الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما سحقت الدولة المعنى النبيل للسياسة

أحمد الخمسي

2007 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


كان الخطاب الملكي في افتتاح الدورة التشريعية الأولى للبرلمان ثاقب التوجه ، دقيق الأفكار ، منسجم البنية الذهنية، عقلاني البرنامج بعد التصور.

لكننا نحلم بالملكية العقلانية الحداثية التي تجد الرافعة لحفظ رصيد القرون الأربعة من التلف في وضع النقط العشر من بين مطالب الشعب الأساسية، مادة خام لتوليف التوجهات الثلاثة حول الكيان الترابي ودولة القانون والبرنامج الاستعجالي مع الموازي من الأوراش؛ جزءا من برنامج إصلاحي شامل تبدأ من الماكنة المركزية للعمل السياسي: الدولة. فإذا اعتبرنا أن النضال اليومي لشخص الملك عبر المناطق رصيدا لتجميع 35 في المائة من أصل 37 في المائة من المشاركة في الانتهابات. فبنفس المنوال والقياس يتحمل النظام السياسي ككل نسبة 50 في المائة من عدم المشاركة من أصل 63 في المائة من المستنكفين يأسا ولامبالاة.

والملكية العقلانية الحديثة التي تعمل على أن يبدأ الإصلاح المؤسسي من بنيانها الأساس، مع اشتراط مشاركة الشعب، لا بد أن تبدأ من نفسها. إن المتفهمين لإنسانية شخص الملك، ولامتداد إنسانية جده عبر الأميرة أمينة وغيرها من أبناء وأحفاد ابن يوسف الودود، يعتقدون أن جدية الخطاب تنسج ضمن جدلية التماسك بين الذات والموضوع، بين الدولة والهيئات السياسية الأخرى.


واستحضار رصيد الدولة في مسؤولية كل العبث الذي يوجد بين ظهرانينا، يظهر أن الحد الفاصل الذي أراده الحسن الثاني أن يكون سنة 1984، في المدن المزلزلة بين مغرب الأوباش ومغرب النخب لم ينجح في حصر دائرة الأوباش في الطبقة السفلى كما تخيل المخزن ساعتها، في تصور خاطئ عن الشعب. بل عمل الراحل ادريس البصري، غفر الله له، على نزع الروح الوطنية من تربة دور الشباب وزرع الألغام من حول العمل الجمعوي. وزرع الرعب في الفضاءالموجود فوق الحركة المجتمعية المعتمدة على التطوع عبر نشر تهمة جاهزة تلخصت ساعتها في ترويج الأفكار المستوردة من طرف كل من يخالفه الرأي.

ثم انتقل إلى فئات الطبقة المتوسطة، الأطباء والمهندسين والمحامين والأكاديميين والخبراء التقنوقراط في مختلف القطاعات، وبلقن العمل التطوعي المهني الصرف بخلق الأندية والأنظمة بواسطة القوانين الداخلية المجحفة، التي كانت تتوخى الإرهاب الفكري والتخويف من السياسة ومن العمل السياسي. ليتمكن من إلقاء القبض الرمزي على العقل المبدع للطبقة المتوسطة.

وكانت السياسة تلك، المتبعة خلال الثمانينات، بعد أحداث يناير 1984، تتمة لتوجهات طالت القوات العمومية بعد الانقلابين 1971 و1972، مما ترك العقل السياسي للدولة عبارة عن ميكيافيلية محض احترازية، تجاه القوى الحية المكونة للرصيد الشعبي المزود للدولة بالأطر السياسية والتقنوقراطية والبيروقراطية، في الاقتصاد والإدارة والمرافق الاجتماعية.

ومن فرط التطويق الإداري والتنظيمي عبر المؤسسات، نجح ادريس البصري، غفر الله له، في تفتيت قطاع التربية والتعليم، حتى نبتت الحروب الأهلية بين الفئات، وعوضت المقاصد الوصولية وأوهام الترقية الداخلية، عبر الدرجات والرتب، الأهداف الاجتماعية الماكروقطاعية. بل نزل سيف معاداة القضايا العادلة أن تم الخلط بخطابات رسمية بين الشعب والقضية الفلسطينية تجاه وحدة التراب الوطني للمغرب وبين ضعف القيادة الفلسطينية أواخر الثمانينات، خصوصا بعدما استقبل المغرب شيمون بيريز سنة 1986.

وأصبح المغرب نهاية الثمانينات في أحط المستويات من حيث الوجدان السياسي الجماعي لدى النخب السياسية. وكان ذلك نتيجة حتمية لهيمنة وزارات الداخلية في شكل أخطبوط مخيف على عشر قطاعات في الحكومات المتعاقبة. وأصبح التقرب من ادريس البصري وسيلة لضمان موطئ قدم في أوساط النخب السياسية والاقتصادية والمهنية والادارية.

