الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأشجار لا تموت

جمعة كنجي

2007 / 10 / 22
الادب والفن


أقبل الخريف ، بدأت أوراق بعض الأشجار تذبل ثم تسقط على الأرض . حزنت الأشجار حزنا ً شديدا ً ، وتساءلت فيما بينها : " ماذا جرى ؟ ولماذا تتساقط الأوراق هكذا ؟؟" . قصدت الأشجار شجرة جوز كبيرة لتستشيرها في الأمر ، ضحكت شجرة الجوز وقالت : " لا شيء .. لا شيء يا عزيزتي . يبدو أن الشتاء قد بدأ يقترب ، لذلك تتساقط الأوراق نحو الأرض " .
عادت كل شجرة إلى مكانها ، وهي في غاية الأطمئنان . إستمر تساقط الأوراق ، تجمعت أكداس كثيرة منها فوق سطح الأرض . وقبل أن يحل ّ فصل الشتاء ، صارت جميع أشجار الغابة - عدا القليلات- عارية من الأوراق تماما ً .
حتى شجرة الجوز الكبيرة ، سقطت هي الأخرى أوراقها ، وبدت كأمرأة عجوز طاعنة في السن . عندما أضحت الغابة جرداء ، إنتشر الخوف بين الأشجار ، قالت شجرة التين :
-لا بدّ وأن الشتاء فصل قاس لا يرحم ، فأي شيء يمكن أن يحمله لنا ؟؟
ردت شجرة الجوز تقول بوقار:
- أجل.. إن الشتاء فصل قاس ٍ حقا ً ، سيحمل لنا معه الأمطار والثلوج والعواصف ..
لكن عليكم أن تصبروا !
واقبل الشتاء . هبّت عاصفة شديدة ، إرتجفت الأشجار من شدة الخوف ، وإنتشر الذعر في الغابة : الرياح عنيفة ، تستطيع أن تقتلع أي شجرة من جذورها .. ما السبيل للخلاص من العاصفة ؟!. صاحت الأشجار بصوت واحد : " لنهرب من وجه العاصفة ، وإلاّ ستقضي علينا جميعا ً .. !" لكن شجرة الجوز الكبيرة هزت رأسها غير موافقة على هذا الرأي ، قالت بصوت رزين :
- كلا .. لن نهرب ! قد تسقط بعض الأشجار في مهب العاصفة ، لكن ليس في مقدور العاصفة علينا جميعا ً .
هكذا صمدت الأشجار في وجه العاصفة . بقيت العاصفة تهب أسبوعا ً كاملا ً . سقطت بعض الأشجار ، تكسرت أغصان أشجار أخرة ، ثم هدأ كل شيء ، تلبدت السماء بغيوم سوداء كثيفة . لم يمضِ ِ وقت طويل حتى تساقطت الثلوج بغزارة . إستمر الثلج يتساقط ويتساقط حتى غطى الغابة وإنطمرت جذوع الأشجار تحته . خافت الأشجار خوفا ً شديدا ً ، قالت شجرة الزعرور :
- لنهرب.. ! الثلج أخطر من العاصفة . سيطمرنا تحته ، ويقضي علينا جميعا ً !.
أطرقت شجرة الجوز الكبيرة تفكر ، ثم قالت للأشجار بصوت حكيم :
- كلا .. لن نهرب ! قد تسقط بعض الأشجار تحت ثقل الثلج ، ولكن ليس في إمكان الثلج أن يقضي علينا جميعا ً !
إقتنعت الأشجار برأي شجرة الجوز الكبيرة ، وبقيت في مكانها بأنتظار ذوبان الثلوج" .
ذات يوم سقطت الأمطار بغزارة . فرحت الأشجار وقالت : " المطر سيذيب الثلوج". في الليل أضاء الغابة بريق ساطع ، أعقبه دويٌّ يشبه أصوات المدافع ، إنكمشت الأشجار على نفسها وهي ترتعد ذعرا ً .
قالت شجرة البلّوط : هذه هي الصاعقة .. وهي تستطيع إقتلاع أي شجرة في غمضة عين ! " . خافت الأشجار وصاحت :
- لنهرب.. ! الصاعقة أخطر من الثلج ، وهي تستطيع أن تمزقنا قطعا ً قطعا ً .
قالت شجرة الجوز الكبيرة مؤنبة :
- كلا .. لن نهرب ! الصاعقة قد تقتلع بعض الأشجار ، ولكن ليس في إمكانها إبادة غابة .
إقتنعت الأشجار بهذا الرأي ، فلم تهرب .
أذابت الأمطار الثلوج إنحدرت السيول من قمم الجبال . تجمعت على شكل نهر هائج . إتجه النهر صوب الغابة وهو يزمجر . إقتلع عددا ً غير قليل من الأشجار ، وجرفها معه بعيدا ً ، إنتشر الذعر في الغابة ، صرخت شجرة الصفصاف :
- لنهرب ..! السيل أخطر من الصاعقة . سيجرفنا نحو البحار البعيدة .
لكن شجرة الجوز الكبيرة إعترضت قائلة :
- كلا .. لن نهرب ! السيل سيجرف الأشجار ، لكنه لا يستطيع القضاء على غابة .
هكذا بقيت الأشجار في مكانها ولم تهرب . مع بداية الربيع أورقت جميع الأشجار ، إكتست الغابة بثوب أخضر جميل . إنسابت الجداول الصافية في كل مكان ، غرّدت الطيور على الأغصان ، إمتلأت الأغصان بالفاكهة ، لم يعد هناك مكان على الأرض أجمل من الغابة .وحدث فجأة - في أحد أيام الصيف - أمر مرعب . شبت النيران في طرف الغابة ، تصاعدت أعمدة الدخان نحو السماء ، إنتشر الأضطراب في الغابة ، صرخت الأشجار باكية.
- لنهرب ..! النيران أخطر من السيول . إنها ستحرقنا جميعا ً ، وتحيلنا إلى كومة من الرماد !!
نظرت شجرة الجوز الكبيرة إلى ألسنة النيران ثم خاطبت الأشجار بهدوء ووقار :
- كلا .. لن نهرب !! حتى النيران لا تستطيع القضاء علينا. جذورنا في الأرض، وستنمو من جديد .
أحرقتِ النيران جزءً من الغابة ، ثم مضت تلتهم الهشيم . فرحت ِ الأشجار ، وعانقت شجرة َ الجوز بأعتزاز . ويوما بعد يوم أخذت الأشجار تعلو وتكبر . نبتت أشجار جديدة . ظنت الأشجار بأنها لن تصادف محنة ً أخرى . ولكن حدثَ فجأة أن ترددت في أنحاء الغابة طرقات غريبة : " طاق .. طق ! " وعلى الفور إنتشر خبر مؤلم في الغابة : مخلوق يدعى الأنسان ، بيده آلة تسمى الفأس .. هذا المخلوق يقطع أي شجرة يريد بضربات قليلة من آلته الرهيبة ! .
هتفت الأشجار : " لنهرب ..! هذا المخلوق مخيف أكثر من العواصف والثلوج والبرق والسيل .. بل وحتى النار ! "
ردت شجرة الجوز الكبيرة تقول :
- كلا .. لن نهرب !!
القت نظرة على الأنسان ثم استطردت تكمل :
- هذا المخلوق رهيب ، يستطيع أن يقضي علينا فعلا ً ، لكنه لن يقدم على ذلك أبدا ً .
قالت الأشجار مستغربة :
- لماذا ؟؟
أجابت شجرة الجوز الكبيرة :
-لأنه عاقل !! لن يلحق بنا أذى كبيرا ً .سيأخذ حاجته من الخشب ، وينصرف .
عند ذاك توقفت ضربات الفأس ، غادر الأنسان الغابة حاملا ً معه قليلا ً من الخشب .



.****.
مضى الصيف ، واقبل الخريف ، وبدأت أوراق الأشجار تتساقط .. في هذه المرة ، لم تخف الأشجار ولم تضطرب، فهي تعلم أنها مقبلة على حوادث خطيرة : ستهب العواصف . وتتساقط الثلوج،وتفيض الوديان وتقصف الرعود، وتنتشر الحرائق ...وسيأتي الأنسان أيضا ًحاملا ً فأسه ، وبرغم كل ذلك ستبقى الغابة مزدهرة ، خضراء ، يانعة، ولن تموت الأشجار أبدا ً ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة