الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-صيف يوناني- لصالح دياب

شوقي مسلماني

2007 / 10 / 22
الادب والفن


السبُل كثيرة للوصول إلى الكتاب في لبنان مثالاً لا حصراً، وأقصد الكتاب العربي في الحقول كافّة: الأدبيّة، الفكريّة، السياسيّة .. إلخ. أمّا وتعيش في المقلب الآخر مِنَ الأرض وأعني أستراليا فالكتاب ذاته ولاسيّما الصادر حديثاً فنادر، وإذا كنتَ قارئاً ستجد نفسك تقرأ ما فاتك، وإذا كان حديثاً ففي الأغلب الأعمّ هو ليس مِنْ خياراتك، أقلّه هو ليس في المزاج الذي لا استقرار له.
وأخيراً رجع الصديق الشاعر وديع سعادة مِنْ رحلة شعريّة إلى لوديف الفرنسيّة، ومثلما في رحلات أخرى رجع حاملاً إليّ كتباً ومنها "صيف يوناني" وهو مجموعة شعريّة للشاعر صالح دياب.
وألقيتُ نظرة على تاريخ الإصدار، ثمّ ألقيتُ نظرة على لوحة الغلاف للفنّان يوسف عبدلكي، ثمّ نظرة ثالثة أخيرة على صفحات مثلما غالباً تكويناً لفكرة.
ورأيتُ ألاّ أتأخّر في قراءة المجموعة.
**
وبديهي أنّ معظم ما وصلَنا مِنَ الشعر العربي إلى أوائل القرن العشرين أكثر ما يجمع ضوءَه على العامّ وكثيراً ما يصهل وقليلاً ما يهدل وكثيراً ما يجتاز المحيطات وقليلاً ما ينكسِر أي كثيراً تتضخّم الأنا: أنا الذات الفرديّة وأنا الجماعة وقليلاً ما تحضر الزاوية بانطوائها وخيباتها التي لا عدّ ولا حصر لها وإذا حضرت فمن ذا الذي سيحفظها ولماذا أصلاً سيحفظها؟.
والظنّ أنّ الشِعر إفتخار ورايات ومنبر في صراع البقاء الذي لا رأفة فيه إلاّ أنّ هذه القاعدة تهاوتْ صرامتُها على الأقلّ لاتّساع الرؤية بوجوب الإنارة على التفاصيل بمجمل أوجهها مِنْ دون حرج أو وجل وحتى بأخفتْ صوت.
وبراحة ضمير يمكن إدراج مجموعة "صيف يوناني" ـ دار ميريت ـ القاهرة ضمن نسق الإتّجاه الأخير حيث الذات مفتوحة على عوالِمها الخاصّة الأصلاً في المآل الأخير مفتوحة على الذات الإنسانيّة إلى أي أرض وسماء انتمت.
**
و"صيف يوناني" ـ 117 صفحة من القطع الوسط وثلاث محاور هي: "عود أبيض"، "السفينة تعبر مضيقاً" و"قمر يابس يعتني بحياتي" ـ متابعات يوميّة لحياة ورحلات وهجرات لها ألوان وشؤون، وصور تكتنزها بما هي الصوَر شديدة اللصوق بالفنّ، والشِعر أمضّه وأمرّه، مع انسياب باللغة ونداوة، فالممرّ الآن لا يُحيل إلى القواميس، والمدى زهور، فالقلاع لا محلّ لها ـ إنسياب سلِس مِنْ دون إطناب أو تضخيم، والممرّ الآن! لا جيش لجباً ولا هدير ولا بروق ورعود بل بوح وشفافيّة وتأمّل داخلي يحفظ دائماً، وكما يجب، حيِّزاً للمغامرة، مثلما يجب أن يكون للعبث محلّ وبحدود المجدي أي لا إفراط أبداً سلبي.
**
"طويلاً / ستحوِّم الطيور الكاسرة / فوق حياتك / ولن تجد مكاناً تأوي إليه / نهاراتُك ولياليك" يقول الشاعر صالح دياب في الصفحة 51 مِنْ مجموعة "صيف يوناني" لتيهٍ ورمل لانهائي وسماوات واطئة وظمأ.
و"مجذافك الكبير / تحطّم / وفوق غيابك / تنبتُ الأعشاب" يقول في الصفحة 43 وذلك لأنّ الآمال العظيمة لبوتقة محدّدة كلّها تسوّى بالأرض. ولنُعذَر، حتى ردّ الفعل المفهوم، وإن يصعب تبريره محظور أن يكون مفهوماً، فيما الحثّ على الإدانة يجب أن يتضخّم إلى حدود الهوس، وربّما إلى حدود إثارة الشبهة، فالفاعل يجوز له أن يأتي على الأخضر واليابس فيما لا يجوز للمقتول المباد أن يفكِّر ولو عدماً، والشاعر حتماً لم يتقصّد فيما الآخر له أن يرى مِنْ مكوِّنِه جهة الريح.
و "على الطاولة / يتبادل الصيّادون مع ذكرياتهم / الشباك الممزّقة // النسيم لا يهبّ إلاّ ليشعل خساراتهم" هكذا في الصفحة 53، ولنلاحظْ صيد الشاعر صالح دياب هنا، وقيل أنّ غنى الصيّاد إلى الركبة وفقره إلى العنق، وكما الشباك ممزّقة كذلك هي الذاكرة ممزّقة ثمّ لا يقبض العدم إلاّ على العدم، ثمّ الريح بالقسوة ذاتها ـ أتذكّر المأساة فالمهزلة ـ ها هي تهبّ إنّما لتفضي إلى عدم آخر.
**
وهذه الأجنحة مِنْ فضاء "صيف يوناني":
1 ـ "منذُ دخلتُ هادئاً إلى السروة / مقابل البيت / تاركاً ظلّي ينشف / على الأوراق".
2 ـ "الشِعر / يتبادل مع الزرقة العناوين // الفرج قارب / يرسو بجانب قارب".
3 ـ "الطمأنينة / في مرورها / تخلق ندوباً".
4 ـ "فمي شجرة / تسبح في أوراقِها اليابسة".
5 ـ "أتابع بمعيّة الضباب / الذي يتكثّف في تلك الجهة / مِنْ حياتي".
5 ـ "رسائله الكثيرة / لا تصنع مرفأ".
6 ـ "أنتَ الذي تفكِّر بالغابات / النائمة في الأشجار / لن تفلح في انتزاع / الشوك مِنْ صمتك // طويلاً / ستحوِّم الطيور الكاسرة / فوق حياتك / ولن تجد مكاناً تأوي إليه / نهاراتُك ولياليك // وفي عينيك ستنزف / السماء مع زرقتها / وستمضي أيّامك تفلح الأرض / عند قدميّ السواد // جالساً / تراقب السفن / تمرّ بعيداً / ثمّ تتّخذ طريقَها / نحو عرض البحر".
7 ـ "حين مررت بهم / على المرفأ القديم / كانوا يذبحون نجوماً / عند النبع // لم تخطري في صوتي بعد / وكنت أنسى رسائل كثيرة / في البريد // لا أقول شيئاً عن الجزر / التي تساقطت مِنْ عيني / لا أقول أيضاً عن الصوَر الحامضة / التي التقطوها لغيابي / ولم تأخذ مكانها في الألبوم // عبثاً / على الرصيف / أرتق عقوداً مهجورة مِنْ يدي / ثمّ يأتي النهار / كي لا يتوقّف عن السعال / تحت الجلد".
8 ـ "أنتظرُ / أن يصحو الطقس / كي أرى الضغينة كاملة".
9 ـ "يد خالتي / كلّما ربّتتْ على كتفي / تترك جزيرة".
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