الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارتدادات زيارة الأسد لتركيا

بدر الدين شنن

2007 / 10 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


1 القفز فوق الأراضي المسلوبة

لعبت تكنولوجيا النقل المعاصرة دوراً هاماً في زيارة الرئيس الأسد منذ أيام إلى تركيا ، إذ أنها وفرت عليه حراجة المرور في الأراضي والمدن السورية ، التي احتلتها تركيا حرباً في الحرب العالمية الأولى ، أو بالتواطؤ لاحقاً مع الاستعمار الفرنسي ، وتجنب بذلك المرور في شوارع أي من ا سكندرون وانطاكية وكلز وعنتاب والريحانية وأورفة وفوزي باشا .. تجنب نظرات عيون العرب السوريين الغاضبة .. لأن سلطات " الحزب القائد " حزب " البعث العربي " قد تنازلت عن سورية وعروبة تلك المدن وأهلها ، مقابل صفقة توازنات بقاء إقليمية بائسة . بل ووفرت على الرئيس تجنب حتى الإحساس بالحرج وتداعياته الوجدانية . ولهذا قال قولة الجازم ، أمام رجال الأعمال الأتراك ، أنه شعر في زيارته الأولى إلى تركيا قبل أربع سنوات أنه بين أهله ، أما في زيارته الراهنة فهو يشعر أنه في منزله . ولو أن قوله هذا قد صدر عنه في القاهرة أو الرباط أو الرياض أو صنعاء مثلاً ، لكان ذلك مقبولاً منه ، فكلنا أشقاء ننتمي إلى أمة واحدة سواء كنا من نسل عدنان أو قحطان . أما أن يقوله في تركيا .. مع احترامنا ومحبتنا للشعب التركي كما نحب ونحترم شعوب الأرض قاطبة ، فإنها تحمل دلالتين هامتين ، كل منهما أكثر غرابة من الأخرى . الدلالة الأولى : أن الرجل نسي في لحظة انفعال مصلحي أن تركيا لاتزال تحتل جزءاً عزيزاً من أرضنا الوطنية ، وقفز سياسياً فوق مسؤولية تحريرها وعودتها إلى الوطن الأم . والدلالة الثانية أنه تجاوز أن الذين يتحدث إليهم " رجال الأعمال الأتراك " لايستخدمون ، كما رجال أعمال البلدان الأخرى ، العملة العاطفية في تعاملات " البزنس " الخالية من العواف والوجدانيات ، بل يستدلون على أن من يستخدمها هو قليل المال والخبرة .

وفي العودة إلى الوطن ، قفز الأسد أيضاً من أنقرة إلى دمشق فوق الأراضي والمدن السورية السليبة ، حاملاً مشاعر النجاح في " إنجازه التاريخي " مع نظيره التركي عبد الله غول ، في تزامن شبه مطابق لزيارة عشرات آلاف السوريين " الأتراك " إلى ذويهم في سوريا بمناسبة العيد لمدة يوم ونصف اليوم ، دون جوازات سفر ، ثم ولوا عائدين من لدن بعض الأهل في الوطن الأم إلى البعض الآخر من الأهل .. حيث الديار السليبة .. والهوية البديلة .. والآفاق المسدودة .
.. المفارقة العصية على الفهم ، كيف مرر الرئيس الأسد موقفه الداعم للحكومة التركية في حربها ضد حزب العمال الكردستاني " الانفصالي " حفاظاً على وحدة التراب التركي .. بينما هو لايحارب .. ولايطالب .. بوحدة التراب السوري .. بعودة الأراضي والمدن السورية المسلوبة ـ التي تتجاوز مساحتها من اسكندرون إلى ماردين المائة ألف كيلو متر مربع ، خلف الحدود التركية .

2

بلاغة تغلفها الخيبات

" نحن الدول نخطط وأنتم رجال الأعمال تضعون التفاصيل " .. هكذا خاطب الرئيس السوري رجال الأعمال الأتراك ، مقدماً بذلك جدلية السياسة والاقتصاد حسب النهج المقلوب في سوريا . أي أن السياسة أولاً .. والاقتصاد يسير على الخطوط التي ترسمها وتحددها السياسة " القيادة " . متناسياً ، أن ألف باء قوانين تطور المجتمع تقول بتبعية السياسة للاقتصاد .. تبعية الفكرة .. الحركة .. للحاجة وليس العكس . فحاجة العالم المتزايدة للطاقة ولدت ، لدى الساسة الأميركيين الطامعين في بسط سيطرتهم الإمبراطورية ، سياسة السيطرة على أكبر مايمكن من احتياطي النفط في العالم ، وحفزتهم على احتلال العراق ، ووضع اليد على ما يحتويه من كم هائل من الثروة البترولية . وحاجة أميركا لتصريف انتاجها من صناعة التسلح جعلت منها ، مع أسباب إمبريالية توسعية أخرى ، الدولة الأكثر إثارة للتوترات والنزاعات المسلحة في العالم . ورغم أن العلاقة بين الاقتصاد والسياسة اكتسبت مع تطور المجتمعات والدول أ شكالاً معاصرة مموهة إلى حد ما ، إلاّ أنها بقيت قائمة في جوهها على تقاسم الأدوار فيما بينها دون تعديل ذي شأن . قد يبدو أحياناً أن الاقتصاد يشكل خلفية السياسة خاصة في الأحداث الكبرى ، إلاّ أن من يقرر .. ومن يستفيد من تنفيذ تلك السياسة ، لاسيما في الأحداث الكبرى ، هي الشركات العملاقة العابرة للحدود قبل الحكومات التي لايعدو دورها أداة تنفيذ قرارات ( سياسات ) مجالس إدارات تلك الشركات . وحركة تداول السلطة ( الديمقراطية ) بين الأحزاب السياسية الأساسية في البلدان الرأسمالية ، تدور حول أي منها الأكفأ في خدمة الدوائر الاقتصادية العملاقة أولاً ، ثم تأتي ثانيأ خدمة الهوامش الاقتصادية لبقية المجتمع .
تصفيق رجال الأعمال الأتراك لقول الرئيس السوري : أنتم تضعون التفاصيل لقراراتنا السياسية ، كان عملاً خبيثاً ، كان يعني أمراً واحداً : إذن افتح لنا باب الاستثمارات في سوريا ولنا فيما بعد حديث آخر . وقد مرروا له ما ضمره قوله من أن العلاقة الاقتصادية بين سوريا وتركيا ليست بين اقتصادين يحملان فوائد النمو المشترك والتكامل ، وإنما هي علاقة مرتبطة من الجانب السوري بمالك القرار السياسي ، الذي هو النظام ، والاتفاق حول قسمة المصالح هو معه أولاً . ما معناه ، أن الاتفاق الاقتصادي إن لم يخدمنا كنظام نسقطه بقرار سياسي .
وإذا كان بالنسبة للنظام السياسة أولاً ، وبالنسبة لرجال الأعمال الأتراك الاقتصاد أولاً ، فإن بلاغة الخطاب المتبادل يعتريها التناقض وتغلفها الخيبات . سيما وأن الضمان لانتقال الرأ سمال من بلد إلى آخر مرهون بضمان الاستقرار ونمو الاقتصاد وحرية الحركة والرأي والخيارات . لكن الرئيس خلص من خطابه لرجال الأعمال الأتراك مطمئناً إلى أنهم قد فهموه جيداً .. !! .. وآملاً أن تصب مزاريب العلاقة السورية التركية الجديدة في خزائن الطبقة الرأ سمالية السورية الحاكمة .. والنائب الاقتصادي الدردري كفيل أن يرتب معهم لاحقاً تفاصيل التفاصيل التي تحقق الآمال المنشودة .. !! ؟ .

3

حلم إقليمي مستحيل

من أبرز أهداف زيارة الرئيس الأسد لتركيا ، كان كما أشار في إحدى خطبه " التركية " هو العمل على إقامة تفاهم أو تحالف إقليمي يضم إيران وتركيا وسوريا والعراق . ولعله بنى هذا الهدف على قراءة معطيات ووقائع ملموسة متعلقة بالقيم الجغرافية والسياسية والاقتصادية لهذه البلدان مجتمعة ، فهي تمتد من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط على مساحة تبلغ ما يقارب ثلاثة ملايين ونصف المليون كيلو متر مربع ، ويبلغ عدد سكانها نحو 200 مليون نسمة ، وتمتلك ثروات بترولية كبيرة .. أعظم احتياطي نفط في العالم .. وناتجها الاجمالي السنوي يقدر ب ( ترليون دولار ) ، فضلاً عما تتمع به من قدرات عسكرية لافتة إن على المستوى النوعي أو الكمي . مامعناه أكثر وضوحاً ، أن الرئيس يجري وراء بناء قطب دولي شرق أوسطي ، أ سوة بما يجري في هذا الصدد في شرق آسيا وأوربا وأميركا اللاتينية .
بيد أنه ، إذا كان من المسلم به أن التحالف الإيراني السوري منجز منذ عهد الأسد الأب ، فإن ما يعنيه خطاب الحلم الرئاسي السوري هو موجه إلى كل من تركيا والعراق . وعندما يتعين علينا ا سقاط امكانية دخول العراق الآن ولزمن غير معلوم في هذا التحالف لخضوعه للاحتلالات الأجنبية وللتمزقات الاثنية والطائفية ، فإن تركيا تبقى هي الدولة الوحيدة المتاح معها الحوار حول هذا المشروع . وحسب مقومات الوضع التركي المأزوم ، بين الجيش وحزب العدالة والتنمية ، بين العلمانية القومية والنزعات الإسلامية الزاحفة إلى تغيير الهوية التركية الكمالية ، وارتباط تركيا بحلف الأطلسي وعلاقاتها الدبلوماسية القديمة مع إ سرائيل ، وسعيها الدؤوب للإنضمام إلى الاتحاد الأوربي ، وعلاقاتها الاقتصادية التكاملية مع أوربا وأميركا ، فإن الحكومة التركية ، وإن توفرت لديها النوايا الإيجابية ، هي غير قادرة على خوض مثل هذا السجال الدولي الصعب ، أو تفضل العلاقة مع النظام السوري على علاقاتها الاستراتيجية المتينة المزمنة مع الغرب كله .

أقصى ما يمكن أن تقيمه تركيا من علاقات مع سوريا الآن ، هو رفع سوية التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي ، ولعب دور مهدئ في اضطرابات المنطقة ، مقابل تنسيق سوري تركي فعال ضد الحراك الكردي " الانفصالي " ، لتقوية ا ستقرارها الداخلي وتعزيز مركزها الإقليمي ، الأمر الذي يرفع من مؤهلاتها للإنضمام إلى الاتحاد الأوربي .. ما معناه هنا .. أن الأتراك يفضلون أن يضعوا رؤوسهم بين الرؤوس الأوربية الأكثر أماناً وحضارة ونفعاً ، من أن يضعوها بين الرؤوس العربية الإيرانية المتناطحة .. المتخلفة .. المتذابحة .

وعندما تكون عناصر الحلم الإقليمي بهذا الشكل من التفكك والخصوصية المزرية ، فإن الحلم الإقليمي القطبي الدولي يصبح مستحيلاً ، ويصطف هذا المستحيل إلى جانب ا ستحالة ممارسة دور إقليمي تسلطي في الوسط العربي .. وا ستحالة متابعة سياسة الاستبداد وإقصاء الآخر د ستورياً .. وأمنياً .. وسياسياً .. في الداخل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كا?س العالم للرياضات الا?لكترونية مع تركي وعلاء ???? | 1v1 ب


.. فـرنـسـا: أي اسـتـراتـيـجـيـة أمـام الـتـجـمـع الـوطـنـي؟ •




.. إصابة عشرات الركاب بطائرة تعرضت لمطبات هوائية شديدة


.. حزب الله يحرّم الشمال على إسرائيل.. وتوقيت الحرب تحدّد! | #ا




.. أنقرة ودمشق .. أحداث -قيصري- تخلط أوراق التقارب.|#غرفة_الأخب