وتم تتويج انتشار هذا المناخ المسموم للقرار الأمني على مقاليد العقل السياسي لدى الطبقة السياسية العليا والوسطى، أن هيمنت وزارة الداخلية على القضايا الكبرى في السياسة الخارجية والقضايا المصيرية للكيان السياسي وللنظام مثل مشكل الصحراء في منطقة المغرب العربي....مما أعمى المتحدث الرسمي في الغالب، وأبكم النجباء حتى، فأصبح الكل يغني بعبارة الاستفتاء التأكيدي. بدل الاجتهاد في الاطلاع على تجارب الشعوب في حل المعضلات الترابية عبر التاريخ.

وحرمت الدولة من الاستفادة من استقلالية المثقفين والأكاديميين، وعجزت عن مراكمة مواقع علمية وفكرية لتقوية المخيلة السياسية للدولة عند اقتراب مواعد التفاوض أو مواعد التصويت في الأمم المتحدة. وصارت لنا خبرة في اقتفاء أثر الراحل بوب دينار، بدل اكتساب الخبرة في المرور من فوق وبجانب الألغام السياسية في الساحة الدولية.

وها نحن اليوم نجد أنفسنا في حالة شرود عند ترديد الاستفتاء التأكيدي حتى تجاه سياستنا نحن. وذلك من فرط ما فرطنا في قضايانا. وقد أنتجت ماكينة ادريس البصري لوالب من معدنها التبريري والانتهازي داخل المكاتب السياسية للأحزاب الديمقراطية. مما أبرز خصائص بعضهم بالتبرير الدائم والمتعرج مع تناقضات السياسة الرسمية. وإذا كانت السياسة فعلا فن الممكن، فقد تردى معنى الممكن في الواقع السياسي المشكل من قاطرة وزارة الداخلية في المغرب نحو أسفل سقف سياسي، يكاد لا يزيد عن عدد الطوابق التي تتكون منها العقارات والبناءات المجسدة للفئة المستفيدة من الطبقة السياسية البيروقراطية والتقنوقراطية والحزبية. بحيث أصبح النجاح السياسي مقرونا بدرجة الانتهاز الأناني المفرط في اتجاه المنافع الفردية.

وقد شكل هذا التوجه الحثيث للدولة ما بين 1975 و1999، قوة دفع داخل القيادات الحزبية. وأصبح المعنى النبيل للسياسة أفقع أشكال البلادة. ومازال اليوم منطق الاستهزاء من منهجية العفاف والكفاف في مسالك الوظيفة والجماعات المنتخبة والمسؤولية، منطقا ساريا. وبالتالي، جفت منابع التطوع في العمل الحزبي الجاد، واعتكف المناضلون على تعميق منابع فكرهم وتشريح تجاربهم العملية ومكابدة الانهيار المتسارع في معاني الشأن العام والمجال العام والرأي العام.

وأحاطت بهم الخطط النفعية وتبنى الحداثيون الموسمية في العمل السياسي طريقا انتخابويا مدقعا. وآخر ما استجد في مجرى العمل السياسي الوطني، فتح محلات النصح السياسي عبر الدعوة البئيسة للمشاركة السياسية بكيفية كاريكاتورية، تجمع بين الاستعلاء البرجوازي وانتهازية الخبراء الذين لا طعم لهم ولا لون.

بينما الإدارة واختبارات الترقية تغطية على الزبونية وعلى دعم مراكز العمل التقنوقراطي المحض بلا حوافز وطنية أو عبر قتل الروح الوطنية. إلى درجة ظلم ذوي الإخلاص والاستحقاق سواء ترقوا أو سحقوا ما دام القياس غير القياس الوطني ولا علاقة له بالمعنى النبيل للسياسة.

وقد درجت الدولة على اتباع استراتيجية إبقاء البنيات المحنطة للمخزن على ما هي عليها. من فرط التسلط بدل الديمقراطية ومن فرط التخلف بدل التقدم ومن فرط الانغلاق بدل الانفتاح ومن فرط الابقاء على الريع والتواكل بدل تحريك قيم العمل في لحظات الاستحقاق.


لكل ما سبق، ما زال السؤال عن الفترة الانتقالية لما بعد تاسع نوفمبر 1999، هل انتهت بالغياب الأبدي للوزير البصري، غفر الله له، أم أن تقاذف المسؤوليات ستبقي على الاختصاصات الدستورية على ما هي عليه.

إن الانتقال من مغرب الأوباش المكرس في تصور النخب الانتهازية المستمرة في المواقع الأساسية، نحو مغرب الأوراش الذي يعمل الملك على إرسائه في أفق صورة المغرب في ذهن المغاربة، لا بد أن يمر طريقه عبر المحميات التي تنتج وتعيد إنتاج مغرب الأوباش من الصنف الراقي بين النخب والزعامات. فالإصلاح الدستوري سيمس مصالح الأوباش الانتفاعيين وسيدعم سمعة الملكية والأسرة الملكية وكل الديمقراطيين والحداثيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية