوب المزايدة على الاتحاديين بالحديث عن تخليق الحياة السياسية (كذا) و تعريب الحياة العامة ، بل إنه بلغ به الارتباك والخطأ أن اقترح مشاريع قوانين حمقاء كضرورة فرض الغرامات المالية على من يستعمل لغة غير العربية في الاجتماعات واللقاءات وداخل الجمعيات (كذا).
أما الآن فقد جمع الحزب رجليه كلتيهما داخل الحكومة وليس له إلا أن يتحمّل مسؤوليته كاملة ، وإن كان يمكن له دائما أن يعمد إلى آليته القديمة في تبرير أفعاله واختياراته بأن يقول كما قال أمينه العام السابق امحمد بوستة في بداية التسعينات لأحد الصحفيين الذي استفزّه قائلا : ألم تكونوا مسؤولين بقدر ما في الحكومات السابقة على الأوضاع الحالية التي تنتقدونها اليوم ؟ حيث أجاب الأمين العام قائلا : " بالطبع لا فنحن إنما كنّا نساعد صاحب الجلالة " ، وهو نفس المنطق الذي جعل السيد العربي المساري يستبق الأحداث ويشير إلى أن صلاحيات الحكومة ضعيفة أمام وجود عدد كبير من الهيئات الاستشارية الملكية ، والسؤال المطروح في هذه الحالة هو : لماذا القبول بتحمل أعباء حكومة لا تحكم دون المطالبة بتعديل دستوري . ألا يتحمّل الحزب القسط الأكبر من المسؤولية بجانب الإتحاد الاشتراكي في إجهاض النقاش العمومي الذي كان قد انطلق قبل الانتخابات الأخيرة حول الدستور ؟
سيقول قائل إن كل ما ذكرناه قد أصبح في ذمة الماضي حيث طاله التقادم بحكم مرور الوقت وتعاقب السنين ، وأن حزب الاستقلال اليوم ليس هو حزب الاستقلال الأمس ، غير أننا نشك في ذلك بالنظر إلى التهافت الذي أظهره على المناصب والألقاب الحكومية ، وبالنظر إلى الأساليب الثعلبية التي اعتمدها خلال السنوات الأخيرة مما أظهره بمظهر الحزب التقليدي المحافظ والبعيد عن تحقيق طموح المغاربة في التحديث والدمقرطة . وبالنظر كذلك إلى " ثوابته " القديمة التي ما زالت تصدر عن مؤتمراته ضمن البيانات الختامية ، والتي ليست أكثر من مناطق نفوذ مسيجة بإحكام ، وذلك رغم مرور مياه كثير تحت الجسر .
لا شك أنه سيكون صعبا على الحزب أن يتخلّص من عاداته السيئة القديمة ، لكن ظروف اليوم ليست هي بالفعل ظروف الأمس ، فوجود صحافة مستقلة ويقظة ، ومجتمع مدني نشيط وقوي الحضور على الساحة الوطنية والدولية ، وهيئات تمارس الرقابة الدائمة على المال العام وعلى أساليب التدبير والحكامة ، قد يخلق الضغط الشعبي اللازم لجعل الحزب ينضبط بعض الشيء " للثوابت الجديدة " التي لم يخلقها بنفسه ، لكنها أصبحت موضوع إجماع القوى الحية بالبلاد .
صحيح أننا لم نعط ثقتنا لحزب الاستقلال ، ولم نختره لتولّي أمورنا التي ساءت بسببه هو وغيره ، غير أن قواعد لعبة غير نزيهة قادته مرّة أخرى إلى حيث سينبطح من أجل " مساعدة صاحب الجلالة " مدّة لا نعرف إن كانت ستطول أو تقصر ، وسيكون كل ذلك فرصة لنا لنتحرّك بقوة من أجل المرور إلى مستقبل لا مكان فيه لحزب الاستقلال الذي نعرفه ، إلا إن فرضت ضرورات الوقت على نخبته العجوز اعتزال السياسة وترك أماكنها لنخبة عصرية جديدة من أبناء الحزب الذين لا يحملون الضغائن القديمة ، ولا يمتحون من نفس " الثوابت " المهترئة .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر